صفحات سورية

لماذا تراهن إيران وحلفاؤها على رئاسة باراك أوباما؟

null
راغدة درغام

تتبنى روسيا أسلوب المواجهة الديبلوماسية والسياسية مع الولايات المتحدة لأنها تشعر بأن السياسة الأميركية مزعزعة ومبعثرة لدرجة توفّر لموسكو فرص فرض معادلات ثنائية ودولية تعيد لها مكانة مميزة في موازين القوى وتقوي قيادتها في تحالفات النفط والتحالفات الاستراتيجية الجديدة.
الصين تبلع ريقها حالياً لتمرر الالعاب الأولمبية وتضبط أعصابها كي لا يستفزها ما تعتبره تجاوزات وتدخلاً في شؤونها الداخلية، لكنها قد تبدأ بتصعيد التصلب العلني والمواجهة الديبلوماسية مع الغرب، وبالذات الولايات المتحدة، ليس فقط انتقاماً من الخارج، وإنما أيضاً للتغطية على أحداث مقلقة متوقعة في الداخل بعد انتهاء الألعاب الأولمبية.
هذان الحليفان النفطيان والاستراتيجيان يفضلان المرشح الديموقراطي باراك اوباما، على المرشح الجمهوري جون ماكين، لأنهما يعتقدان أنه خامة جديدة قابلة للمجاذفة وارتكاب الأخطاء، وشخصية غير مدربة على الحكم والحذاقة السياسية ودهاء التفاوض وحسن اللسان. هذا التقويم تشاطرهما فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يتقن حكامها الدهاء السياسي وفن استخدام القطن الأبيض الخفيف لشق جرح بالغ برشاقة. فطهران قطب مهم في الحلف النفطي – كما فنزويلا بقيادة هوغو تشافيز – وهي قد جمعت الأوراق التي حصدتها وقدمتها لها إدارة جورج دبليو بوش من خلال حربها في العراق وجهزت هذه الأوراق للاستخدام بصلابة وحنكة في الجولة الأهم من المفاوضات المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، آملة أن تكون مع باراك أوباما رئيساً، ولذلك فهي تدلي بـ «صوتها» له عملياً، شأنها شأن شركائها الأصغر، مثل سورية، التي لا موقع لها في التحالفات النفطية. فدمشق أوضحت أنها في انتظار الرئيس المقبل ولن «تقدم» السلام مع إسرائيل إلى إدارة جورج دبليو بوش مهما تراجعت هذه الإدارة عن توعداتها والتزاماتها. ودمشق تحلم بإسراع باراك أوباما إلى احتضانها شريكاً لتسهيل الخروج الأميركي من العراق، وقطباً عربياً مهماً في العلاقة الجديدة مع إسرائيل. فيعيد تأهيلها لدى واشنطن عبر تبادل السفراء وليس فقط عبر فرنسا أو أوروبا أو قطر.
مراقبة روسيا في مجلس الأمن تبيّن كيف تستخدم المسائل الاقليمية لتصعّد مواجهتها وتحدياتها للإدارة الأميركية حتى وإن كان ذلك على حساب القضايا والشعوب والحق والمبدأ.  الخطاب السياسي العلني الذي يتبادله كل من السفير الروسي فيتالي تشيركن مع السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد يكاد يقترب من لغة الحرب الباردة. تشيركن أكثر عنفاً من خليل زاد، ليس فقط لأن السياسة الروسية في هذا المنعطف هجومية اكثر فيما السياسة الأميركية تراجعية، وإنما أيضاً لأن تشيركن شبه الخجول اجتماعياً يتحول إلى مدفعية إعلامية عندما يلزم. أما خليل زاد فإنه يبدو دائماً راغباً بالارضاء وبأن يكون محبوباً، فيظهر ضعيفاً ومتردداً عكس سلفه جون بولتون الذي نفذ السياسة الأميركية وساهم في صنعها بثبات وقوة وبوزن الولايات المتحدة.
وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ساهمت – عمداً أو سهواً – في اسقاط سلفها في المنصب، كولن باول، بتحالفها مع المحافظين الجدد عندما كانت مستشارة الأمن القومي. وها هي اليوم تحاول احتضان تلك السياسات التي ربما كان لها نصيب من النجاح عندما تبناها كولن باول حينذاك. اليوم، يمكن القول إن الفرصة الذهبية لامرأة سوداء ورجل أسود في أهم المواقع في الحكومة الأميركية تكاد تكون هُدرت بسبب سوء التحالفات وسوء التقدير وارتكاب الكثير من الاخطاء.
السياسة التي تتبعها كوندوليزا رايس اليوم يمكن وصفها بسياسة «بعد فوات الأوان». ولأن السياسة الخارجية الأميركية تتزعزع في محاولات إعادة اختلاقها في الأيام الأخيرة من عهد جورج دبليو بوش تحاول مختلف الدول الاستفادة من الخلل ومن الدهشة والضياع ازاء ما آلت إليه هذه الادارة في آخر ايامها.
أصدقاء هذه الإدارة، على نسق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يتمتعون بمهمة التكليف الأميركي لهم بتولي ملفات كانت واشنطن تقول أنها في مطلع اهتماماتها. وها هو ساركوزي، بدوره، يكلف نظيره السوري بشار الاسد، مثلاً، بجزء مما كلفته به الإدارة الأميركية والذي يحمل عنوان طلب الود من إيران. أسباب سياسة التكليف الحقيقية مجهولة، لأن كوندوليزا رايس تبعث يوماً كبار مساعديها للمشاركة في اجتماعات خطب ود إيران عبر رزمة الحوافز الكريمة لترغيبها بالتعاون، وفي اليوم التالي تتحدث عن عقوبات عبر مجلس الأمن، ثم يتم تسريب ادعاءات بأن الضربة العسكرية الأميركية آتية حتماً ضد إيران على أيدي إدارة جورج دبليو بوش حالما يتبين أن طهران ركلت رزمة الحوافز التي تُعرض عليها في المجال النووي، وذلك في الفترة بين انتهاء الانتخابات وتسلم الرئيس الجديد لمنصبه.
واقع الأمر أن حكام طهران مخضرمون في فن المساومة الكبرى والصفقات العظمى وفنون شراء الوقت وفرض الأمر الواقع تلو الآخر. وهم ماهرون في الحنكة الديبلوماسية والسياسية. قد يفرطون في الألاعيب ويخسرون الرهان ويدفعون الثمن، إنما مئات السنوات من الخبرة والحنكة ليست سلعة رخيصة يمكن اختزالها من المعادلة.
روسيا، بالتفاهم مع الصين، جاهزة لتكون طرفاً في أية صفقة كبرى مع ايران. وهذا يعزز ثقة طهران بنفسها ويقوي موقعها التفاوضي وقدراتها على المساومة. والحديث رسمياً هو عن الملف النووي، والتفاهم يتم بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا) زائداً المانيا. ايران عملياً تتحدث مع الولايات المتحدة بلغة اقتسام النفوذ في العراق وموقعها في موازين القوى الاقليمية، وفي الوقت ذاته، انها في تحالف نفطي مع روسيا والصين وفي تفاهم استراتيجي معهما.
فإذا كانت ثورة الخميني عام 1979 قامت على أساس «لا شرق ولا غرب»، فإن سياسة ايران بقيادة علي خامنئي تقوم على جعل ايران حاجة للشرق والغرب. ولذلك يتقدم خامنئي برئيس الجمهورية الاسلامية محمود احمدي نجاد كعنصر أساسي في سياسة المعادلات الاستهلاكية فيما يصيغ بنفسه عناصر وعوامل تنفيذ العقيدة الخامنئية، وفي باله ليس ايران فحسب وانما العراق أيضاً. فالبلدان اليوم توأمان في الحسابات الاستراتيجية الايرانية والروسية والصينية معاً وذلك لغايات عدة، أبرزها النفطية والعلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية.
فكما جاء جهلاء زمرة المحافظين الجدد ببدعة حرب العراق والعقيدة الاستباقية باسم المصالح الاميركية يأتي اليوم حكماء الصين وروسيا بانقلاب على تلك العقيدة في عقر دارها. ايران استفادت من مخططات المحافظين الجدد الذين كانوا على يقين تام بأن حرب العراق هي للمصلحة الايرانية والاسرائيلية وظنوا أن هذه هي أذكى الشراكات في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. وايران استفادت من مخططات الروس وقادة الصين الذين قرروا حينها أنه لن يسمح للولايات المتحدة بامتلاك كل النفط واحتياطاته. ايران اليوم هي الرابحة، فهي ايران والعراق معاً. وهذا ما يمكن تسميته بـ «البونانزا» ما لم تتغير المعادلة بقرار توجيه ضربة عسكرية. وبحسب الحسابات الايرانية والروسية والصينية، فإن باراك اوباما هو أفضل رهانات الاستبعاد التام للحسم العسكري مع ايران. ومثل هذا الاستبعاد يطبع الختم على ما حصدته هذه الدول نتيجة المغامرات البائسة لادارة جورج دبليو بوش في العراق وما تلاها من انحناء اميركي أمام ايران واخواتها.
حتى الحكومة العراقية التي ولدت على أيدي جورج بوش لا تتردد في توجيه صفعة اليه تلبية لرغبات ايران. لذلك «صوّت» الرئيس العراقي نوري المالكي لصالح باراك اوباما عندما زار العراق بموافقته على آرائه المتعلقة بالإطار الزمني للانسحاب الاميركي من العراق.
في الوقت ذاته، انحسرت الثقة أكثر فأكثر بالولايات المتحدة نتيجة انقلاباتها المتكررة المعهودة على تعهداتها بالذات في عهد جورج بوش. وبالتالي، وفيما تزداد دول مثل روسيا والصين وايران وكذلك سورية تعلقا بباراك اوباما لأن التعامل معه حسب تصورها أسهل، تزداد دول عربية عديدة تباعداً عن ثقتها بالحزب الجمهوري بسبب ما آلت اليه سياسات جورج بوش نحوها.
أحد كبار المسؤولين في احدى الدول الخليجية قال إن بلاده تعمل منذ سنوات عدة على تحويل علاقتها مع الولايات المتحدة من «حليف تقليدي» الى «شريك» يتقاسم معها الاستراتيجية والأخطار، «واليوم، أخشى أن الطرف الآخر يفكر بأن شريكه ليس أنا».
في الماضي، كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة ثابتة الى حد كبير في اعتمادها أولويتين هما النفط واسرائيل. هذان العنصران ما زالا في مقدمة الأولويات، لكن اللاعبين في التوازنات الاقليمية يتسابقون ويتعانقون ويتهادنون ويتحاربون بصورة مختلفة نتيجة حرب العراق وافرازاتها.
اسرائيل اليوم، كما ايران، مستفيدة كبيرة من حرب العراق لأن حرب جورج دبليو بوش في العراق استكملت حرب جورج بوش الاب في تحقيق ازالة العراق من الموازين الاستراتيجية الاقليمية – أي ازالة الدولة العربية الأقوى من المعادلة العسكرية مع اسرائيل ومع ايران وحتى مع تركيا.
ما زالت اسرائيل غير مرتاحة للمعادلة على رغم نسف العراق منها لأنها لا تريد لأية دولة عربية أن تكون قوية وفاعلة اقليمياً أو دولياً، نفطياً أو استراتيجياً. ولذلك ان كامل سياستها مبنية حالياً على محاولات مستمرة لتقزيم الدور السعودي اقليمياً، عبر دعمها سورية وغض النظر عن «حزب الله» في لبنان، أو عبر المشاركة الصامتة في الصفقة الكبرى التي يتم التفاوض عليها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. أي من المرشحين للرئاسة الأميركية يجب عليه أن يفكر ملياً ان كان ذلك الموقف الاسرائيلي يتماشى مع المصلحة الاميركية البعيدة المدى. وكلاهما يجب عليه أن يفكر في افرازات حرب العراق على الشراكات الاقليمية.
يبقى أن اللغز الدائم هو العلاقة الاميركية – الايرانية – الاسرائيلية. البعض يقول إن الصفقة التي تبحث ستفشل وتحل معها الضربة هذا الخريف. البعض الآخر يؤكد أن هذا كلام سخيف ولن تكون هناك ضربة اميركية أو اسرائيلية لايران. فليست المؤسسة العسكرية وحدها التي تتخذ مثل هذا القرار، ولا الاقتصاد والنفط ومتطلباته فحسب، وانما هناك عناصر أخرى في الحسابات بعضها ذات علاقة بفن التفاوض ودهاء الشراكات وضغوط لاعب مجهول في الساحة أسمى نفسه ارهاباً.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى