صفحات الناسفلورنس غزلان

هل لديكم تفسير؟

null
فلورنس غزلان
ـ اتصلت به أسأله عن أحوال الأهل والديار ،  ثم إن كان بنيته المرور بنا هذا العام لأنه وسيلتنا الحية للتواصل، ضحك ساخراً، ثم أردف لاتعولوا كثيراً على مروري فقد صدر فرمان منع بحقي كما بحق الكثيرين مثلي، ولا ندري إلى متى سيطول أمره!، ــ هذا رجل لاينتمي لأي حزب سياسي ، ولم يسبق له أن خالف خطوط السلطة الحمراء وعلى رأي المثل ( بيمشي الحيط وبيقول يارب الستر)، لكن نظام الوطن لايستر عريه ولا يستر عري فقير، تساءلت باستغراب وألححت لمعرفة السبب وكلي يقين بأنه يخشى حتى خياله، فهل هناك من تقصده فكال له تقريراً أسوداً أضيف لمصنفه الأمني؟! ــ لا أبدا لست الوحيد هذا العام وستسمعين عن كثيرين وعن حالات أشد استغراباً، فقط لايريدونني أن أشرب فنجان قهوة مع أصدقائي القدامى، كان علي أن أعرف أني مراقب في حركاتي وسكناتي ، وعلي أن أصادق من ترضى عنهم الحكومة!…
نعم كان عليه ألا يكون أولا وقبل كل شيء مثقفاً، فالمثقف لايعرف إلا الحكي، وعندما يتحدث لابد وأن تمر أحاديثه بالسياسة وأحوال المعيشة، كأن يشكوا انقطاع الكهرباء اليومي،  وشح المياه  وانتظار تدفقها من الحنفية في الساعة المحددة لحارته  كي يتمكن من تعبئة كل قوارير وطناجر المنزل ، فيعلم الله متى تَمُن حنفية الحكومة عليهم بخيرها العامر من ماء الوطن، ولا يحق له أن يتحدث إلى سجناء رأي سابقين وهم الأخطر على الشعور القومي وعلى هيبة الأمة ومتانة وصلابة عزيمتها في وجه الأطماع الاستعمارية( بخيرات وطننا) ـ إن بقي به خيرات ــ وكيف يتصور أن جهاز الأمن صاحب العين الرقيبة والحريصة على سلامة الوطن والمواطن وصيانته وحفظه ممن يريدونه أن يتحدث في السياسة وشؤون الاقتصاد ، وهل هذا من اختصاص المواطن؟ هل هذا شأنه؟ إذن لماذا وجدت الحكومات؟!، إن لم تسهر على رعايته والخوف عليه ممن يعبثون بعقله ويتحدثون بالكهرباء والماء والفساد والنهب، هناك قانون وأجهزة حريصة جدا على تطبيق القانون…بحق من تسول له نفسه خرق قانون حماية المستهلك من لسانه كي لايستهلك هواء كثيراً وأوكسجينا ملوثاً بالسياسةــ أن يكون ملوثاً بكل أنواع الفيروسات والجراثيم، لايهم إن انتشرت الكوليرا وانفلونزا الطيور والخنازير …إنه أمر طبيعي ــ أما تحويله لتقصير حكومي أو فساد إداري ، أو عجز مالي أو أو ..هنا يخرق خطوط القانون الحمراء وعليه أن يتأدب وتأديبه بمعاقبته، وليحمد ربه أنه لم يُزج به في السجن وتكتفي الحكومة وأمنها الساهر بمنعه من المغادرة حتى لايطول لسانه أكثر هناك في عالم الكفر،  وتُجَنبه الإدارة الأمنية الإساءة  للوطن وتبعده عن جرم ” نشر أنباء كاذبة بحقه”…إذن في النهاية المنع حسب ماتراه الحكومة هو لصالحه، هل أنتم معي في التفسير؟
ــ سافر العام الماضي زار أصهاره وولده في بلاد الغربة، لم يعترضه أحد ، يفوق السبعين ، ذهب للجوازت وجدد وثيقة سفره، لم يقال له أن منعاً ما بحقه أو قرارا ما صدر من هذه الجهة الأمنية أو تلك، ابتاع بطاقة سفره للجهة المقصودة وحصل على فيزا البلد..في المطار فقط طُلبوا إليه العودة من حيث أتى، فلا يحق له المغادرة، إنه ممنوع!
وقف الرجل العجوز حائراً، لكن حيرته والأسئلة العالقة في حلقه لم تدم طويلاً، فهو سوري ابن سوري، ويعرف ماذا يعني أن تنتمي لسورية اليوم…فأنت محكوم بالمنع ومهدد بالسجن والقمع وكم الفاه دوماً وأبداً، تلتفت كلما مشيت يمنة ويسرة مطأطأ الرأس مكفهر السحنة تعلو قسماتك كل هموم الأرض،  لكنك تبتسم ومجبر على الابتسام والحمد والشكر نيالك لأنك سوري ابن سوري نيالك كنت تقولها زمان بفخر لكنك تقولها اليوم بقهر..
ـــ هو لم يستغرب ولم يصاب بالعجب ، لكن ابنه وابنته الناعمين بعيشة الغرب وهناء وعذوبة الحرية، انتظروه في اليوم المحدد فلم يحضر، هاتفهم ليقول لاتنتظروا قدومي، ووكلوها على الله…لكن لماذا؟ ماذا فعلت؟ نعم كان سؤالهم ماذا فعلت، وليس لماذا فعلوابك هكذا؟ الجواب والله لم أفعل شيئاً، لكنه يبدو لي وحسبما سمعت من كثيرين هذا العام أن المنع سيطال كل من يصادق مثقفاً أو سجيناً سابقاً أو كاتباً، وكل من ينتمي لأسرة من أسرهم، أو من يقرأ كثيرا أو من يتجرأ ويكثر من مصادقة  مثقفين والدردشة معهم حول فنجان من القهوة…أقسم لكم يا أولادي أني رجل عجوز لم يمارس السياسة ولا ينتمي لحزب ، لكني ربما أتجرأ في لقائي بأصدقائي كما نتجرأ جميعنا عن الحديث في هموم الناس، همومنا اليومية والمعاشية، هذا كل مافي الأمر، وثقوا أن جميع من ألتقيهم وأعرفهم ممنوعون من المغادرة مثلي ..هذا هو الجديد في حياتنا، ألا تريدون التجديد وأن تسمعوا بالجديد؟…هذا هو التجديد في حياة المواطن السوري…
ــ المحامي مهند الحسني، ناشط حقوقي يدافع عن حقوق الانسان السوري ويرأس المنظمة السورية لحقوق الإنسان” سواسية”  يعرف تمام المعرفة، أنه في بلد لايحكمه قانون حتى لو قالوا وزعموا أنهم يطبقون القانون، لكنه اعتقد أنه بمأمن كونه لم يخرق حتى قانون الخطوط الحمر، وبحكم مهنته وضميره الحقوقي اندفع بحماس لحضور المحاكمات التي تتم في المحكمة العسكرية لأمن الدولة ــ علماً أنها محكمة علنية ــ تجرأ وحضر ودَّوَن مجريات المحاكمات، مُزقت ملاحظاته بأمر من رئيس المحكمة ــ المولودة طبعاً مع ولادة قانون الطواريء والتي لم تشيب أو تعزل  ــ استدعي للمرة الأخيرة،  فقبلها  العديد من الاستدعاءات التي اتخذت طابع التذكير والتهديد، لكنها هذه المرة  كانت تعني السجن، وزُج به في سجن دمشق المركزي ” عدرا” ليلتحق بسجناء الرأي وإعلان دمشق وبزميله في المهنة والنشاط ” أنور البني” وباعتباره من نفس طينة المتهمين ب” إضعاف الشعور القومي ووهن عزيمة الأمة، ناهيك عن نشر أنباء كاذبة” كلها جاهزة ومعدة.
لم نصاب بالدهشة  ولا نبحث عن تفسير،” فالمعنى بقلب الشاعر” ــ كما يقول المثل ــ لكن الأغرب على مسامعكم والأعجب، الذي لايقبله عقل ولا منطق ولا تعرفه أصول وقوانين، هو موقف نقابة المحامين السوريين واتحادها العظيم، فقد أوجدت النقابات عبر التاريخ العالمي من أجل الدفاع عن أعضاء النقابة والانتصار لحقوقهم وسحبها من فم الذئب كما يقال، إلا عندنا…إلا في بلدنا “الممانع الثوري المقاوم”، فالنقابة تمثل السلطة والمدعومين منها سواء كانوا أرباب عمل ، أو أصحاب نفوذ، لهذا لم يكفِ محمد الحسني التهم الأمنية ، بل زادت عليها نقابة المحامين وقامت بمحاكمته مسلكياً! باعتباره  مسيئاً للمهنة ” ناشرا لأنباء كاذبة تسيء لسمعة الوطن”!، وبدلا من الدفاع عنه واختيار أفضل محاميها لنصرته، حركت النقابة في فرعها الدمشقي ” دعوى جزائية ” ضده بعد اعتقاله مباشرة من قبل فرع أمن الدولةشهير السمعة والصيت،  باعتباره ينشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة وينتمي لجمعية سرية!
ويقصد بها منظمة سواسية!…هل لديكم تفسير لآخر صرعة من صرعات النقابات السورية؟
ــ علي فرزات، ومن منكم لايعرف رسام الكاريكاتير الشهير ويعتبر من أعظم رسامي الكاريكاتير في العالم العربي ، لاتنشر له أي صحيفة من صحف وطنه السوري، لاكونها لاترغب..بل كونها لاتجرؤ، دور النشر والصحافة  لاتغلق أمامه كونه ينشر في الوطن الكويتية وفي اللوموند الفرنسية …أي خارج حدود وطنه…المهم أن يحرم من ريشته وإبداعه المواطن السوري…لماذا؟ فسروا …
ــ هذا الصيف فقط منعت عدة أعداد من صحف عربية تدخل سورية ويعتبرها النظام من الصحف الموالية والمقربة له،  فقد منع العدد ” 11382 ” من صحيفة السفيرالصادر في 29 ــ 8 ــ 2009 والعددين 907 و 908 من صحيفة الأخبار  اللبنانية كذلك بالاضافة ل26 عدد من الصحيفة السورية الأسبوعية جريدة الخبر من أصل 67 عدد..هذا بقرار من وزارة الإعلام السورية وحسب بيان صادر عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والمنشور في موقع ( المرصد السوري )…
وحسب البيان وعلى مايبدو أن هذه الصحف تسيء لسمعة سورية في الداخل والخارج، وهي من يوهن نفسية المواطن ويضعف شعوره القومي والوطني، وهذه الصحف وكتابها يستبيحون حقوق المواطن السوري بالمعرفة وحرية التعبير عن الرأي التي كفلها القانون السوري!!!!
هذه صور تجديدية في سورية اليوم باعتبار أن انفتاحاً عالمياً يأتيها من الجهات الأربع أمريكا ، فرنسا وكافة الدول الأوربية
فالانفتاح الخارجي يقابله تشديد قبضة اليد داخلياً، لماذا ومم يخاف النظام؟ المعارضة السورية الموجودة لا تستطيع أن تحشد لمظاهرة، كل الخيوط الحساسة يمسكها النظام بيد من حديد، إذن ماذا يعني الخنق والتضييق على الحريات والحرمان من التنفس؟ ماذا يعني تكبيل المواطن رغم ضيق عيشه وعسر لقمته ، رغم انحدار النسبة الكبرى من الشعب إلى مادون الخط العالمي للفقر…لكن المزيد يتضخم، المزيد قادم ومتمركز….
مزيد من الخنق ، مزيد من الجوع، مزيد من المرض ، مزيد من السجون، مزيد من المنع…مزيد من الانفجار السكاني ، مزيد من قوانين الماضي، مزيد من الكذب والدجل، مزيد من النفاق والتدليس، مزيد من الرياء والكسب غير المشروع، مزيد من ثروات تهطل على رؤوس البعض فيرتفعون، يقابله مزيد  من الإفقار والإذلال وهدر الكرامة…،  وقليل.. قليل من قوانين العصر والحضارة،  قليل من الحرية ، قليل من الحب،  قليل من العقل ..قليل من المنطق …قليل من الغذاء،  وشح في الماء،  شح في كل مايرفد الحياة يغذيها ويطورها ويحسنها، شح في المردود ، شح في المكتسب والمفيد،شح في الحق والوصول إليه، شح في الحقيقة والاعتراف بها ومواجهتها عند الفرد كما عند الجماعة، نضوب مابعده نضوب في الوعي…في الثقافة، في العقل ، في الاستعداد للتصويب والقول الصائب، نضوب في الصدق،  نضوب في المحبة…نضوب في الجرأة العامة ..قصور في السياسة ، قصور في بعد النظر،  قصور في النور في كل أنواع النور…تسود العتمة..تعم وتنتشر ولا يقف في طريقها الكثير من الشموع، لأن ريح الخوف مستعدة على الدوام للاقلاع والإطفاء  وعليكم أن تفرحوا  وأن تفهموا قصدي وشرحي،  فأنا سورية من جدي حتى أبي وأحلم بالعيش في سورية الوطن الذي أعرف وأحلم لا سورية الأسد .
باريس 01. 09 . 2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى