جهاد صالحصفحات سورية

أوكسجين

null
جهاد صالح
سنوات وعقود مرّت على السوريين كانت جحيما حياتيا لم ينتهي بعد، وما زال يتطور ويزداد نحو أوجه أكثر قبحا ورمادية، دفعت بالكثير من نشطاء حقوق الانسان بالإعتراف والعجز أمام أي تغيير أو أمل بالتغيير.
بعد سقوط نظام صدام وانتهاء حقبة احتلال سوري للبنان، تأمّل المواطن السوري بمفاجآت قادمة ووشيكة، وتنفّس الصعداء لما يحصل ، محكوم بالأمل والرهان أن نظام البعث في بلادهم سيتّعظ من نهاية شقيقه التوأم في العراق ، كدرهم وقاية من السقوط والمحاسبة.
لكن تجري الرياح عكس الآمال في التغيير والاصلاح ، بل اتجهت حالة البلاد إلى الأسوأ وبات القمع والاعتقال الكيفي في الذروة: اعتقالات لموقّعي اعلان بيروت دمشق، ولأعضاء اعلان دمشق، واعتقالات في صفوف نشطاء حقوق الانسان والصحفيين والكتاب والمثقفين، اعتقالات بلا حدود في صفوف المواطنين الكرد  من زعمائهم وأطفالهم ونسائهم، وقمع المظاهرات والاعتصامات بالرصاص والقتل ، وتصفية العسكريين الكرد  أثناء الخدمة العسكرية.
يخرج أحد النشطاء من سجن عدرا، أو صيدنايا، أو فرع فلسطين ( محبطا) لأنه خرج من سجن إلى سجن، ومن رقابة إلى رقابات، وإلى حياة منفية عنها الدولة والوطن والمواطنة.
وفي ظروف  اقليمية  الغالب فيها للمصالح الديكتاتورية ، وسياسة دولية مخجلة تطبطب على ظهر السلطة الحاكمة وتغازلها في لغة الحوار والتفاهمات والمصالح المشتركة،  يعود النظام إلى الحاضنة العربية  ولعب دوره داخل السياسة الإقليمية كعقدة لا يمكن فك لغزها إلا عن طريقه.
أوروبا تعيش غزلا وتجاهلا لملف حقوق الانسان داخل سوريا ، وأمريكا بزعامة الديمقراطيين تضع العصا جانبا وتدعو سوريا إلى مائدتها لأجل الاتفاق على الأخذ والعطاء المتبادل،  من رهان أن دمشق ستساهم في نجاح السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
في حين يستعيد حكّام الشام عافيتهم ولياقتهم السياسية والتخريبية كلاعب مهمّ وحيوي، مهدّم ومعمّر معا… ولما لا والكرة في يدهم، ما دام المجتمع الدولي  والعربي أجمعا على مركزية دمشق في موضوع التفاهمات والحلول والتوافقات السياسية بأبعادها ومصالحها المتقاطعة ، ولو على حساب حرية وإرادة شعب سوريا.
سيكون الخاسر من كل ما يحصل في اللعبة وفبركاتها\ الشعب السوري\ المقهور الذي لم يعد يستطيع التنفس داخل وطنه ، بسبب تراكم الظلم وتكلّسه وكبت الحريات والفقر المخيف والبطالة والفساد والجفاف ، والقوانين الأمنية التي تصادر الجماد وليس الأجساد والأرواح فقط؟
أوكسجين يفتقده السوريون داخل حدود الوطن ومن خلف الجدران، وحتى التنفس الاصطناعي يوزّع في قسائم مخابراتية ودراسات أمنية دقيقة، وكل من يسير عكس ثقافة التبعية والصمت يكون متآمرا وصهيونيا وناشطا لإثارة النعرات الطائفية، وتهديد الأمن القومي لدويلة البعث وجمهورية الحديد والنار والخوف.
إن ما ما يحتاجه الشعب المغلوب على أمره هو أوكسجين نقي.. طبيعي.. هواء إسمه التغيير.. أوكسجين الحرية الملوّن والمزركش بقصائد قباني والماغوط.. وأمل ونّوس الذي لا يموت  أمام اليأس والقهر.
أوكسجين قد يخرج الوطن والمواطن من غرفة الانعاش والعمليات، ليتمكن السوريون الفاقدوا الحظ من أجل تأهيل سوريا من جديد، وإعادتها إلى رشدها وحكمها الرشيد وعافيتها كدولة متوسطية ديمقراطية فاعلة انسانيا وسياسيا.
لكن هذه المعالجة الفيزيائية الكيميائية لا يمكن تحقيقها أبدا في رحى مجموعة من المتناقضات المخيفة التي تجمع الطغاة والديمقراطيون على طاولة واحدة ، إلى جانب وأد المجتمع السوري المدني والمؤسساتي والحراك السياسي الحرّ أمام انظار العالم المتحرر. إضافة إلى غموض موقف  دعاة الحريات والديمقراطية من انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
في ظل هذه المعمعة والضجّة السياسية يبقى الشعب السوري وقواه الديمقراطية الوطنية منسيين في زاوية مهجورة، داخل بقعة ضيقة، وأوكسجين نسبي ، لا يتعدى حدود الأمل والحلم في مستقبل أفضل، وحياة سورية أقل قمعا وعنفا وتعذيبا، وأمنيات بسوريا ديمقراطية من المواطنة والعقد الإجتماعي والمساواة والعدالة الإنسانية تحت حماية الدستور والقانون.
•        كاتب سوري ـ واشنطن
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى