صفحات سورية

خسارة الإخوان السوريين

null
ثائر الناشف
عندما علق “الإخوان المسلمين” في سورية نشاطهم المعارض للنظام السوري تعاطفاً مع غزة ، ردوا على مواقف المختلفين معهم بالقول : إن الإخوان لا يسكرون من زبيبة ، أي أنهم ليسوا مغفلين ، وأنهم مَن اجتمعت “الأمة” على اعتدالهم ومَن يريد أن يتحدث معهم عليه أن يتوضأ قبل أن ينبس ببنت شفة ، لأنهم “الأنقى”
و”الأرقى” و”الأتقى”.
إلى الآن لم يقتنع الرأي العام بطبيعة بيانهم التضامني مع غزة ، التي ومن دون مزايدة ، الكل تضامن معها بلا استثناء ، بمن فيهم نشطاء السلام الإسرائيليين ، فالكثير من المراقبين والمحللين اعتبروا أن بيانهم ، ما هو إلا البداية الأولى نحو تحقيق خطوتين متزامنتين في أن معاً .
الخطوة الأولى تمثلت في خروجهم من جبهة الخلاص الوطني ، سعياً من النظام السوري إلى إضعاف قوى المعارضة التي استطاعت رغم ظروفها القاهرة ، أن تثبت نفسها في الخريطة السياسية الداخلية والخارجية بعدة وسائل ، لا يتسع بنا المجال لذكرها ، وأما الخطوة الثانية وقد تكشفت خيوطها مؤخراً كما توقع بعض المراقبين للشأن السوري ، رغم النفي الإخواني لها منذ لحظة انطلاقها ، ونشير هنا إلى الوساطة التي كثرت التكهنات حول الجهة الراعية لها ، فمرة قطر ، وتارة تركيا ، وبينهما إيران ، وبين هذا وذاك ، يعود الإخوان للتذكير ببيانهم الذي لا ينفصل جملة وتفصيلاً عن بيان التنظيم العالمي ” للإخوان المسلمين” ، الذي اصطف ولا زال خلف خطوط محور “الممانعة” والتعطيل الإقليمي ، محور دمشق – طهران ومستحقاته الإقليمية ، من حيث يدرون أو لا يدرون .
والسؤال الآن ، ماذا تحقق ” للإخوان” من هاتين الخطوتين ؟ الواقع لم يتحقق منهما أي شيء سوى ما تردد إلى أسماعنا ، أن وزير أوقاف النظام السوري ، رد على وساطة الجار التركي ، بأن نظامه لا يتصالح مع حركة إرهابية وتكفيرية ، ويقصد بذلك “الإخوان السوريين” ، وبناء على هذا الرد المدوي ، ما هو موقف الإخوان الآن ، وعلى أي خريطة سيحطون رحالهم ، هل يعودون أدراجهم إلى صفوف المعارضة السورية ، أم أنهم سيبقون على تضامنهم مع غزة؟ والأهم لنا أن نسأل ، ألم يستفيدوا من تجارب الوساطات السابقة ، وما آلت إليه حينها طواحين الهواء مع النظام ؟.
قبل عدة أشهر من كتابة هذه السطور ، شرعنا بالتعليق الصحافي على موضوع البيان ، فاتُهِمنا حينها بأننا غير موضوعيين ومنحازين لطرف من المعارضة على حساب طرف آخر ، ووصل الأمر إلى حد التحقير، وقد نتهم الآن بالشماتة ، لكن تحليل الوقائع شيء والتخمين شيء آخر ، فالتحليل في أساسه عقلاني ، والتخمين مثيولوجي ، وبالاستناد إلى التحليل ، لا يمكننا سوى القول ، إن النظام السوري نجح ومنذ اللحظة التي رحب فيها وزير خارجيته وليد المعلم على شاشة الجزيرة بانسحاب “الإخوان” من ساحة العمل المعارض ، في ابتزازهم واستدراجهم عبر عروض الوساطة إلى منتصف الطريق وتركهم لوحدهم وسط الساحة السياسية ، فلا هم قادرون على العودة إلى سورية ؛ لاستحالة الوساطة مع النظام ، ولا هم عائدون إلى المعارضة بعدما تركوها في ليلة ظلماء ، ظناً وتخميناً أن الطريق إلى سورية يمر عبر بوابة غزة .
في هذا المقام ، لا يستطيع أحد أن يزايد على معارضة “الإخوان السوريين” للنظام ، بغض النظر عن وسائل وأدوات معارضتهم القديمة والجديدة ، لكن مَن يريد القفز من شجرة إلى أخرى ومن بناء إلى آخر ، عليه أن ينظر أولاً إلى ما دونه ، حتى إذا ما سقط أن يكون سقوطه رحيماً .
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى