صفحات من مدونات سورية

عزازيل… النسخة العربية من دافنتشي كود؟!

نتشارك أنا وأخي الكثير من الأشياء، ولعل أهمها حبنا وشغفنا بالقراءة. وما أن يأتي معرض الكتاب في سوريا حتى كان كل منا يذهب في غزوته الخاصة ليعود محملاً بعشرات الكتب،
dd وبجيب “مبخوش” بالحلبية الدراجة.  ومنذ فترة أرسلت له لائحة من موقع البي بي سي العربي بأسماء الروايات العربية المرشحة لجائزة البوكر العربية لعام 2008 وتلك الفائزة بهذه الجائزة لعام 2007. فطلب مني أن أشتري له روايتين من هذه القائمة من إصدار مصري (واحة الغروب لبهاء طاهر  وعزازيل ليوسف زيدان) على أساس أن ثمنهما في مصر، بلد المنشأ، أرخص بكثير وهذا ما كان. إلا أنني لم أستطع مقاومة الإغراء، فبدأت بقراءة عزازيل الرواية التي صدرت في كانون الثاني يناير 2008 وطبع منها حتى الآن خمس طبعات.
شرائي للرواية إذاً جاء بمحض الصدفة، جراء ترشيحها للبوكر دون أن يكون لدي أية خلفية عنها أو عن مؤلفها يوسف زيدان وبحسب الطبعة التي قرأتها، عرف نفسه بأنه باحث ومؤرخ ورئيس لقسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية. وخلال قراءتي توقفت أكثر من مرة عند عبارات جاءت على لسان الراهب المصري هيبا بطل الرواية، لا ينطق بها إلا مسيحي ذو خبرة إيمانية عميقة من قبيل:
“لم نفهم قول يسوع لبطرس أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، لأننا لم ندرك أن كل كنيسة بنيت أو سوف تبنى لا بد أن تقوم على رسولية بطرس وإيمانه الذي لا يعرف الشك وإن كان يعرف الضعف!”
“الاعتراف طقس بديع يطهرنا من خطايانا كلها ويغسل قلوبنا بماء الرحمة الربانية السارية في الكون”.
شدتني الرواية وتابعت قراءتها إلى أن اضطررت إلى إرسالها لأخي في سوريا مع أحد المسافرين قبل أن أنهيها. لم أدع خيبة الأمل تنال مني بل انتظرت أقرب فرصة لأقوم بالبحث والنكوشة على الإنترنت علني أجد نسخة إليكترونية منها. إلا أنني فوجئت بعدد الصفحات التي ظهرت على غوغل والمحتوية على مقالات منتقدة أو مرحبة بالرواية لأكتشف شيئاً فشيئاً كم من الجدل أثارته هذه  الرواية في السنة المنقضية على صدورها.
ولكن عم تتكلم “عزازيل” ليثار الجدل حولها وهي مجرد رواية؟
يروي المؤلف على لسان راهب مصري مفترض يدعى “هيبا” عاش في القرن الخامس الميلادي، الأحداث التي شهدها في الإسكندرية من قتل الفيلسوفة الوثنية هيباتاتيا  على يد بعض المسيحيين المتعصبين، ومن ثم رحيله إلى أورشليم ومنها إلى أحد أديرة المدن المنسية شمال حلب. مستعرضاً الخلاف بين نسطور أسقف القسطنطينية حينها وباقي الأساقفة المسيحيين حول مفهوم الطبيعة الواحدة والطبيعتين للمسيح وعبارة والدة الإله (ثيوتوكوس). وهو يأخذ منحاً متعاطفاً مع نسطور بل يرسمه بشكل أقرب إلى القديسين. في حين يصور كيرلس، أسقف الإسكندرية حينها والملقب بعمود الإيمان في تراث الكنيسة القبطية الأورثوذوكسية، كمتطرف يدعو لقتل أو إزاحة كل من يخالفه الرأي.
في الواقع فوجئت، بعد قراءة بعض النقاشات الدائرة حول هذه الرواية، باكتشاف أن كاتب الرواية مسلم فكما سبق وأشرت لم يساورني أدنى شك في الوهلة الأولى أن الكاتب مسيحي، إلا أنني تعجبت من جرأته على الخوض في مواضيع لاهوتية مسيحية من قبيل الخلاف مع النساطرة وعقيدة والدة الإله.
واستغربت من الجدل الدائر حولها فقسم من المسيحيين في مصر رأى فيها إساءة للدين المسيحي بل وتهدف إلى هدم الدين المسيحي. فوحه الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للأقباط الأورثوذوكس اتهامات حادة في بيان أصدره، بل أن بعض المحامين الأقباط قاموا برفع دعاوى ضد المؤلف. أما على المقلب الآخر، فكذلك تفاوتت مواقف المسلمين فمنهم من رأى فيها مناسبة للشماتة فأخذ يطلق على الرواية ومؤلفها نعوتاً لا أظن أنهما يتحملانها مثل أنها هزت الكنيسة القبطية أو كشفت التاريخ المستور للكنيسة (وكأنما هناك شيء مستور أصلاً).
أما المؤلف فرد بعبارة ليست في محلها مدعياً أنه نبش تاريخاً مسكوتاً عنه وأنه لا يهتم بالإرهاب الديني.
في الواقع لا يمكنني أن أقول بأنني أتفق مع أيٍ من أصحاب المواقف السابقة فيما ذهبوا إليه. ولكن هناك بعض الأفكار والتساؤلات التي تدور في خلدي وأود أن أشارككم إياها.
أولاً يمكنني القول أنني قرأت هذه الرواية واستمتعت بها بقدر استمتاعي برواية دافنتشي كود رغم أن حبكة هذه الأخيرة أقوى بكثير وجرعة التشويق والإثارة فيها أعلى. ومن هذا المنطلق تلقيتها كعمل روائي بحت دون أن ألقي بالاً إلى محاولة المؤلف غير الموفقة في الدخول في مواضيع لاهوتية وإقحام آرائه الشخصية فيها. في حين أنه وفق إلى حد كبير في نقل الصراع الروحي الذي يعيشه الراهب بطل الرواية في بحثه عن معناً لحياته وتردده بين التزامه الرهباني واتباعه لهوى قلبه. ومن هذا المنطلق لا أرى أن الرواية تحتمل المواقف السابقة التي أراد البعض تحميلها إياها.
إلا أنني تساءلت من ناحية أخرى، هل كان المسلمون ليكتفون بتقديم طلب مصادرة أو رفع دعوى قضائية في حال تجرأ كاتب مسيحي على تأليف رواية تشكك في نبوة محمد مثلاً…
وهل أراد المؤلف ركوب موجة دان براون والخروج برواية جدلية على نمطها عله يحقق شهرة أو نجاحاً مادياً ما؟ هل أصبح الطريق للشهرة يمر باستفزاز الآخرين والتعرض لمعتقداتهم؟
كذلك شعرت بطرافة المؤلف لمحاولته وبعض النقاد والصحفيين تصوير الأمر على أنه اضطهاد فكري ورقابة تمارس من قبل الكنيسة القبطية، شبهها بعضهم بالرقابة التي يمارسها الأزهر أو غيره من الجهات أو المنظمات الإسلامية.
أفهم غضب بعض الأقباط من محاولات النبش في الدفاتر القديمة واستذكار بعض الأحداث العنيفة في تاريخ كنيسة مصر، ولكن لا يمكنني قبول المنطق القائل بأن الرواية تكشف التاريخ العنيف للمسيحية أو تقتحم التاريخ السري للكنيسة. أولاً لأن ما من ديانة ناشئة إلا وصاحب انتشارها  عنف سواء مورس على مريديها أو فيما بعد على معارضيهم. والعنف رافق بشكل أو بآخر الكنيسة المشرقية أو الغربية كما ارتبط بالإسلام واليهودية وغيرها… وثانياً لأني لا أعتقد بأن هناك أي نوع من التاريخ السري للكنيسة التي اعترفت وتعترف بالأخطاء التي مارستها بل واعتذرت عن الكثير منها إن لم نقل معظمها. إلا أنه لا يمكن بحال من الأحوال لرواية أو أي عمل أدبي أن يهدم الديانة المسيحية أو هذا ما أعتقده على الأقل.
ختاماً ولكي لا أطيل أقول بأني كنت أتمنى أن يصب مبدعونا جهودهم على أمور تعمل على رفع شعوبنا والنهوض بها، لا على ما يزيد من الفتن ويعقد الأوضاع، بين المسلمين والمسيحيين، المتوترة أصلا في بلد كمصر.
http://fadihaliso.wordpress.com/
ولمن لا يمكنه الحصول على الرواية يمكنه تحميل نسخة إليكترونية من هذا الرابط.
http://www.eltareek.com/downloads/azazil.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى