صفحات الشعر

مختارات من شعر الأميركي تشارلز سيميك

null
ترجمها سامر أبو هواش
مشروع شعري مميز تنكّبه الشاعر سامر ابو هواش ترجمة مختارات من نصوص بعض أكبر شعراء أميركا المحدثين عن “منشورات كلمة” و”منشورات الجمل” في أبوظبي وبيروت.
وسامر أبو هواش هو من أبناء جيله انفتاحاً واحتكاماً بالشعر العالمي، لاسيما الأميركي الحديث منه وسواه من التجارب العالمية. وهذا ما اكسبه حساً مرهفاً في الترجمة، وكذلك في تجاربه الشعرية المميزة.
جهد جدي وشغوف في مشروع يتضمن أسماء شعرية كبيرة دمغت الشعر العالمي ببصماتها فيما يشبه مكتبة شعرية كاملة على حدود الشعر واللغة والثقافات والانسانيات. كنا قد اخترنا في صفحة سابقة الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاثر التي تركت وراءها علامات جديدة من الشعر. في هذه الصفحة نختار الشاعر تشارلز سيميك.
وُلد تشارلز سيميك في بلغراد عام 1938. درس تشارلز الابتدائية والاعدادية في بلغراد. وفي عام 1954 تمكنت الأم مع اطفالها من الفرار أولاً إلى باريس ومنها إلى نيويورك.
حصل سيميك على جوائز عدة منها جائزة “بوليترز” للشعر عن “مجموعة قصائد النثر” (1989)، وجائزة “والاس ستيفنز” (2007). كما أصبح عام 2007 “شاعر اميركا” المتوج الخامس عشر.
من أعماله الشعرية: “ما يرويه العشب” (1967)، “في مكان ما بيننا هناك حجر يسجّل الملاحظات” (1969)، “تفكيك الصمت” (1971)، “مراقص كلاسيكية” (1971)، “أبيض” (1972)، “مدرسة للأفكار القاتمة” (1978)، “تقشف” (1982)، “العالم لا ينتهي: قصائد نثر” (1989)، “كتاب الآلهة والشياطين” (1990)، “نزهة ليلية” (2001)، “قرد في الجوار” (2006)، “ذلك الشيء الصغير” (2008).

ليس الجسد هذا الغريب إنه شخص آخر

الريح
حين تلمسني،
تلمس البلاد
التي قد نفتك.

خوف

الخوف ينتقل من رجل لآخر
غير عالم بذلك
مثلما تنقل ورقة عشب رعشتها
إلى جارتها.

دفعة واحدة ترتعش الشجرة كلها
وليس من أثر للرياح.

ألف عام مع العزلة

حين يدنو المساء
وتنقطع الثلوج
ترتفع بيوتنا
عالياً فوق الأرض
صوب الفضاء الصامت
الذي لا يبلغه نباح كلب
ولا شدو طائر.

إننا كالبحارة القدماء:
أجسادنا المحيط
والصمت القارب
الذي وهبنا إياه الرب
لرحلتنا الطويلة إلى المجهول.

نوم
نقّار الخشب يقرع على طبل صغير
ظل الضبع يسوّد وجهي
في قدميّ اللتين ستنالان الحكم الاشد،
ويديّ بغضبهما الزائف،
تمسّد العظام بعضها بحنان.
إني مع كل ما يرتجف،
كل ما يمكث رخواً بغير حياة.

تمطر ضفادع. دمي يتدفق
في محاذاة مدن داخلية مظلمة تشتعل فيها النيران.
أتسلق آباراً عميقة،
قيعان الصخر وقيعان العظام
تغلّف أبخرة ولادتي.

أشياء تفلت من قبضتي،
أشياء أخرى تبلغ نهاية صامتة.
هذه أغنيتي. لا شيء منا يبقى.
تقريباً لا شيء. إني كلّ حيوان يستوطنني.

حين يصير المطر ثلجاً
سينظر كل حيوان
إلى آثار خطواته
ويتعجّب.

الرجل الداخلي
ليس الجسد
هذا الغريب.
إنه شخص آخر.

ننظر بالوجه القبيح نفسه
إلى العالم.
حين أحكّ جلدي
يحكّ أيضاً.

ثمة نسوة
يزعمن أنهن احتضنه.
ثمة كلب يتبعني هنا وهناك.
ربما كان كلبه.

إنني صامت، لكنه أشد صمتاً.
لذا أنساه.
أجل، بينما أنحني
لأربط شريط الحذاء،
يظل واقفاً.

ظلنا واحد.
لكن ظل مَن منا؟

أود أن أقول:
“لقد كان في البداية
وسيكون عند النهاية”،
لكن لا يقين في ذلك.
ليلاً
بينما أجلس
خالطاً أوراق صمتنا،
أقول له:
“مع أنك تلفظ
كل واحدة من كلماتي، فأنت غريب.
آن لك أن تتكلم”.

حجر
أدخل إلى حجر
وأتخذه درباً.
فليصبح سواي حمامة
أو صرير أنياب نمر.

إني سعيد بأن أكون حجراً.
الحجر من الخارج أحجية:
لا أحد يعرف حلها.
أما من الداخل، فلا بد من أنه بارد وهادئ
مع أن بقرة تدوس عليه بكل ثقلها،
ويرميه طفل في النهر؛
الحجر يغوص ببطء ورباطة جأش
إلى أعماق النهر
حيث تأتي الأسماك وتربّته
وتصغي.

رأيت شرراً ينبعث
عند حفّ حجر بحجر،
إذن ربما لا تكون عتمة في الداخل في نهاية المطاف؛
ربما هناك قمر يشعّ
من مكان ما، كأنما من وراء هضبة…
فقط ما يكفي من الضوء
لفهم الرموز الغامضة، الخريطة الليلة
على الجدران الداخلية.
الحكاية

فلتترك القلم
ولتغفو على المقعد.
الحركة الوحيدة الآن
هي حكاية بطيئة
تنبسط كغطاء أبيض
على طاولة الليل الجرداء
التي حفّت جيداً.

ربما لحظة تغمض عينيك
سترى حصاناً
يرعى في الثلج.
إذا كنت شديد الانتباه
فستتمكن من احتساب
درجة سكينته
من درجة ميلاه عرفه
في الريح.

لا تخف. ما زال
المقعد صلباً لظهرك
والسيجار لم يذب كلياً بعد
في المنفضة.

سرعان ما سيمضي قدماً،
إذ تأتي الآن تلك اللحظة
في كل حكاية حين
تتوانى الظلال في الخلف،
والبركة
في الغابة
أشبه بنصل سكين
تمكن الرؤية عبره.

اختراع اللامرئي

وهناك دائماً من هو غائب
وضوء النافذة المتروك من أجله
بات الأقدم على الأرض،
كل يوم أمه وأخته تغسلان قميصه
ووعاءه وملعقته
ويُترك الباب الأمامي مشرّعاً قبل الظلام
لأنه الوقت
الذي يحب الغائب منذ زمن طويل
أن يعود فيه.

لكن لا شيء يحدث
مع أننا سمعنا الرسل
وراء الجدار
لكن حين نذهب لنبحث عنهم
لا نجد إلا هذا الكرسي الشاغر
الذي حوله النملة العجوز
التي بالكاد تستطيع الحراك،
قد أتمّت تقريباً رسم دائرة.

معطف

واسعٌ كفاية لكي نرتديه
نحن الخمسة
في وقت واحد.
تصعبُ حركتنا لكننا نتمكن
من الخروج. أيها السيد المالك،
كل ما نريده شخصاً يزرّره
من أجل الجنازة، وأن يفكّ أزراره
من أجل الأحياء.
خمسة أيد تبرز من كُمّ واحد،
في كل منها زجاجة جعة
ترفع نخباً
تحت حبل الغسيل العاري.

اللامكان
هناك حيث لا حيوات،
حيث السعادة الأبدية.

سماؤه بلا نجوم،
وليس فيه صباح أو مساء،
ولا أرض تحت الأقدام.

إنه مكان سعيد لأنه
لديه كلمة لهم فحسب
وأجل، الفقير
يجد مكاناً فيه،
مكان فيه مطبخ ونافذة
تناسب مزاجه،
وبصلة
تساعده على البكاء.

العودة إلى مكان مضاء بكوب حليب
في آخر الليل توقفت أيدينا عن العمل.
تمدّدت مفتوحة وقد انطبعت عليها خطوات حيوانات
تجوب الثلج الجديد.
لا تحتاج إلى أحد.. تغلّفها العزلة.

حين تقترب اليدان، حين تتلامسان
تصيران جدولين صغيرين
يحسّان لدى دخولهما النهر الواسع
نداء البحر البعيد.

البحر غرفة في الزمن السحيق
مضاءة بمصابيح سيارة عابرة.
كوب حليب يشعّ على المائدة.
وحدك تستطيعين أن تناوليني إياه.
المستقبل

Charles Simic

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى