صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

مابعد مجلس -إعلان دمشق-

محمد سيد رصاص

قرأ الأستاذ رياض الترك بدقة حدود التقاربات الأميركية- السورية الأخيرة،من خلال دعوته،وهو الحريص منذ سقوط بغداد على محاولة ضبط ساعة المعارضة السورية على ايقاع(العامل الدولي)،إلى عقد ماسمي ب”المجلس الوطني لإعلان دمشق”بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر أنابوليس،حيث أتت تطورات الأسابيع اللاحقة لهذا المجلس،المنعقد في أول أيام شهر كانون الأول،لتبين فشل المسعى من أجل فك التحالف السوري- الإيراني،عبر بوابتي(التسوية)و(قصر بعبدا)،وهو ماأعاد الأمور بين واشنطن ودمشق إلى المربع الأول.

كانت فكرة “المجلس الوطني لإعلان دمشق”قد طرحت في أواخر الربيع الماضي بعد وصول الجهود،التي وصلت لذروتها في القمة العربية بالعاصمة السعودية بآذار الماضي لإحداث تقارب سعودي- سوري،إلى الطريق المسدود،في ظل تجمع الغيوم لمجابهة أميركية – ايرانية تحت عنوان (ملف طهران النووي).وقد لوحظ ،في هذا الصدد،تركيز الأستاذ الترك على محاولة ايجاد جسم لهذا المجلس لايكون أساساً من الأحزاب الموجودة في”اعلان دمشق”،وإنما من “المستقلين”،لتفادي تجربتي”التجمع الوطني الديموقراطي”،المؤسس منذ عام1979،والسنتين الماضيتين من”اعلان دمشق”،عندما لم يستطع الأستاذ الترك وضعهما في المآلات المبتغاة من قبله بسبب وجود أحزاب قوية فيهما،مثل( حزب الإتحاد الإشتراكي العربي الديموقراطي)،كانت معارضة لتوجهاته،فيما لوحظ،أيضاً،رفض أكثرية أطراف”اعلان دمشق”أي موقف متمايز أومضاد تجاه “المشروع الأميركي في المنطقة”عند مناقشة مشروع مسودة البيان السياسي للمجلس إلى حدود وصلت لرفض أي طروحات “معتدلة”حيال ذلك،مثل عبارتي” رفض المشروع الأميركي-الصهيوني” أو”المشروع الصهيوني المدعوم من الإدارات الأميركية“.

أكَد ماحصل في يوم انعقاد المجلس انتصار توجهات الأستاذ الترك ،الذي قاد تكتلاً مؤلفاً من الليبراليين والإسلاميين والأحزاب الكردية(ماعدا الحزب اليساري الكردي) ضد الناصريين وشيوعيي (حزب العمل)،حيث مرر ماأراده في البيان السياسي مكتفياً بإعطاء خصومه عبارة”العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأميركية”،مع السكوت التام عن أميركا ومشروعها في المنطقة وكل المواضيع تحت شعار(الديموقراطية أولاً)،ومُسقطاً قيادات(الإتحاد الإشتراكي)و(حزب العمل الشيوعي)في انتخابات (هيئة الأمانة العامة)عبر تكتل تصويتي كان واضحاً من مجرى عملياته واتجاه الأصوات أنه مُدبَر ومبرمج.

قاد هذا إلى جعل “اعلان دمشق” أقرب إلى حزب،حيث لايوجد التصويت في التحالفات وإنما التوافقات في التوجهات والتعيينات المسماة من الأحزاب في المناصب،وهو ماأدى إلى اسقاط صفة الإئتلاف أوالتحالف العريض عن “اعلان دمشق” ليصبح تياراً واحداً،من ثلاثة ألوان،صار سهل الإنقياد بتركيبته الحالية،يجمعه عامل المراهنة على(العامل الدولي)في تحقيق أجنداته وليس على (العامل الذاتي)،مستنداً إلى تحليل مؤدلج بعتبر(الديموقراطية)مفتاحية للقضايا الوطنية والإجتماعية و”الإثنية”،في الوقت الذي يقوم فيه أرباب هذا الطرح بالإنزياح(منذ أربع سنوات ونصف أعقبت سقوط بغداد) عن مواقفهم السابقة في القضايا الثلاثة المذكورة باتجاه تفسيرات ليبرالية تضع العروبة واليسار وراءها وباتجاه فهم جديد يتلاقى مع توجهات الإدارة الأميركية حيال موضوع (الأقليات القومية).

هنا، كان يوم الأول من كانون الأول عام2007 تاريخاً لإنشقاق المعارضة السورية إلى اتجاهين مختلفين،عبر مبادرة قام بها زعيم أحد الإتجاهين،مثلما قام المرحوم خالد بكداش بشقِ الحزب الشيوعي السوري عبر بيان 3نيسان1972 بدعم من السوفييت والسلطة السورية.بالتأكيد ستكون ولادة التيار المعارض الآخر،المناهض للتيار الأميركاني في المعارضة السورية الذي أصبح متبلور الملامح والتوجهات والقوام،تدريجية،إلاأنها ستأخذ ملامح لتيار يأخذ أبعاداً أربعة:قومية عربية-وطنية سورية-ديموقراطية-اجتماعية،وهو شيء كامن في المعارضة السورية ويقترب من الوضوح.وهذا ماسيكون عملية تاريخية،تمنع تكرار مافشل فيه الوطنيون العراقيون،المعارضون لصدام حسين أثناء عامي2002و2003،في عرقلة عملية تحول المعارضة العراقية إلى الخط الأميركاني بأكملها،من أجل انشاء خط وطني ديموقراطي في المعارضة السورية،يرى التداخل بين البعدين بالتوجه المعارض في ظل الوضع الناشىء،بعد11أيلول2001و9نيسان2003،عن تصادم (الدولي)،الغازي للمنطقة،مع(الإقليمي)،الممانع لأسباب تتعلق بالأدوار الإقليمية،فيمالايرى هذا الخط بأن الولايات المتحدة قد استطاعت في(يوم 9نيسان2003)اسقاط صدام حسين فقط وإنما العراق بأكمله،هذا إذا لم يكن هذا اليوم بمفاعيله على العرب أكبر وأخطر من مفاعيل(يوم15أيار1948).

هل سيستطيع المعارضون السوريون،المضادون للخط الأميركاني في المعارضة السورية،التجمع في تيار واحد،بعد أن امتلك التيارالأميركاني الأداة التنفيذية،في ظل العاصفة الكبرى التي من الواضح أنها ستنشب في كامل الشرق الأوسط خلال العام القادم،بين(الدولي)=واشنطن و(الإقليمي)=دمشق وطهران؟……………

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى