صفحات الحوار

المخرج محمد فردوس أتاسي: قرار وزير الإعلام إهانة لصناع الدراما… والتلفزيون السوري منهار درامياً!

´null
محمد منصور
ينتمي المخرج محمد فردوس أتاسي إلى عائلة عريقة من عائلات مدينة حمص السورية… عائلة أنجبت رجال تاريخ ووطنية وسياسة وشخصيات معارضة، ولم تخل من الفنانين المؤسسين الذي كان محمد فردوس أتاسي واحداً منهم… فهو ينتمي إلى الجيل الثاني من مخرجي الدراما السورية… الجيل الذي دخل في سبعينيات القرن العشرين ليعاصر المؤسسين الأوائل. ويحفل سجله الإخراجي بالعديد من الأعمال الناجحة أمثال: (أطفال منتصف الليل- الطبيبة ـ ياقوت الحموي – مذكرات عائلة – المحكوم) وكان آخر ما قدمه مسلسل يروي حياة الأديب جبران خليل جبران، أنتجه المهندس نادر أتاسي قريبه في العائلة والفن.
مفتاح هذا الحوار مع المخرج فردوس أتاسي كان القرار الذي أصدره وزير الإعلام السوري محسن بلال مؤخراً، والذي يستغني فيه عن خدمات كل الفنانين الذين بلغوا سن التقاعد القانوني ويشدد على ضرورة عدم التعاون معهم بأي شكل من الأشكال… في بادرة غير مسبوقة في تاريخ المؤسسات الفنية السورية!
الأستاذ فردوس أراد أن يعبر عن وجع جيل، وقد كان حريصاً جداً عندما اتفقنا على الحوار معه، ألا تثار القضية بشكل شخصي يخصه، وألا يفهم كلامه على أنه دفاع عن فرصة عمل له… بل عن احترام جيل مؤسس رأى أنه من غير اللائق أن يكافأ بهذه الطريقة!

كيف ترى قرار وزير الإعلام السوري بالاستغناء عن خدمات الفنانين الذين بلغوا سن التقاعد القانوني ؟!
نحن شعرنا بالإهانة من هذا القرار… فنحن المخرجون الذي نعمل في صناعة الدراما التلفزيونية السورية منذ أربعين عاماً… نحن الذين عملنا وأسسنا مع زملائنا الكبار من الرواد الأوائل، وأوصلنا المسلسلات السورية إلى الوجدان العربي من المحيط إلى الخليج… ولا نزال نشعر بأنفسنا أن لدينا القدرة والحيوية والنشاط وتراكم التجربة كي نعطي… يأتي وزير يفترض فيه أن همّه رعاية الإعلام كي يلغينا بقرار.
من قال إن عمر الفنان يحدد بسن التقاعد؟! نحن لا نريد مناصب وإدارات، لكن من حقنا أن نجد فرص عمل كي نواصل تجربتنا التي اغتنت وتطورت خلال تلك المسيرة الطويلة. كم عمر صباح فخري؟! ألم يتجاوز السادسة والسبعين عاماً… هل نقول له اصمت لا تغني أنت متقاعد؟! دريد لحام هذا الفنان العظيم الذي فاجأ الجميع بوصوله إلى غزة كي يخرق الحصار الجائر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني ويعطي الناس البسطاء جرعة من الأمل والمعنويات… والذي تابعت رحلته معظم وكالات الأنباء العربية والعالمية… هل نقول له: أقعد في بيتك لأنك في الخامسة والسبعين من العمر؟! ما هذا المنطق… ما هذا القانون العجيب… أنا أشعر بالخجل من هكذا قرار… وأرجو لا يفهم أنني أتحدث باسمي فقط، ولو كان القرار محصوراً بي شخصياً لما شعرت أن الأمر بحاجة لمناقشة… لكن المحزن أن القرار يمس مكانة وإسهامات جيل بأكمله.
وبالمناسبة نحن معظمنا الآن نعمل في القطاع الخاص… ومعظم زملائي منذ سنوات لم يحصلوا على فرصة إخراج مسلسل في التلفزيون السوري… لكن أنا أتحدث عن المبدأ… فهذا القرار يحرمنا من حقنا في أن نتعاون مع القطاع العام، إذا كانت هناك فرصة مناسبة للتعاون… وبالتالي فهو يغلق في وجوهنا فرصة العمل نهائياً… ولا أعتقد أن أي مؤسسة في العالم تتعامل مع مؤسسيها وصانعي هويتها ونهضتها بهذا الشكل المجحف!
وماذا عن جيل الشباب… ألن تتركوا لهم فرصة للعمل؟!
أمر مضحك حقاً… منذ متى إتاحة الفرصة للشباب تكون بإقصاء المخضرمين… ألم يكن التلفزيون السوري على مر الربع قرن الأخير من عمره، يستوعب الطاقات الإخراجية الشابة في نفس الوقت الذي كان فيه أبناء جيلي يعملون بل ويديرون مديرية الإنتاج… ثم تعال قل لي: أين هو البديل الجاهز من جيل الشباب… وأنت ترى أن الدراما التي أنتجها التلفزيون السوري للمخرجين الشباب في السنوات الخمس الأخيرة تقريباً، كان معظمها في الحضيض… وصدرت نداءات كثيرة في عهد وزير الإعلام الحالي تتحدث عن انهيار إنتاج التلفزيون السوري الدرامي.. وكتب في الصحف وانتقد النقاد… والسيد الوزير أذن من طين وأذن من عجين!
يعني ألست متفائلاً بالجيل الشاب من مخرجي الدراما التلفزيونية؟!
لنتحدث بصراحة… ليس كل هؤلاء الشباب يدعون للتفاؤل. بعضهم موهوب وعلى عيني وراسي… وبعضهم شغله بالإخراج (تخبيص بتخبيص) ويجب ألا ينسى أحد أن معظم المخرجين الشباب اشتغلوا مع زملائهم المخضرمين وأخذوا الخبرة منهم… المثنى صبح عندما اشتغل مساعداً لي في مسلسل (مذكرات عائلة) قبل عشر سنوات لم يكن يعرف شيئاً… لكنه كان لمّاحا ويريد أن يتعلم وقد تعلم مني ومن غيري وأبدع… الليث حجو اشتغل مع كبار المخرجين من زملائي وأبناء جيلي قبل أن يبرز كمخرج جيد… إذن نحن بحاجة لتوريث خبرتنا للجيل الشاب وهذه سنة الحياة.
ما هي أبرز مشكلات جيل المخرجين الشباب برأيك اليوم؟!
جيل المخرجين الشباب لا يخلو من موهوبين ومبدعين بالتأكيد… فالموهبة ليست حكراً على جيل دون آخر… لكن أعتقد أنه جيل تنقصه الثقافة أحياناً… موهبتهم جعلتهم يتقدمون تقنياً لأنهم يريدون تعلم فن يشعرون أنهم خلقوا له، لكن ما نحتاجه اليوم هو المخرج الموهوب والمثقف في آن معاً… أنت مثلاً لا تستطيع أن تعطي مسلسل (جبران خليل جبران) لمخرج لم يسمع باسمه ولم يقرأ كتبه، ولا يعرف أنه أديب ورسام وشاعر، وكتابه (النبي) لازال يقرأ في الكنائس في أمريكا حتى اليوم.
الثقافة تعطي للمخرج رؤية وموقفاً أيضاً… انظر في مصر عندما انحسر جيل المخرجين المخضرمين المثقفين، وجاء جيل المخرجين التقنيين الذين لديهم الاستعداد كي يعملوا تحت إمرة النجم ويكرسوا سيطرة عصر النجوم، بدأت الدراما المصرية تتراجع. فالنص والمخرج مفصلان على مقاس النجم، وميزانية العمل معظمها يصرف على النجم… ولو أن هناك ثقافة حقيقية راسخة لما نسي أحد أن العمل الدرامي عمل جماعي يكتبه الكاتب بحرية وموضوعية ويخرجه المخرج بتوازن واهتمام ومحاولة قراءة ما بين السطور وليس ما يتماشى مع أنانية المخرج… هذا المأزق الذي وقعت فيه الدراما المصرية ساعدنا على النهوض لأننا استفدنا من أخطاء غيرنا… لم نكن نرتهن للنجم، وإنما نبحث في جوانب العمل كله ونغنيه.
اختلفت بالتأكيد تقاليد عمل الدراما السورية بين الأمس واليوم… لكن هل كان هذا الاختلاف تراجعاً أم تطوراً؟!
عندما بدأنا العمل في التلفزيون كان الكاتب والمخرج يجلسان ساعات طويلة ويتناقشان في الفكرة ومسار الأحداث والشخصيات، ويكتب النص بعد سهرات طويلة من الحوار.
كنا نعمل (بروفات طاولة) يجتمع المخرج والكاتب مع الممثلين ويقرءون النص حسب أدوارهم كاملاً… هذا التقليد كان يزيد النص عمقاً، لأن بعض الممثلين قد يكون لديهم أحياناً رأي معين في النص أو ملاحظة تستحق التوقف فيعبرون عنها… المخرج قد يأخذ بهذه الملاحظة أو لا يأخذ، والكاتب قد يقتنع أو لا يقتنع… لكن في كل الأحوال فالرؤية تتعمق، وأحياناً ما لا يتم تعديله على الورق، يتم التعديل عليه في عملية الإخراج ومن خلال التركيز على تفاصيل معينة في الأداء… وأعتقد أن ما جعل الدراما السورية تتطور وتأخذ شخصيتها بين الدرامات العربية، أنه كان هناك كاتب ومخرج وجهات تتبنى رأيا يريدون أن يقولوه… كان هناك باختصار صدق. الآن أخذ الخط التجاري منحى أوسع من المطلوب، صار هناك استسهال في الكتابة، واستسهال بالإخراج… وعند شركات الإنتاج أي واحد يستطيع أن يكتب، وأي واحد أيضاً يستطيع أن يصبح مخرجاً ويقود عملا درامياً حتى لو لم يسمع به أحد… وهنا الخوف أن تنهار هذه الدراما بفعل التراجع التدريجي في سويتها… وهنا يجب ألا ننسى أن هناك دراما خليجية صاعدة يجب أن يسحب لها حساب… أناس (معهم مصاري) ويملكون محطات عرض مشاهدة، وعندهم موضوعات تعكس بيئتهم وواقع حياتهم… ويرون أنهم الأحق في أن يخرجوا وينتجوا لأنفسهم ولدراماهم المحلية… وبالتالي سيخف شراء الدراما السورية… وحتى المصرية أيضاً. وأنا حذرت منذ سنوات من هذه المسألة… وقلت احذروا المسلسل الخليجي بالمحافظة على السوية الجيدة للمسلسل السوري، بحيث يبقى من الصعب منافسته فنياً كي لا تهمشكم الدراما الخليجية… فأنا أؤمن بأنك كي تنتصر على منافسيك يجب أن تجوّد صناعتك وتخلص لمهنتك وفنك… وأنا أعتقد أن المسلسل الخليجي في ظل تراجع الدراما السورية- قادم وهو يأخذ حصته على الشاشات… وأنت تذكر الأغنية الخليجية التي كانت مغمورة لا يعرفها ولا يسمع أحد بها في الستينيات والسبعينيات… كيف انتشرت اليوم واكتسحت الساحة، بحيث لا تجد فناناً من النجوم المعروفين في الساحة الغنائية العربية لا يقدم في أي ألبوم يصدره أغنيتين أو ثلاثة من اللون الغنائي الخليجي الذي أصبح له شخصية خاصة شئنا أم أبينا.
وزاد الطين بلة أننا جئنا بالدب إلى كرمنا كما يقول المثل الشعبي… عندما تبنينا دبلجة المسلسل التركي.
وهل أنت ضد دبلجة المسلسلات التركية أيضاً؟!
نعم أنا ضدها… هذا أثر على الإنتاج الدرامي السوري… هناك شركات وجدت أن الدبلجة أقل كلفة من إنتاج المسلسلات… فانصرفت إليها لأن مردودها المادي أسرع من حيث دورة الإنتاج… والمؤسف أن المسلسلات التركية المدبلجة تأخذ من حصة المسلسلات السورية على شاشات المحطات الفضائية… وبالتالي ستساهم في زيادة التزاحم على منابر العرض في الفضائيات. وهنا يجب ألا تنسى أن الإنتاج الدرامي السوري لا يشغّل الممثلين بأصواتهم فقط، بل هو يكرس نجوميتهم في الأداء، ويشغّل الكثير من الفنيين والمصورين وعمال الإضاءة والصوت والكرين والشاريو… وقبل ذلك الكتاب طبعاً. وهؤلاء لا يعيشون من هذه المهنة فقط، بل يتعلمون ويتطورون ويبنون خبرة ومستقبلاً… ونحن يبدو أننا لا نهتم كثيراً بالمستقبل!
ما رأيك بقناة الدراما التي أطلقها التلفزيون السوري مؤخراً… وهل يمكن أن تلعب دوراً في حماية ودعم الدراما السورية؟!
إذا كان المطلوب من إنشاء القناة هو أن يتباهى وزير الإعلام أنها من إنجازاته… فيجب أن يذكر أن إغلاق القناة الثانية من عثراته.. بمعنى هو استبدل قناة بقناة ولم يضف منبراً جديداً… أما إذا كان المطلوب هو دعم الدراما السورية… فالدعم ليس خطابات وشعارات وثرثرة مطولة في الاجتماعات… الدعم هو تخطيط وتنظيم جيد وإمكانات وأموال واستقطاب خبرات… وإذا لم يتحقق لقناة الدراما كل هذا فلن تحقق شيئاّ!
لكن المفارقة التي تثيرها لدي قناة الدراما… أن هذه القناة قائمة على أعمالنا… هي تعرض مسلسلاتنا التي قدمناها أنا وزملائي خلال الأربعين عاماً… وأنا لا أفهم كيف تنشئ قناة لتعرض أعمالنا ثم يصدر السيد الوزير قراراً يهيننا، ويشدد على عدم التعاون معنا بأي صيغة… كيف ننشئ قناة لنتباهى بتاريخ… ثم نلغي صناع هذا التاريخ.. أي تخبط وتناقض هذا؟! لقد سمعت أنهم يريدون أن ينشئوا مؤسسة للإنتاج التلفزيوني الدرامي تكون مستقلة تماماً عن إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وتكون ذات إدارة مستقلة مثل مؤسسة السينما… إذا كانت هذه المؤسسة التي طالما تحدثوا بها منذ سنوات- ستقع في نفس الروتين والمحسوبيات والملل الذي تعانيه مؤسسة السينما، فالأفضل ألا ينشئوها لأنها لن تحقق شيئاً وستهدر أموالا بلا طائل!
آخر مسلسلاتك التلفزيونية كان مسلسل (الملاك الثائر) الذي قدمته منذ ثلاث سنوات وتناول سيرة حياة جبران خليل جبران… لماذا لم يسوق هذا العمل جيداً؟!
العمل كان مهماً، وصداه كان متميزاً… لكن كنت أتوقع أن يلقى اهتماماً أكبر. للأسف لم يسوق جيداً لأنك تصطدم في سوق التوزيع أحيانا بأناس قليلي الثقافة… تصور مثلا أن بعضهم رفض العمل لأنه اعتبر جبران أديبا أمريكيا… بينما العمل يروي ملحمة شعب كان واقعاً تحت سيطرة الجوع والأتراك وسلطة الكنيسة… وهاجر الآلاف من أبنائه إلى أرض جديدة في ظروف رهيبة وبالغة السوء… في أعظم ملحمة هجرة حملت معها أدبها ولغتها وأنشأت مدرسة جديدة. كثيرون لم يروا في العمل هذه المعاني والأفكار الهامة… لأنهم يبحثون عن إثارة من نوع مختلف، وعن سيرة حياة من نوع مختلف.
هل يؤثر التوزيع على العمل التلفزيوني إلى هذه الدرجة؟!
وأكثر… وعلى العموم فأنا غير محظوظ في التوزيع كثيراً… فمسلسلي الأسبق (تمرحنة) يحكي عن أصداء الثورة الجزائرية في المشرق العربي، وعن جميلة بوحيرد من خلال دراما شعبية جميلة تروي حلم فتاة شامية أن تلتقي جميلة بوحيرد. عمل فيه فكر وقضية وفيه حديث عن تطلعات المرأة للعب دور فاعل في صنع مستقبل بلدها… ورغم ذلك ظلم في التوزيع والتسويق كثيراً.
وهل ما زلت مؤمناً بالعمل في ظل هذه الظروف؟!
طبعاً… هذه مهنتي وحياتي.. والفنان يبقى مؤمناً بمهنته مهما كانت الظروف.. وحالياً لدي مشروع مسلسل عن الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي الذي مات محترقاً عام 1987… والذي يعتبر من أهم التشكيليين السوريين وتباع لوحاته اليوم بالملايين… فضلا عن أن حياة لؤي كيالي كانت درامية جداً.
وكيف ستتناولون هذه الحياة؟!
المسلسل كتبه شاب حلبي اسمه بشار حريتاني. وهو يتحدث أولا عن الأجواء والعلاقات السائدة بين الفنانين التشكيليين السوريين بين خمسينيات وسبعينيات القرن العشرين مركزاً على الشخصية المحورية التي كانت في قلب هذه العلاقات.. والسؤال الذي يطرحه المسلسل هل انتحر لؤي كيالي؟! هناك بالطبع علامات استفهام شديدة وكثيرة حول لؤي كيالي وحياته الخاصة وشائعات جنونه… ونحن حاولنا أن نقدم تصوراً درامياً عنها دون أن نسيء له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى