صفحات سورية

البركة فيك وبالشباب ! ردا على مقالة أبي حسن ( ماذا تبقى من المعارضة ؟ )

null
عارف الحكيم
توّج السيد الكاتب سلسة انتقاداته العرضية والمركزة، لكن المتوالية للمعارضة السورية، بمقاله الأخير ( كلنا شركاء 18/8/2009) متسائلا: ما الذي تبقى منها، ليخلص بعد تحليل سريع (وشتائمي مع الأسف)  إلى الحكم عليها بالعجز الراجع إلى ” شيخوختها المبكرة شانها شأن قيادييها “ وكي يغطي قراره الإلغائي ذاك، أنهى مقاله بطريقة مناقضة لسياق ذلك التحليل والحكم ، وذلك باللجوء لإحدى نماذج الخواتم المتشاطرة، التي تجلّت بتكرار السؤال الذي بدأ منه ( ما الذي تبقى؟ )، ملحقا به أسئلة إيحائية تحتوي أجوبتها  ( أوحكمها الناجز سابقا )، على شاكلة “هل ماتزال” ؟ “أم ترى أن طاقاتها باتت كحال رموزها، إذ بلغت من العمر عتيا، ولم يعد لديها ما تعطيه؟”
وعلى قاعدة أن الأمور بخواتيمها، نبدأ من الخاتمة فنقول للكاتب: إن شاخت المعارضة وعجزت فالبركة فيك وبالشباب …  وإن كانت المعارضة ضرورية لأي بلد وحتى لداخل أي حزب ومن مقومات دولة المواطنة التي نطمح لها جميعا، فشعبنا لن يعجز وسينتج معارضته الوطنية، كما أنتجها دوما ضد كل ظلم سواء تمثل بالاستعمار أم بالاستبداد، وسيجدد معارضته باستمرار، كغيره من الشعوب طال الزمان أم قصر.
أما سياق المقال نفسه، فقد حاول ادعاء الموضوعية بانتقاد النظام والمعارضة في أكثر من موضع، لكن انحيازه إلى مديح النظام وشتم المعارضة كان مكشوفا في أكثر المواضع أيضا، وذلك كدأب الكاتب مرارا في مقالاته الأخرى، على جري عادة بعض المعارضين والمستقلين في إظهار قدرتهم، التي لا تكلفهم شيئا، على نقد الذات حين يكون نقد الآخر ( النظام) شديد التكلفة ( ويتضمن تدرجا من السجن والتسريح وقطع الأرزاق إلى منع السفر والوضع تحت المراقبة إلخ.. ) كما هو واقع الحال السوري لمن يرغب !.
فإذا انتقلنا إلى مفاصل المقال ونقاطه الأساسية، نلاحظ اعتماد الكاتب على مجموعة من المغالطات والأحكام الشائعة بدون تمحيص وهي :
1ـ ذكر الكاتب في معرض حديثه عن حراك المنتديات السورية مطلع القرن، قاصدا ما اصطلح عليه بمنتديات ربيع دمشق، أنه  ” كانت السمة الغالبة لمعظم محاضراتها ومحاضريها هي النبرة الحادة إزاء حزب البعث والنظام بشكل خاص” وأنا أزعم بدوري أن السمة الغالبة لها كانت نبرة إصلاحية تركزت في البحث عن مخرج وطني يشارك فيه الجميع دون استثناء، وبالطبع أنا وهو لا نتحدث عن بعض المحاضرات والمحاضرين، وهو لم يقدم في هذا المجال دراسة إحصائية، وتلك مسألة تحتاج إلى بحث وجهد، فكان الأسهل عليه اللجوء إلى التعميمات والخلاصات الرائجة في سياق سوري شديد الحساسية . ومع ملاحظة التاريخ السوري المعاصر منذ عام 1963 والذي شكل فيه حراك المنتديات ظاهرة مغايرة لما هو سائد من كبت وانغلاق، فيمكن فهم لماذا اشتدت حساسية ذلك السياق، وكيف تم التوظيف السياسي والأمني  لتعبيرات مثل الإصلاح والتغيير الوطني الديمقراطي كتعبيرات حادة  وثورية ( = انقلابية في تراث الحزب الحاكم) ، بينما (وكمثال واحد فقط لكنه الأبرز) لم يُتهم شعار التغيير الذي رفع في كثير من دول العالم  بمثل ذلك، نظرا للاختلاف الكبير بين سياقين أولهما لم يعترف بالاختلاف والرأي الآخر طوال أكثر من أربعين عاما، ثم جرّب ذلك وسرعان ما تراجع، بينما الثاني عكس ذلك تماما ؟.
أما “قاصمة الظهر” التي أوردها الكاتب، فأزعم أيضا أنها مثال على استسهاله واعتماده على قناعات روجّها أصحاب المصلحة المشار إليهم في إنهاء ظاهرة المنتديات تلك، وهو ما تمثل في عبارته ” عندما تبنى منتدى الأتاسي طرح ورقة عمل تخص جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ” فهذا الوصف للحدث مغالط ومقطوع من سياقه ، وهو سياق الندوة الأخيرة لمنتدى الأتاسي في 7/5/2005، وكانت تحت عنوان ( الإصلاح في سورية) وشارك في تقديمها سبعة عشر ممثلا أو مندوبا لأحزاب وحركات و منظمات سياسية وحقوقية ومدنية سورية بما فيها ممثل حزب البعث (المرحوم د. عبيد الناصر) . ولما كانت قد وصلت رسالة بريدية ألكترونية من المراقب العام  للإخوان المسلمين في سورية بخصوص موضوع الندوة، فقد كلف مجلس إدارة المنتدى أحد أعضائه بقراءتها ( وهو الكاتب علي العبد الله المعتقل بعدها مرارا وحاليا) وكانت بعنوان : (رؤية إصلاحية) ما بعد المشروع السياسي لسورية المستقبل، ورقة موجزة للمشاركة في الحوار حول الإصلاح .. وتم ذلك التكليف بالقراءة ، انطلاقا  من رؤية ديمقراطية مغايرة لكل ما هو سائد سابقا من إقصاء واحتراب ونبذ . بذلك لم يكن هناك تبن لطرح ورقة الإخوان ولا لغيرهم، بل كانت هناك  دعوة للحوار حول الإصلاح الوطني ، مفتوحة أمام كل الأطياف التي تقبل الحوار مدخلا وطريقة للعمل الوطني، علما أن معظم منتديات تلك المرحلة كانت تحمل مصطلح الحوار في اسمها تحديدا   .
2ـ اتهم الكاتب المنتديات بأنها ( لم يكن لديها رؤية مكتملة وناجزة حول كيفية النهوض بالمجتمع السوري ) وفي الواقع هذا ما لم تدعيه المنتديات أو المعارضة بدورها، وهو ليس عيبا عليها بل مزية تمثلت في دعوتها الجميع للحوار، والبحث عن طريق للخروج من الأزمة التي تعانيها سورية وما زالت. أم أن هناك من يزعم امتلاكه لتلك الرؤية الناجزة  وذلك الخروج من الأزمة؟ كمثل التلميحات المنثورة في سياق المقال، والتي تشير إليها عبارات ((لا سيما إن النظام السوري يبدو عبارة عن حمامة سلام ومملكة رحمة (حقيقية لا مجازية) مقارنة ببعض دول “الاعتدال” ))…. وعمله: يقصد النظام (على توسيع هامش النقد وحرية التعبير عن الرأي, وهو أمر نعيشه حقيقة في سوريا بنسبة معقولة قياساً بالسابق) وكأني به يدعونا إلى السفر والسياحة في سوريا أخرى غير سوريانا التي نعيش فيها، فهل نذكِّر السيد الكاتب  بالأعداد الغفيرة لمعتقلي الرأي السوريين وبينهم بعض أصدقائه الصحفيين، وباستباحة المواطنين الكرد، وبالموتى تحت التعذيب، وبالانتحارات الغامضة و و إلخ ..
3 ـ قال الكاتب ان  بعض النظام ساهم في إضعاف المعارضة من خلال تبنيه لبعض شعاراتها، كمحاربة الفساد، وهو ما يقوم به النظام عمليا في فترات متقاربة وتطال (الصحيح تطاول ) مراكز متقدمة ما ( حسن مخلوف مدير الجمارك السابق مثالا والصحيح رئيس الضابطة الجمركية ) … وهذا الكلام يدل على متابعة صحفية خفيفة وغير دقيقة، وليست على مستوى المسؤولية المفترضة بمن يتصدى لقضية بهذه الأهمية،  فضلا عما تشي به عبارة الفترات المتقاربة من دورية وتزمين، فالصحافة السورية المكتوبة والألكترونية والشفوية ( والأخيرة وسيلة وثقافة سورية هامة حسب ملاحظة سوسيولوجية لافتة لـلمفكر صادق جلال العظم ) تغص بتلك الأخبار التي أصبحت دلالتها على استفحال الفساد أكبر من دلالتها على محاربته، ما يؤكد أن مشكلة الفساد هي أعمق وأكبر من كل ذلك . وهذا ما أدركته المعارضة السورية الداخلية، التي لم تكف عن القول أنها مسألة بنيوية في النظام، ولا يمكن التغلب عليها إلا من خلال مخرج وطني شامل، أي من خلال إصلاح بنيوي، بديل عن الإصلاحات المتخبطة التي لجأ إليها النظام وما زال ، كالإصلاح الاقتصادي وآخر طبعاته: اقتصاد السوق الاجتماعي، والإصلاح القضائي، والإصلاح الإداري والمعلوماتي إلخ ..بدون الاقتراب  أو اللعب مطلقا مع الإصلاح الأمني. وما دام التجريب مطبقاّ، فلماذا لا يجرب النظام  إصلاحا سياسيا يعيد للدولة وظائفها المستلبة، فيفصل بين السلطات ويعيد الشعب إلى السياسة بمعناها الحقوقي النبيل؛ الذي يضمن الحريات الأساسية للمواطنين ومشاركتهم مع مؤسساتهم المجتمعية المدنية في مراقبة السلطة ومحاسبتها، بأساليب يكفلها الدستور والقوانين، وليس أجهزة الأمن الخارجة عن كل قانون إلا قانون القوة والعسف المؤسسين لكل فساد.
4 ـ في ما خص إضعاف المعارضة لذاتها، لاحظ الكاتب أمرين أساسيين تفرع عنهما جملة أخطاء :
ـ الأول: تحالفها ((في إعلان دمشق 2005 الذي جمع ماهبّ ودبّ من أطراف معارضة ( وهذه هي لغة الكاتب الرفيعة ) لارابط بينها سوى الجنسية والنقمة )) فإذا كانت النقمة مـأخذا ونحن معه في ذلك، فما بال الجنسية السورية التي هي جامع المواطنة وحقوق الإنسان السوري .هل هي مأخذ أيضا جمعه الكاتب مع النقمة، أم أنها شرف لا يستحقه بعض الـ بدون، أم هي مجرد سقطة أخرى من الكاتب ؟.
ويتابع الكاتب، فيخلط بين إعلان دمشق وتحالفات أخرى متقلبة، ليستنتج  في حكم آخر أنه من (( الصعب على قوى المعارضة السورية (الداخلية بالدرجة الأولى ) فهم طبيعتها )) ممدا  الحكم نفسه إلى موقفها من تقلبات جنبلاط ! لتنمحي هنا كل الفروق بين معارضة إعلان دمشق والمعارضات الأخرى ويختلط عباس بدباس وشعبان برمضان . أكثر من ذلك، كأن الكاتب يطلب من ( الإعلان ) أن يكون له مكتب صحفي وناطق إعلامي ومشاركات شفافة تلاحق الشاردة والواردة  وتغرق في كل التفاصيل التي تفترضها حياة سياسية أوروبية أو حتى لبنانية، في حين ُيطنّش عن الظروف السورية التي رجعت فيها حريات الرأي والتعبير إلى ما يشبه ظروف الحكم  العثماني الحميدي. وهنا أتحداه أن يذكر للقارئ صدور بيان  ( عريضة ) أو رأي واحد مستقل أو معارض بعد حملة اعتقالات إعلان بيروت ـ دمشق  الشهير، ولا معنى بالطبع للاستشهاد بالبيانات ( المستقلة) لكن المنسجمة مع السرب السائد،  وهي نادرة على كل حال !. حتى أن الناس الذي  كانوا ينتقدون غلبة نشاط إصدار البيانات على باقي أنشطة المعارضة ( الأمر الذي دفع البعض لتسميتها بمعارضة البيانات) أصبحوا الآن يتمنون بل يشتهون صدور بيان ما أي بيان، لكن خارج السرب بالطبع.
ـ الثاني : أن خطاب المعارضة السورية كاد أن يتماهى مع خطاب بعض رموز الرابع عشر من آذار)  و ( كاد ) هذه لا تعني أكثر من حكم على نوايا وميول يفترض بصاحب الكلمة المسؤولة أن يترفع عن لا موثوقيتها ! لكن الكاتب سرعان ما يفصح عن منهجيته  البحثية والوثائقية، في اتهام  جديد للمعارضة، استند إلى أن ذلك التماهي المذكور( مترجم عملياً في أكثر من محطة… منها على سبيل المثال لا الحصر، صمتها إزاء الحملات والمؤامرات بحسب تعبيره… الذي لم يكن يقلّ في جوهره عن التواطؤ)  وهو اتهام لم يرتقٍ حتى رجال الأمن إلى استخدامه حسب زعمي!
بذلك يعلن الكاتب بوضوح عدم متابعته للحياة السياسية ولمواقف إعلان دمشق ( أحيله إلى بيانات الإعلان ومواقفه التي يستسلم لحجبها عنه كما يبدو، وهذا نقص يتحمل الإعلان جانبا من مسؤوليته أيضا)  وتميزه أي الإعلان عن جبهة الخلاص وخدّامها ( نائب الرئيس السابق وصاحب الباع الكبير في الحملة على منتديات المجتمع المدني والمعارضة السورية)، والكاتب محق إذا طالب بالاطلاع على المواقف والتمايزت ولم تيسرها له حياة سياسية غير شفافة.  لكن من الغريب أن يطلب من إعلان دمشق والمعارضة السورية الانضمام إلى جوقة الردح والمدح اللبنانية ـ السورية المشتركة، فضلا عن الانزلاق إلى مهاوي ودرك الشقاق البيني العربية  ومهاويه، وبعض من رفع راية المعارضة السورية في الخارج كان قد انزلق إلى ذلك فعلا !  .
ـ وحين يتابع الكاتب رحلة الهبوط الذاتي للعمل المُعارض في سوريا, يكتشف أن  المعارضة (عجزت عن تجييش الشارع السوري في عدوان تموز 2006،…..وإبان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة!. حتى ولو كان رمزيّاً)، فإن كان  يدري أنها خرجت سابقا وقادت حراكا جماهيريا  طوعيا وبارزا ( ولا أقول تجييش الشارع على طريقته  العسكرتارية ) ضد احتلال العراق في العديد من المدن السورية فتلك مصيبة أن ينسى، وإن كان لا يدري أنها مثخنة بالجراج وناشطوها قابعون في السجون أو خاضعون لرقابة مشددة ( لاحظ أنها بدأت مع حرب تموز  2006) فالمصيبة أعظم، خصوصا حين لا يدرك  المقصود من ضبطها وتحجيمها وعدم السماح لها بأي عمل بين الجماهير، أو أي خروج إلى الشارع !.
ـ أما ثالثة الأثافي فهي اتهام الكاتب للمعارضة بـ (الصمت (المشبوه) على مسودة قانون الأحوال الشخصية ) وهو يهمل هنا ملاحظة أن كتابا مستقلين أو معارضين إلى هذا الحد أو ذاك، كانوا قد  تصدوا للمسودة المذكورة بالتحليل والنقد. منهم على سبيل المثال: ياسين الحاج صالح وعبد الحفيظ الحافظ ، والأخير(أمين عام حزب سوري معارض ) ظهرت مساهمته المذكورة جنبا إلى جنب وفي نفس الصفحة مع مقالة الكاتب في نشرة كلنا شركاء ليوم 29/6/2009 وتحت عنوان: في السجال حول مشروع قانون الأحوال: الحافظ وحسن، ومقالة الأخير المأخوذة عن جريدة الأخبار لنفس اليوم، كانت قد وجّهت ذلك التشكيك للمعارضة، وكان الأحرى بالكاتب  أن يلاحظ ذلك ويعتذر أو يتوقف عن ترديد ذلك الاتهام على الأقل، لكنه استمر مكررا ذلك على طريقة (عنزة ولو طارت) . فالمعارضة ضعيفة ووقعت، ومن الأسهل الانضمام إلى احتفالية جلاديها !.
من جهة أخرى، فقد كان موقع النداء الناطق باسم إعلان دمشق ( المحجوب طبعا والذي تعرض للعديد من هجمات القرصنة والتخريب ) مهتما ومتابعا للنقاش الوطني الواسع حول مسودة المشروع السيء الصيت وأفرد له ملفات واسعة، لم تفرد مثيلها صحافة الحزب القائد ولا أحزاب جبهته، لكن لم يسارع أحد لاتهامها بالصمت المشبوه، وهذه فضيلة لم يرتكبها الكاتب ! . فضلا عن ذلك، فما جرى من مشاركة في النقاش الوطني حول المسودة المذكورة، وبحسب رأينا الشخصي، قد تميّز بشيء من الانفعال والتسرع والتضخيم ، مثل الحديث عن السرية التي هي من طبيعة أية لجنة مشاريع مقترحة تفاديا للتدخل والضغوط، ومع ذلك فهي لم تكن سرية كثيرا والمتابعون يعلمون أنها كانت تضم رئيس هيئة قضائية عليا وأستاذا جامعيا و ..  .. كذلك فإن بعض الانتقادات تمحورت حول إحدى المسودات التي كانت مسودة لاحقة قد تجاوزتها، وكان على المهتمين الجادين (ونظن أن من حق هيئات الإعلان أن تكون من بينهم ) ملاحظة كل ذلك ومتابعته بمسؤولية علمية ووطنية. ولعلم الكاتب فقضية مشروع القانون ما زالت قيد الدراسة، وإن أزيحت جانبا بعد ضجة شكك بعض المحللين النابهين في توظيف سياسي لها. كما أن أية عودة لنقاشها من الأصوب أن تكون في إطار وطني شفاف ومسؤول، وهذا ما هو معروف أن (إعلان دمشق) يدعو لإجرائه في مختلف القضايا التي تهم البلاد والعباد.
وفي هذا السياق، يبدو طريفا المقارنة بين اتهام الكاتب للإعلان بالصمت المشبوه، وهي شبهة تتضمن موقفا محافظا أو سلفيا، وبين الاتهام الشائع للإعلان بالليبرالية ! فهل ينسجم هذان الاتهامان المتناقضان منطقيا ، إذ يضعان محمولين متناقضين لموضوع واحد،  أم أنهما يعبران عمليا عن أس واحد أو مشترك، هو الكامن تحديدا في عقلية الاتهام نفسها، مهما اختلف المتهمون وزوايا اتهامهم ؟  وهي عقلية قامت على احتكار الوطنية واللجوء إلى التخوين والإقصاء ، و سادت طويلا في تاريخنا الحديث والمعاصر، وكانت بالمحصلة من أهم عوامل استئخار نهضتنا؟  وفي النهاية لم تكن إلا تكرارا استعاديا لمفهوم الفرقة الناجية، سواء أخذت شكل المادة الثامنة أو شكل الولي الفقيه أو حتى الأمين العام مالك الحقيقة والشمس الساطعة على باقي العباد ، والذين عليهم أن يكونوا جاهزين دوما بانتظار فحص الدم الوطني على الطالع والنازل.
ـ أما محاولة الكاتب الأخيرة لإظهار موضوعية النظام ولا موضوعية المعارضة، عند حديثه عن شهادة النظام السوري بوطنية بعض المعارضة السوريّة، التي لم تجد مجتمعة أية ايجابية في النظام، حتى تاريخ كتابة سطوره. فأقل ما يقال عنها أنها مفضوحة، إذ تتجاهل المفارقة بين إشادة النظام تلك وواقع ممارساته؛ التي زجّت بعدد كبير من معارضيه في سجون المجرمين وليس حتى سجون السياسيين وأصحاب الرأي، مطبقة بذلك سياسة الطيب الذكر (غوبلز) ماغيره !. أما المعارضة فليتذكر أنها محرومة من جميع الحقوق، وأولها حق التعبير، كيما يستطيع السيد الكاتب  أن يطلع على رأيها في الإيجابيات والسلبيات!. بينما سبق لبعض المعارضين السوريين في الداخل ( وأبرزهم ميشيل كيلو) أن أبدوا استعدادهم للمشاركة في صحافة السلطة وفي تطوير فكر الحزب وحتى الحوار مع بعض رحال الأمن أصحاب السلطة الحقيقية، فقامت عليهم القيامة في بعض السلطة والمعارضة معا. وذلك دليل على أنهم رأوا بعض الإيجابيات ولم يتخذوا موقفا عدميا من الواقع كما حاول الكاتب التعميم، وبدون برهان لعله وجد أنه لا يقنع أحدا غيره.
وبالنسبة لاتهامه قادة المعارضة بالتشبث بوهم المناصب، فمن الواضح حقا أنه غير مطلع على التاريخ السوري القريب، وإن كان معذورا لولادته بعده ربما، فهو ليس معذورا لعدم (تجشمه) عناء البحث وقراءة التاريخ !.ذلك أن أكبر حزبين في المعارضة السورية ( الاتحاد الاشتراكي  والمكتب السياسي) ، كانا قد انسحبا من الشراكة في الحكم والسلطة السورية احتجاجا على الميل الاستبدادي الذي تكرس لاحقا، وكانت بداياته قد تجلّت موفقة في ميثاق الجبهة والدستور المؤقت!  لكن ذلك المثال قد لا يكون كافيا كي يتوقف الكاتب عن شلف اتهاماته، بعد أن أثارت الإعجاب السريع عند صديقه الكاتب (عمارعلي ) الذي استجاب سريعا لقراره بإعدام المعارضة السورية، واستبدلها بـ (المعارضة الشعرية المتاحة لنا ! ) في مقالته المعنونة : المعارضة السورية .. ما الذي كان ؟ ( كلنا شركاء 20/8/09 ) وكفى الله الموالين شر كل معارضة !.
أخيرا، إذا توقف الكاتب عند استعارة ما في اسم كاتب هذا الرد، وعزاها لخوف أو حذر، فهو محق تماما، وليس في واقعنا ما يشجع على غير ذلك. بانتظار أن نصل جميعا إلى الحق في الكلام، وحتى الحق في الخطأ، بدون خوف من بيت خالتنا السوري الشهير، لكن ذلك شيء ومحاولة البحث عن الحقائق شيء آخر. وتلك غايتنا  من هذا الرد، والتي نعتقد أن الكاتب نفسه لا يمانع في اللقاء معنا على طريقها، ودوما من أجل سورية (الوطن والمواطنة) التي نحب !

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى