صفحات سورية

زيارة الأسد إلى باريس.. هل تذيب الجليد في العلاقة السورية ـــ الأوروبية

null
توفيق المديني
تشكل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس، والمحادثات التي سيجريها مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي في 12 يوليو الجاري، عشية القمة التي ستنطلق (الاتحاد من أجل المتوسط)، والتي تعتبر من أهم المشاريع الطموحة في السياسة الخارجية للرئيس ساركوزي.. تشكل هذه الزيارة منعطفاً سياسياً وتاريخياً مهماً، لأنها تكسر سنوات القطيعة التي طبعت العلاقات الفرنسية- السورية خلال السنوات الماضية، ولاسيما أنها تطوي صفحة سياسة الرئيس السابق جاك شيراك الذي اصطف على أرضية الخط السياسي الأميركي في مجلس الأمن منذ صدور القرار 1559 في أغسطس 2004، الذي أسهم في تشديد الخناق على سورية وعزلها دوليا.
ترميم العلاقات
ويتساءل المحللون الفرنسيون، لماذا هذا الإصرار القوي من قبل الرئيس ساركوزي على الانفتاح على سورية؟
الانفتاح الفرنسي على سورية يأتي بعد سنوات من محاولات إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تهميش هذا البلد المهم في الشـــــرق الأوســط، ولاســــــيما بعــــــد أحداث 11 سبتمبر، والغزو الأميركي للعراق في سنة 2003، وإصرار الرئيس بشار الأسد على تبني السياسة عينها التي انتهجها والده والقائمة على المبادئ التالية: رفض شرعية الوجود الإسرائيلي، التشكيك في نيات إسرائيل السلمية، ما لم تنسحب من هضبة الجولان المحتلة، الاعتراف بالتفوق العسكري للجيش الإسرائيلي مع الإيمان بقدرة المقاومة على إلحاق الأذى به عبر النضال المسلح الذي تخوضه فصائل المقاومة الفلسطينية، وحزب الله. ومنذ سبع سنوات والسياسة الأميركية تجاه سورية تنتقل من إخفاق إلى آخر.
من وجهة نظر الرئيس ساركوزي يمكن لسياسة الحوار المباشر مع سورية أن تحقق نتائج عجزت الضغوطات الأميركية عن تحقيقها. ولهذا السبب، فإن زيارة الأسد لباريس هي دعوة صريحة لإعادة ترميم العلاقات الفرنسية- السورية، وإعادة بنائها من جديد، أولا، وهي رسالة إلى واشنطن أيضا مفادها أن باريس ترى أن المصالح الأميركية- الفرنسية، متشابكة وإن تكن متنافسة في بعض الميادين، إذ تريد فرنسا في لبنان تحديدا، دورا يعزز موقعها ودورها فيه كشريك مع الدور الأميركي من دون التصادم معه، ثانيا.
سياسة الانفتاح هذه لا تطمس الخلافات الفرنسية- السورية المعروفة. في الملف الفلسطيني، فرنسا تساند الرئيس محمود عباس، في الوقت الذي تساند فيه دمشق حركة حماس، سورية تقيم تحالفا استراتيجيا مع إيران في الشرق الأوسط الذي شهد أفضل ترجمة له في لبنان، بينما نجد باريس و لندن وبرلين وواشنطن يمارسون الضغوطات المستمرة على إيران الساعية إلى امتلاك السلاح النووي الذي يعتبره ساركوزي «أمرا غير مقبول»، وهذا ما جعله يشدد على «تصميم فرنسا الكامل ضمن السياق الحالي الذي يجمع بين العقوبات المتزايدة، إنّما أيضاً الانفتاح في حال قرّرت إيران احترام التزاماتها. هذا السياق هو الوحيد القادر على السماح بتفادي بدائل مُفجعة: القنبلة الإيرانيّة، أو قصف إيران».
مرونة سورية وتجاوب فرنسي
وعلى الرغم من هذه الخلافات غير السهلة ، فإن الرئيس الفرنسي ساركوزي يلمس نوعا من المرونة، وبعض«الإشارات الإيجابية» في المواقف السورية. ومن المعلوم أن هناك لازمتين في السياسة الفرنسية بقيتا تتردان في الخطاب الدبلوماسي الفرنسي، منذ تدهور العلاقات مع سورية: الأولى هي «الإشارات الإيجابية» والثانية، هي «الحكم على الأفعال». ومن الأجوبة، أو التبريرات التي قفزت إلى ألسنة المسؤولين الفرنسيين في رؤيتهم للتطورات الإيجابية في السياسة السورية هي :
أولا: في العراق تخفيف الضغط الأميركي والدولي على سورية بعد تأكد المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعالم من تعاون سورية في مكافحة الإرهاب، وأن المشكلة الأساس في هذا البلد هي مع الشعب العراقي الذي بات يرفض الاحتلال، ومع إيران التي تستطيع وبتفاهم مع واشنطن أن تمكّن القوات الأميركية من القضاء على تنظيم القاعدة.
ثانيا: التطور الإيجابي الثاني، ويتمثل في بداية المفاوضات الرسمية، ولكن غير المباشرة بين «إسرائيل» وسورية برعاية تركية، وإعلان سورية عزمها الاستمرار فيها، وتحويلها إلى مفاوضات رسمية مباشرة. علما أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تضغط على إسرائيل طيلة السنوات الماضية لمنعها من التجاوب مع دعوات سورية للتفاوض، مخافة أن تستغلها دمشق لفك عزلتها الدولية.
ثالثا: حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان، ولاسيما أن الرئيس الفرنسي حين قطع الاتصالات السياسية مع دمشق في 27 ديسمبر الماضي، ربط ذلك بموضوع انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان. وإضافة إلى هذا التطور الإيجابي، هناك معطيات معينة لدى الفرنسيين تفيد أن الرئيس الأسد نزع الملف اللبناني من أيدي المخابرات وتسلمه هو شخصيا، ويرى ساركوزي تشجيعه على ذلك.
خلال أيام قلائل تستضيف باريس في 13 من الشهر الجاري، القمة الأوروبية- المتوسطية التي ستشهد إطلاق مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط»، الذي يبحث في إقامة منطقة تجارة حرة أوروبية – متوسطية، وفي الخطوات التي تهدف إلى تعزيز الدمج الاقتصادي قبل سنة 2010. وتعتبر باريس أن حضور الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الاتحاد من أجل المتوسط مسألة في غاية من الأهمية، إذ أدلى مصدر في قصر الإليزيه قبل أيام عدة جاء فيه : كنا سندعو الأسد، إلى القمة حتى من دون المساهمة السورية في انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، لأن الجغرافيا، التي لايمكن تجاوزها تضع سورية في قلب المتوسط، كما أن الرئيس ساركوزي يبدأ علاقات مع دمشق من نقطة الصفر، ولم يرث أوزار، ولا خلافات سلفه شيراك مع دمشق، ما يسهل عملية التطبيع السياسي، ويحررها من أثقال الماضي.
إنهاض الشراكة
لقد اراد الرئيس ساركوزي أن يكون الاتحاد من أجل المتوسط بديلاً عن الشراكة المتوسطية التي تأسست في برشلونة في 28 سبتمير 1995، إذ تحول الاتحاد إلى محطة لإنهاض الشراكة، وتحريك مفاصلها التي أصابها التكلس والجمود. وقال آلان لوروا، الدبلوماسي الفرنسي الذي كُلّف بمتابعة تنفيذ مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط»: «إن الأهداف التي نشأ الاتحاد من أجلها لا تزال قائمة»، ثم استطرد قائلاً: «إن الاتحاد قادر على الاضطلاع بدور مهم في التعجيل بالسلام في الشرق الأوسط، وأنه سوف يحقق إنجازاً كبيراً إذا ما تم لقاء مباشر وثنائي بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود اولمرت في أثناء اشتراكهما في المؤتمر التأسيسي للاتحاد».
أما على الجانب السوري ، فإن الرئيس بشار الأسد يرفض الجلوس والحديث مع الإسرائيليين في قمة الاتحاد، في ظل عدم حل القضية الفلسطينية عبر إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، وعدم نضج المفاوضات السورية- الإسرائيلية. فلا تزال سورية ترفض أن يتحول مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» إلى مدخل للتطبيع المجاني بين الدول العربية وإسرائيل، وهي ترى أن هذا المشروع يتطلب تحقيق التوازن في المصالح بين ضفتي المتوسط، إضافة إلى تحقيق السلام العادل وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعية مدريد، و مبدأ الأرض مقابل السلام.
وينظر الرئيس بشار الأسد إلى العلاقات بين فرنسا وسورية من منظور مختلف، إذ إنه يريد الانتقال بهذه العلاقات من مرحلة التوتر إلى مرحلة التفاهم والتطبيع الكامل والتعاون وتبادل المصالح، ولاسيما بعدما أسهم جديا وفعليا في حلحلة الأزمة اللبنانية، بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، وهي الخطوة التي تسهل الانفتاح الفرنسي على سورية، وتضع حدّا للتحفظات السورية عن الحكم في لبنان، واستعداده لإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع لبنان، لكي يخرج بذلك المسألة اللبنانية من إطار العلاقات الفرنسية- السورية، وبالتالي يتجاوز تاريخيا صدمة تشكل الدولتين السورية واللبنانية في عهد الانتداب الفرنسي.
فتش عن المحكمة الدولية
وتراهن سورية على الدور الفرنسي فيما يتعلق بالمحكمة الدولية التي تبدي دمشق حساسية خاصة تجاهها، وهي تريد الحصول من باريس على تعهدات قطعية بعدم تسييسها، أو استخدامها وسيلة ضغط بهدف زعزعة الحكم.
ويعتقد الرئيس بشار الأسد أن لفرنسا دورا مهما يمكن أن تلعبه في المحادثات السورية- الإسرائيلية، ولاسيما بحكم علاقات الصداقة القوية التي تربط الرئيس ساركوزي بكل من أميركا وإسرائيل. والرئيس الأسد على قناعة تامة بأنه لا يمكن أن تحقيق السلام مع إسرائيل من دون تدخل الولايات المتحدة الأميركية. وقد توصل إلى اقتناع بعد أشهر من الاتصالات والمفاوضات المباشرة عبر الوسيط التركي بأنه ليس قادرا على إحراز أي تقدم سلمي كبير وملموس من دون أن يتولى المسؤولون الأميركيون أنفسهم احتضان هذه المفاوضات ورعايتها والمشاركة بفعالية فيها وفي كل مراحلها. ولا تزال إدارة الرئيس بوش ترفض احتضان هذه المفاوضات.
وعلى الرغم من دور تركيا كوسيط، فإن هذه المفاوضات لم تحدث أي اختراق حقيقي أو تقدم جدي، فلم تحصل سورية من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت على تعهدات والتزامات واضحة ومحددة تطمئن الرئيس الأسد أن المفاوضات ستقود إلى استعادة الجولان بالكامل، في مقابل ثمن سياسي وأمني مقبول. كما أن أولمرت لم يحصل على أي تعهدات أو ضمانات سورية بتأمين المطالب السورية الأساسية الأمنية والحيوية المتعددة، بدءا بفك التحالف مع إيران وانتهاء بإيقاف الدعم لحزب الله، وإغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية في دمشق وإخراجها من سورية، والتي من دونها لن يتخلى الإسرائيليون عن الجولان.
الرهان السوري على دور الر ئيس الفرنسي الذي جسّد القطيعة مع السياسة الخارجية لسلفه شيراك، ومع ورثة السياسة الديغولية التقليدية، وينتهج سياسة خارجية تقوم على مبدأين : الانتماء إلى الغرب، والإقرار بالتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، لا بد أن ينتظر، لكي ينضج رهانه، استلام الرئيس الجديد مهامه في البيت الأبيض مع مطلع السنة المقبلة.

كاتب من تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى