صفحات الناس

كل هذا الصبر

null
نبيل صالح
«مسألة الحرية في وسائل الإعلام العربية» كانت موضوعاً لحوار الزميلة ديمة ونوس مع الأستاذ جهاد الخازن على فضائية «المشرق» ولحوار الزميل أمجد طعمة مع الأستاذ حسن م يوسف على إذاعة «أرابيسك» في العاشرة من مساء أمس وقد تابعتهما معاً لأني دعيت للمشاركة في كلا البرنامجين ثم اعتذرت، ليس تدللاً، وإنما للسبب ذاته الذي دفع سائر المحاورين إلى قول الأجوبة نفسها حول الموضوع ولكن بصياغات مختلفة.. فنحن ككتاب وصحفيين ومواطنين مزمنين بتنا نعرف العلة ومصدرها ودواءها، لذلك أرى النقاش يجب أن يكون مع سادتنا المراقبين والمطوعين.. (بكسر الباء والواو والرقبة).. وفي هذا الصدد نكتفي بما نشرناه قبل سنوات تسع حول الموضوع:
الحرية كالأزياء: صيفية وشتوية، بحرية وصحراوية، يرتدي الناس منها ما يناسب زمانهم ومكانهم المحكومين به، لهذا نرى أن أزياء الحريات الشرقية لا تتشابه أبداً مع أزياء أختها الغربية: حريات كالمايوه وأخرى تشبه العباءة.
كل كائن في الشرق له حريته التي لا تشبه حرية غيره، فحرية الثيران في أن تأكل العشب، وحرية الكلاب أن تعوي، حرية الطير بطول جناحيه، وحرية الموظف بطول راتبه، وحرية الحمار بطول رسنه.. حرية النشال في أصابعه، وحرية الراقصة في ردفيها، والكائن العربي هو الوحيد الذي لا يحتاج الحرية بدليل أنه لم يستخدمها منذ قرون ومع ذلك مازال حياً يرزق!!
فيما بعد، وفي سياق التحديث استوردت الدولة ماركات متعددة للحريات، ومثل كل الكماليات رفعت قيمة الضرائب عليها بعدما استخدمت جيشاً من المخبرين والمراقبين ورجال الجمارك والشرطة لتنظيم شؤونها ومنح إجازات سوق خاصة بها كتلك التي تعطى لسائقي السيارات: حريات لكائنات الجاغوار والمرسيدس لا تتشابه أبداً مع حريات الفولكس ?اكن أو الرينو.
وعلى الرغم من كل هذا التنظيم والتربيط والتشديد مازالت الدولة تتكبد أعداداً كبيرة من ضحايا الحريات على طرقات الفكر. فالدولة، عفواً الزوجة، تحب الرجل جالساً بين جدرانها وتحت أعينها، ذلك أن الزوجة، عفواً الدولة، لا يمكنها أن تطمئن لحريات الرجال ولا للمي بالغربال..
وتبقى أبهى حريات الشرق المتوفرة تلك التي أطلق فيها الشاعر نزار قباني النهود من إسارها، وسماها الشاعر جودت حسن «حريات بلون الكرز» يقصد حبات الحرية المشرئبة على ذرى النهود ومنتهى القدود.. الحلبية التي تغني: هات كاس الراح واسقينا الأقداح.. لأن ما في الأقداح فقط هو الذي يعطينا كل هذا الصبر..
موقع الجمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى