الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

تركيا سورية: شراكة, أم مظلة حماية ..؟

طالب كامل إبراهيم
لقد سبق التوقيع على الاتفاقيات بين تركيا وسورية, توقيعها مع العراق, وثمة لقاء تاريخي مع أرمينيا لم يثر أذربيجان حتى الآن.
ترى لماذا العراق وسورية؟ وأرمينيا؟
ماذا تستفيد تركيا ..؟
ماذا عن العلاقة المتوترة مع إسرائيل؟أين أوروبا من مسار هذه الحالة,وأين إيران؟؟
هل تغير السياسة الخارجية التركية كان بسبب مجيء أوغلو أم أن أوغلو نفسه تكثيف للرؤية الاستراتيجية التركية لحزب العدالة والتنمية؟؟
نقلا عن اردوغان” إن تركيا تسعى لإقامة علاقات تعاون وشراكة مع العراق تكون نموذجاً يحتذى به في الشرق الأوسط”, كذلك الأمر مع سورية لكن التعليق جاء من مسؤول آخر ومنبر آخر.
إن الاقتصاد التركي واحداً من أقوى 16 اقتصاد في العالم والسادس على المستوى الأوروبي ويقدر الناتج القومي الإجمالي عام 2008 حوالي 800 مليون دولار بمعدل نمو بلغ6,8 % عن بداية الألفية الثالثة .
وقد قفز معدل دخل الفرد بين عامي 2003 و 2008 من 3300 ـ 10000 دولار . وزادت الصادرات التركية من 30 مليار إلى 130 مليار دولار في ذات الفترة.
لقد حصلت تطورات اقتصادية وسياسية خلال فترتين هامتين في تاريخ تركيا الحديث. الأولى بعد انتخابات عام 1965 والتي فاز بها حزب العدالة بقيادة سليمان ديميريل والتي شهدت خلالها ظهور أول حزب إسلامي على الساحة التركية منذ تأسيس الجمهورية. والثانية فترة حكم توركوت أوزال الممتدة من 1983 ـ 1993 وشهدت فيها تركيا إصلاحات اقتصادية جذرية وانفتاحاً أكبر على العالم, نعمت فيها الأوساط الإسلامية بحرية واسعة نسبياً.
تسارعت في السنوات القليلة الماضية, وتيرة الحراك الدبلوماسي التركي في الشرق الأوسط وفي بلدان القوقاز, وهذا ما فتح الطريق أمام ” تركيا الجديدة ” ” قوة اقتصادية ودبلوماسية متحررة من قيود علاقات وحساسيات إقليمية ودولية سابقة” لتكون دولة محورية في المنطقة مدفوعة بتطور اقتصادي غربي المقاييس,وشلل السلطة العسكرية علمانية النزعة وشرقية المفاهيم,وإضفاء صبغة إسلامية راجحة على الهوية التركية,بعد سلسلة هزائم ناعمة للتيار القومي المدعوم عسكرياً, كان أطراها على الإطلاق دخول السيدة الأولى إلى القصر الجمهوري “بحجاب إسلاميّ”.
لقد استخدمت الدبلوماسية التركية آليات” القوة اللينة “للدخول إلى محيطها الإقليمي بدون أن تثير حساسيات القوى الدولية أو الإقليمية, عبر البناء مستفيدة من التوازنات والوضع الإقليمي والدولي, ودون تحريك أي استقطاب آخر أو إثارته.
معتمدة على تصغير المشاكل مع دول الجوار الجغرافي, والانتقال بالعلاقات من الحساسيات إلى المصالح, لتكون تركيا في النهاية دولة مركزية محورية, بعد عقود طويلة من الطرفية.
لقد وضع الثنائي أوغلو ـ أردوغان نموذجاً متكاملاً للسياسة التركية الداخلية يتمفصل حول تعزيز الحريات في الداخل التركي ومواجهة الأخطار الأمنية, يأتي في نفس السياق المحاولة الجادة لتنمية المناطق النائية ذات الأغلبية الكردية,ومعالجة هذه القضية المتفجرة, بالعقاقير الإسلامية, التي تعترف للأكراد ببعض حقوقهم الثقافية واللغوية, ومواجهة الفصائل المسلحة ذات الطابع الإثني ” حزب العمال الكردستاني”, ولقد حقق أردوغان شرعية إقليمية في حربه ضدهم بعد أن كانت دول الإقليم تستنزف تركيا عبرهم.
أما على صعيد السياسة الخارجية فقد استفاد الثنائي من تاريخ تركيا الإسلامي, وعدم تورطها مباشرة بمشاكل المنطقة ,والبقاء في تماس مباشر مع الحياد الإيجابي, ولتثبيت عمقها الإسلامي جاءت مواقف علنية وتكتيكية ودراماتيكية من أردوغان انسجمت مع طروحات أوغلو سببت جفاءً مع الجانب الإسرائيلي, وصفاءً مع الجانبين العربي والإسلامي, ” قمة دافوس ـ حرب غزة ـ إلغاء المناورات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي “.
ثمة خشية إيرانية من أي تعاون سوري أمريكي, أو تقارب سوري إسرائيلي, أو حتى سوري تركي, نظراً للتنافس الحاد بين أنقره وطهران, هذا التنافس والذي قد يتحول إلى تصادم في حال قررت تركيا الانضمام إلى الدول النووية, أو إذا شعرت إيران بخطر ما على امتداداتها الإقليمية, أو تغيّر التوازن القائم بدخول تركيا الجديدة بقوتها اللينة مناطق إيران الجيوسياسية.
إن سورية تمتلك بنية اقتصادية اجتماعية ثقافية أمنية خاصة هي انعكاس لخصوصية النظام الشمولي الحاكم, وما يفرضه من وصاية على كل شيء بما في ذلك الأفكار والأخلاق والسلوكيات.
أن نقول : شراكة سورية تركية . نحن أمام مصطلح فضفاض مسكون حقيقة برغبة في التلاقي يعكره تنافر بنيتين داخليتين لدولتين متجاورتين, إحداها دولة علمانية مدنية, واضحة الاتجاه,
بإدارة دينية معتدلة حتى الآن, والأخرى دولة علمانية في الشكل, طائفية بالمضمون,قلقة الميول والتوجهات. والأكثر من ذلك تداخل مصالح جزئي سبب جزئيته وجود مصلحة للنظام السوري بالدخول إلى مربع أحد الأقوياء .
وليس غريباً إذا قلنا إن كان ثمة أكثر من مربع وأكثر من خيار, فسيختار المربع الذي يضمن فيه شروط عمل واستمرار له, ويقلل حجم التنازلات المطروحة على الصعيدين السياسي والاقتصادي, وقد يكون ذلك أحد أسباب تأجيل توقيع اتفاق الشراكة مع أوروبا لحين تثبيت مظلة الحماية التركية اقتصادياًً والقليل القليل منها سياسياً, لاسيما ما يتعلق بالوضع الداخلي السوري, ومنحى انفتاح النظام عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى