أبي حسنصفحات سورية

جنبلاط مرحب به سورياً.. ماذا عن سجناء الرأي؟

null
أبي حسن
لم يترك الزملاء في لبنان, والمحيط العربي, شيئاً لم يقولوه أثناء تعاطيهم مع حدث “انقلاب” وليد جنبلاط المفاجئ(هل حقاً كان انقلابه مفاجئاً, وهل سيكون الأخير؟). واللافت في انقلاب وليد جنبلاط أن المعنيين بالأمر في دمشق سرعان ما تلقفوا الإشارة, فبادلوه إياها بأحسن منها, فبتنا نقرأ ونسمع عن الأبواب المفتوحة له في العاصمة السورية, وأن أبواب القصر الرئاسي ترحب به!.
من المؤكد أنه “لا يوجد في السياسة صداقات دائمة ولا عداوات دائمة, وإنما يوجد مصالح دائمة”. انطلاقاً من هنا نستطيع أن نتفهّم الترحاب السوري الرسمي بانقلاب جنبلاط, وهو انقلاب ليس من الصعب علينا تفهّم, وتقبّل, خلفياته ومبرراته وأسبابه الجنبلاطيّة, الموضوعي منها وغير الموضوعي. لكن من الصعب أن ننسى كيف كان يحرّض السيد وليد جنبلاط تركيا على جرف سوريا, ومرة أخرى يغري الولايات المتحدة باحتلالها(لا نعتقد أن ثمة غشاوة كانت على ضمير, أو عيني, جنبلاط أثناء مطالباته تلك). ومن البدهي أن ملايين السوريين ما زالوا يتذكرون كيف كان ينعت مقام رئاسة الجمهورية السورية في ساحة من ساحات بيروت, في إحدى مناسبات إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري, والصفات السوقيّة والمبتذلة التي استخدمها!.
ندرك أن للسياسة حساباتها, وهي حسابات لا تخضع لمنطق العواطف والمشاعر, ولا تعرف أدبيات مسك اللحى والشوارب والضرب على الصدر, بيد أن ما مثله السيد وليد جنبلاط إبان موقعه الريادي والقيادي في الرابع عشر من آذار, وفي مرحلة مفصليّة كانت سوريّا تكاد تكون فيها في مهب الريح قيادة وشعباً, يمسّ كرامة كل مواطن سوري, بمنأى عن موقعه السياسي مُعارضاً كان أم مُوالياً. فتحريض الدول الكبرى تارة على احتلال سوريا ومرة على جرفها لا يجوز أن يمرّ مرور الكرام. وأقل ما يجب فعله هو الاعتذار لشعب سوريا عن تلك الدعوات ومثلها الكثير, فنحن لسنا شعباً بلا كرامة, ولسنا لقطاء أو من شذّاذ الآفاق.
وإذا كان بمقدور الاعتبارات السياسية السوريّة(الرسمي منها وغير الرسمي) تجاوز كل هاتيك السقطات والإساءات الجنبلاطية, فهذا شأنها وحقها, غير أنه من حقنا أن نسأل صنّاع السياسة والقرار السوريين: إذا كنتم تستطيعون أن “تغفروا” لوليد بك, كل ما اقترفه بحق سوريا(قيادة وشعباً) من خلال تصريحاته, وتحالفاته السابقة مع المحافظين الجدد, لماذا لا تغفروا عمن تختلفون معهم بالرأي داخل البلاد؟! أليس الأقربون أولى منه بالمعروف؟! أولئك الذين تسلطون عليهم محاكم أمن الدولة بالتهم الجاهزة دائماً, وما تحتاجه فقط هو المُتهم!. فمعتقلو الرأي في سوريا لا يخضعون فقط لمحاكمات يشكُ الكثيرون في نزاهتها, وليست مأساتهم الوحيدة أنهم في السجن بعيداً عن أبنائهم وزوجاتهم ومن تبقى من أحبتهم, بل هي, أيضاً, في تأليب الشارع السوري ضدهم –في فترة سابقة- باعتبارهم خونة وعملاء ومأجورين من وجهة نظر مطلقي تلك الشائعات, بغرض الطعن في وطنيتهم, والتشكيك في كل تصرفاتهم ومواقفهم من قبل الشارع السوري.
لست ضد زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا, وسأرحب بزيارته, كأي مواطن سوري صالح “يمشي على الصراط المستقيم”, من دون أن يراودني هاجس مطالبته بالاعتذار بصفتي أحد أبناء سوريا الذين تأذوا (معنوياً, على الأقل) من تصريحاته سابقة الذكر. ولن أجد صعوبة بالنظر إليه باعتباره كان “خصماً شريفاً ونبيلاً” لنظام بلادي, وبوصفه زعيماً وطنياً (لا طائفياً) لبنانياً؛ ومتى كانت الزعامات في لبنان طائفيّة؟. لكن من حقي مطالبة السلطات في سوريا, بالاعتبار ذاته, الإفراج عن معتقلي الرأي(حتى ولو كانوا على خطأ. هل أخطاءهم ترقى إلى أخطاء وليد بك؟), أولئك القابعون في سجني عدرا المركزي وصيدنايا, ابتداء بمعتقلي إعلان دمشق (فايز سارة, وليد البني, رياض سيف, أكرم البني, فداء حوراني, وجبر الشوفي.. إلخ), مروراً بأنور البني, وليس انتهاء برياض درار, ومشعل التمو والمهندس نزار رستناوي وعمر العبد الله ورفاقه, ومصطفى جمعة وزملائه, وكريم عربجي والشاعر فراس سعد. فأقل ما يجب أن تفعله السلطات في سوريا, قبل أن ترحب بالانقلاب الجنبلاطي “المُبارك” بإذن العلي القدير, أن تخلي سبيل أولئك السجناء, ولو احتاج مثل ذلك الإخلاء إلى عفو رئاسي خاص. وإذا كان ثمة اعتبارات سياسية داخلية أوجبت سجنهم, فالمفترض أن تلك الاعتبارات زالت. ومن نافل القول إنهم لم يوهنوا نفسيّة الأمة أكثر مما فعل وليد بك ذات حين(لا نجزم بأن ذلك الحين لن يعود). وحال كانت إحدى هواجس السلطة لاعتقالهم, هي ميول بعضهم أو معظمهم لفريق الرابع عشر من آذار, فهي من أدرى الناس بأن لبنان لم يعد يحمل في أحشائه أياً من الفريقين(الرابع عشر آذار والثامن منه), فلبنان بات بألف خير وعافية, وقد عاد إلى طبيعته, أي إلى (….), من بعد الصحوة الجنبلاطيّة الأخيرة.

أبي حسن – كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى