صفحات ثقافية

بيت بمنازل كثيرة

null


سناء الجاك

عشوائيات البيت بمنازله الكثيرة

دي عريانة

تحاول دعاء ابنة التاسعة تثبيت حجابها على رأسها. أسألها لماذا تغطّين شعرك؟ تجيب: “علشان اكسب ثواب وأخشّ الجنة”. لا تعرف دعاء ما الذي ينتظرها في الجنة. لم تسأل. همّها ان تهرب من النار. أفهموها أن كل متع الحياة المتاحة لها في قريتها قد تقودها الى التهلكة. عيناها لا تلمعان الا بالخوف من رؤية ما يدنّس نظراتها الوجلة. يداها أقرب الى حجابها منهما الى الدنيا.

تقول ان لا صديقات لديها. تخاف الاختلاط واللعب. ترفض المشاركة في التمثيليات او الغناء مع بقية البنات لأنها سمعت أن الغناء والتمثيل حرام.

اعود الى سؤالها: من قال لك أن الغناء والتمثيل حرام؟

تجيب: “الشيخ فلان والشيخ علان والشيخ فليتان. اعرفهم من التلفزيون”. تسمّيهم وتستشهد بأقوالهم. المشكلة انها لا تصدّق غيرهم.

اما القراءة والكتابة فلم تكن دعاء تعرف عنهما الشيء الكثير. ولم تكن لتعرف لولا “المدرسة الصديقة” التي أنشأتها منظمة “اليونيسيف” في “قرية الجمهورية” حيث تقيم في الصعيد المصري. بدأت أخيرا تفكّ الحروف الابجدية بصعوبة مع بنات القرية في اطار مشروع يهدف الى القضاء على أمية الفتيات في مصر، حيث هناك 650 الف طفلة بين السادسة والحادية عشرة لم يدخلن المدرسة النظامية. أحاول اقتحام نظرات الصغيرة وأفكارها. أحدّثها عن بنات يشبهنها لا يفكرن في الجنة والنار. أغويها بصور لحفيدتي التي تقاربها سناً وهي ترقص او تلعب او تضحك.

تقلّب نظراتها بين الصور وبيني. تخاف أكثر وتعلقّ قائلة: “دي عريانة“!

الكهف

اللبنانية نظيرة زين الدين التي وضعت كتابا عن “السفور والحجاب” في العشرينات من القرن الماضي، حددت اربعة انواع من الحجاب هي: الملابس والجهل والنفاق والجمود.

مئة عام انقضت. تراجع السفور لمصلحة الحجاب. ووجد كلٌّ من الجهل والنفاق والجمود عصره الذهبي المكلل بالتكنولوجيا التي ساهمت في نشره وترويجه. الفقر دخل على الخط ليساهم في حملة التسويق. ارتاح الحكّام وحصّنوا كراسيهم وتركوا “الكسالى والطامعين والمتطرفين” يواجهون مصائرهم ويتأكلون ويتناسلون ويتواجهون ويتصارعون. وفرحوا.

أما أنا فقد حزنت على حالنا وتذكرت فرج فوده. معه حق عندما قال: “لا يوجد راحة لبشري في الكهف”. التكنولوجيا في هذا المنحى فتحت الكهف على مصراعيه. لم يخرج منه أحد. كلّهم يدخلون.

ذات مؤتمر

ذات مؤتمر اخبرنا زميل أردني ان كتاب “أحكام المسح على الخفين” الذي يناقش افضل الطرق لغسل القدمين في الوضوء، كان الأكثر مبيعا في عمان. واستطرد يحدّثنا عن الرجل الذي طلّق زوجته لانها تمارس الجنس مع الجان. الاغرب في الواقعة هذه ان القاضي منع النفقة عن الزوجة لأنها ناشز. استرسل الزميل فروى واقعة أخرى تتعلق بزوج طلّق زوجته بالثلاث لأنها كانت تشاهد الاخبار في التلفزيون من دون “مَحرم“.

سألناه: “من أين جمعت هذه الوقائع؟”. أجاب: “من الانترنت. حيث نتبين أن نسبة كبيرة من الناشطين على الانترنت هم من الاصوليين الجهاديين”. أضاف: “اكتشفت أخيرا اين تقع مزبلة التاريخ عند العرب. انها على الانترنت. كل شخص لديه قذارة يريد رميها في مكان ما، يرميها على الانترنت“.

بلدي القديم

تحدث زملاء من سوريا عن أكثر من مليون لاجئ عراقي فتح لهم النظام ابوابه وكأنه يهدد بني شعبه بمصير مشابه اذا حدّثتهم انفسهم بمحاولة البحث عن التغيير. أخبروني كيف يتعمد الاعلام السوري رفع الاوضاع المأسوية في العراق وفلسطين الى مرتبة الصدارة، ليجد الشعب ان هذا النظام على علاّته افضل من التشرد واللجوء والموت المتواصل.

زميلنا التونسي تحدث عن بوليس الانترنت الذي يحجب المواقع بقبضة من حديد وبوسائل تكنولوجية تبيعه إياها شركة متخصصة فرنسية. أخبرنا عن مهارة الرقيب الذي تطوّر فلم يعد يعتقل أيّ اعلامي بتهمة لها علاقة بحرية الصحافة من قريب او بعيد. أراح هذا الرقيب نفسه وحمى رأسه من مغبة وصمه بقمع الحريات. حضّر تهما جاهزة ملفقة ومفصّلة على القياس: التحرش الجنسي لكل رجل يتجاوز الخط الاحمر للكلام والكتابة. وممارسة الدعارة للنساء اللواتي يكشفن المستور، حتى لو كانت المتهمة قد تجاوزت الستين. شاطرٌ هذا الرقيب في إخراس الصحافيين وتشويه سمعتهم. اما رفيقتنا العراقية فقالت انها تحمل هويات عدة لتحمي نفسها اينما واجهتها الاخطار. كذلك تتجنب حمل صور اولادها حتى لا يتعرضوا للقتل او الخطف لأنها أمّهم. اضافت انها تفضّل الموت بعبوة ناسفة على الاختطاف. أهلا يا عراق. نحن على الدرب سائرون. خير دليل لدى استهداف سيارة للسفارة الاميركية على الطريق البحرية، شمال بيروت، حيث قتل ثلاثة أبرياء: لبنانيان وسوري.

مخيفةٌ مصائر الحريات، وعشوائية البيت العربي بمنازله الكثيرة في التعامل معها ومواجهتها. لكن أكثر ما يخيف ان تسمع زميلا ليبيا يتحدث عن حريته الحالية حيث يقيم في واشنطن، ثم يسترجع حادثة عاشها قبل أعوام في وطنه، مستخدما عبارة “بلدي القديم“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى