قضية فلسطين

اموال اعادة الاعمار وشروطها

رأي القدس
تعهدت الدول المشاركة في مؤتمر اعادة اعمار غزة الذي انعقد يوم امس في منتجع شرم الشيخ المصري برصد مبلغ خمسة مليارات دولار، وطالبت بوقف دائم لاطلاق النار واعادة فتح جميع المعابر الاسرائيلية.
نظرياً تبدو الصورة مطمئنة بالنسبة الى ابناء القطاع الذين يعيشون في العراء، بسبب تدمير منازلهم اثناء العدوان الاسرائيلي الاخير، ولكنها تبدو مختلفة كلياً عندما ينظر المرء الى الأجندات الخفية والشروط المتعلقة بعملية التطبيق العملي على الارض.
فمن الواضح ان هذه الاموال كلها ستذهب الى السلطة في رام الله، سواء لدعم خزائنها الخاوية، او لتخصيص جزء كبير منها لمسألة الاعمار، وهذا يعني ان سلطة حماس في القطاع مستبعدة تماماً من هذه العملية.
خطة الاعمار ربما تتحول الى سيف مسلط على رؤوس حركات المقاومة، و’حماس’ على وجه الخصوص. فهذه الاموال مشروطة بقبول حل الدولتين والاعتراف باسرائيل، وكل الاتفاقات الموقعة معها من قبل سلطة رام الله ومنظمة التحرير، والتخلي عن خيار المقاومة بشكل نهائي.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية أصرت على تهدئة دائمة، وأدانت اطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات الاسرائيلية، ولم تبد اي تعاطف مع ضحايا العـــدوان الاسرائيلي عـلى القطـــاع في المقابل. والتهدئة الدائمة تعني التخلي عن المقاومة بشكل نهائي، فهل ستقبل حـركة ‘حماس’ وفصائل المقاومة الاخرى بمثل هذه الشروط؟
وزير الخارجية الالماني أوضح بان الدول المانحة غير مستعدة لاعادة بناء ما جرى تدميره على ايدي القوات الاسرائيلية، ورصد كل الاموال اللازمة في هذا الصدد لكي يتم التدمير مرة اخرى، حتى السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية، أشار إلى النقطة نفسها عندما تحدث عن دائرة التدمير هذه. ولكن اللوم المبطن جرى توجيهه إلى حركات المقاومة وصواريخها باعتبارها السبب الأساسي.
ما نراه الآن هو اضافة عبء جديد على حركات المقاومة، أي ربط وقف اطلاق الصواريخ بعملية اعادة الاعمار، وتحميلها المسؤولية المباشرة عن أي عرقلة لهذه العملية في حال اصرارها على خيار المقاومة.
الأمر المحير ان الغالبية الساحقة من الكلمات التي القيت في مؤتمر شرم الشيخ تحدثت عن النتائج ولم تتطرق مطلقاً إلى الأسباب أو الجهة التي تقف خلف هذا الدمار أي اسرائيل. وحتى من تطرق إلى اسرائيل حرص على ايجاد المبررات لفعلتها هذه.
حركات المقاومة تقف الآن على أبواب مأزق كبير مخرجها الوحيد منه، من وجهة نظر الدول المانحة، هو التخلي عن هويتها، وجميع منطلقاتها السياسية والعسكرية، وتسليم القطاع مجدداً إلى السلطة، والا لا اعادة اعمار على الاطلاق. فهذه المليارات المرصودة، التي يسيل لها لعاب المقاولين والموردين داخل بعض الدول العربية واسرائيل نفسها، ولا يسيل لها لعاب ابناء القطاع، لا يمكن ان تدفع دون مقابل سياسي باهظ التكاليف. فلا شيء مجانيا، وإلا لجرى وضع هذه المليارات تحت تصرف الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة مثل الأونروا.
المأمول ان يستوعب قادة حركات المقاومة هذه الحقائق جيداً، سواء كانوا مستعدين لتقبل شروط الدول المانحة، أو يخططون لرفضها، وأن يتذكروا دائماً ان المطلوب هو قتل ثقافة المقاومة، دون أن يكون هناك أي بديل جدّي للاستجابة للحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى