صفحات ثقافية

أسوأ تعليق

null
اسكندر حبش
يحق للكاتب، أي كاتب، أن يطرح مجموعة من الأفكار الخاصة به، وأن يتخذ المواقف التي يراها مناسبة له ولطموحاته ورؤاه للأمور. هذا أمر طبيعي، لا يختلف عليه اثنان، إذ ليس الأدب في النهاية سوى هذه الأفكار الذاتية، مهما حاولنا إيجاد تبريرات نقدية أو تسويغات لها. لكن أن تتحول هذه الأفكار إلى نوع من الجناية المسبقة، فهنا المشكلة الكبرى، التي تتطلب منّا أن نتوقف قليلاً وأن نعيد التفكير حتى لا نستمر في الانقياد إلى شروط هذه اللعبة غير السوية.
أقول في البداية إنني من المهتمين بأدب الروائي السوري نهاد سيريس، كما إني أتابع أعماله التي أجد أنها تشكل إضافة ما، نوعية، إلى الفن الروائي، على الأقل في سوريا، حتى لا أعمم، وإن كنت في العمق لا أجد أي غضاضة في سحب هذه الإضافة على الرواية العربية بشكل عام.
لكن ما استوقفني في الحوار مع نهاد سيريس (الذي أجراه فاروق حاجي مصطفى) في »السفير الثقافي«، أمس الجمعة، بعض الأشياء التي أجد أنها تحمل الكثير من التجني ومن المواقف السلبية المسبقة، التي تعتمد على ثقافة »العنعنة« أكثر مما تعتمد على الرأي النقدي الجاد. يطرح السائل على الروائي في هذه المقابلة التالي: »في ملتقى الرواية الأخير بدمشق ثمة وصف للرواية الأنثوية في الوطن العربي بأنها رواية الشبق ما مدى صحة هذا التعبير برأيك؟«، ويجيب سيريس بالقول: »هذا الملتقى هو أسوأ ملتقى للرواية في تاريخها ومن الطبيعي أن تصدر عنه مثل هذه الأقوال. سمعت أنهم هاجموا نجيب محفوظ ودعوا إلى موته أدبياً«.
لسنا في حاجة إلى تدقيق كبير كي نلاحظ أن الجواب لا علاقة له بالسؤال، لكن ما يهمني حقاً، هو هذا القول الفصل بأنه »أسوأ ملتقى للرواية«… كيف يمكن ببساطة الحكم على ملتقى ـ (وهو بالمناسبة أول ملتقى للرواية في دمشق، ومنذ سنوات قليلة يدار في مدينة الرقة مهرجان للرواية يحمل اسم عبد السلام العجيلي) ـ لم يحضره سيريس أصلاً ولم يشارك فيه؟ على أي أساس بنى حكمه وهو لم يعرف ما دار من نقاشات داخله؟ بمعنى آخر، كل هذا البناء الذي يلجأ إليه سيريس، يعتمد أصلاً على ما نُقل إليه من أخبار، ولكن هل نُقلت مثلما حدثت؟ لا أعتقد، إذ إن جملته بالهجوم على محفوظ والدعوة إلى موته أدبياً، تؤكد ذلك. كل ما قاله يومها الروائي خالد خليفة (وكنت من حاضري هذا الملتقى) إنه يجب علينا أن نعيد التفكير حتى بأدب الكبار، وضرب مثل محفوظ من حيث إن بعض كتبه لا تستوفي الشروط الفنية الكبيرة الموجودة في كتبه الأخرى. أي لم يطالب خليفة بقتل محفوظ إطلاقاً.
لو جاء هذا الكلام من شخص آخر، لما استوقفني أصلاً، لكن أن يصدر عن نهاد سيريس فهنا الطامة الكبرى، إذ أحزن من أن يسقط روائي حقيقي في متاهة هذه »الثقافة« وأوحالها.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى