صفحات أخرىلافا خالد

جسد أنثى في سجن رجل آخر

لافا خالد
تجرأت الدراما السورية وبشكل ملحوظ خاصة في دورتها الرمضانية للعام 2009 بطرح أدق القضايا حساسية وخصوصية بين مختلف تكوينات المجتمع السوري، في مسلسل شتاء ساخن الذي يروي تفاصيل ساخنة لمهمشين يعيشون خلف الكواليس دون أن يتحسس أحدا أوجاعهم أو يلتفت أحدا ما لمحاولة دمجهم في المجتمع كما فئة المخنثين،
نجح هذا المسلسل بتغيير مجرى شخص ما في محافظة الحسكة لطالما تجرع المعاناة ووجد نفسه فتاة مسجونة في جسد رجل دون أن يتحسس أحد آلامه وآماله، تصرخ شادية لتقول لهم أنني أنثى فيتهمها الجميع بأنه شاب ” نسونجي تافه ” كما هذا الجيل الذي يعيش بلاهوية، الشاب شادي الذي تجرأ ولأول مرة بعد تسعة عشرة عاما أن يصرخ في وجه ذويه أنني لست شاذا .. أنا لست شادي ..أنا شادية!
تفاصيل رحلة الألم مع شادية

شادي الذي يعاني نظرات المارة ويعاني اهانات من حوله في البيت والمدرسة والشارع على أنه شاب سخيف سطحي يوشم حواجبه كما النساء ويرتدي الجينز الضيق والمزركش كما الفتيات، لم يع كثيرون أن شادي الذي يسعى أن يصبح شادية كما فعلت سامية في مسلسل شتاء ساخن حينما افصحت عن مشكلتها وتحولت لسامي، لم يطرح مؤلف القصة هذه الشخصية وكأن الحالة حشو في المسلسل، بل تكاد تكون قصة سامية الأكثر حيوية وجرأة وملامسة لفئة مهمة ومهمشة في مجتمعنا.
في مشكلة شادي حيث تتمنى من الجميع أن يناديها شادية مع يقينها بعمق ما ستعيشه من معاناة مضاعفة حينما تتحول لأنثى في مجتمع لطالما كانت الأنثى هي المهمشة والضحية، شادية تشعر تماما بأنوثتها مع أنها مخبأة رغما في جسد شادي الذي يعيش الصراع نتيجة الإضطرابات الهرمونية في جسده،فهو غير محسوب على عالم الرجال ولا إلى عالم الأنوثة ولكن بعملية جراحية يمكن تصحيح الحالة وليس التحويل الجنسي، كنت أعلم بتفاصيل مشكلتها منذ سنتين حاولت إقناعها بأن نروي تفاصيل معاناتها لكنها رفضت في حينها، هذه المرة حينما هاتفتني وطلبت الحديث للعلن عن مشكلتها وحينما علمت أنها استمدت قوتها من شخصية سامي في مسلسل شتاء ساخن تمنيت أن يكون لمعظم الأعمال الدرامية التي تتطرق لقضايا المهمشين نفس الصدى وتساهم في تغيير الكثير من المظاهر المشوهة التي تتحكم بنا بالرغم من عدم قناعتنا بها
حقيقة من هم على شاكلة شادية أو سامي ليسوا بشواذ، هم فئة ليست بقليلة تعيش الألم بيننا هم تائهون في أجسادهم، يعيشون الخوف والتوتر والمستقبل المجهول في مجتمع لا يرحم أحدا، وكلنا يتحمل المسؤولية لأن هكذا حالات بحاجة لمتابعة صحية منذ اللحظات الأولى للمشكلة وهذه مسؤولية الوالدين معا الذين يتركون للأزمة أن تتفاقم حتى يصل الحال بالكثيرين منهم بأن يعيشوا الضياع المطلق والإنحراف التام في محيطهم حيث يتيهون في اتخاذ القرارات ولا يعرفون ماذا يريدون لأنهم ومنذ البداية وجدوا أنفسهم مهمشين.
شادي ولاحقا شادية أكد أن حالته لحين اللحظة بالإمكان معالجتها ويستدل بشهادات طبية وفحوصات كان قد أجراها منذ عشر سنوات حيث المرة الأخيرة حين ذهب لعيادة طبيب برفقة أخيه الذي حمل اوجاعه والتحق بقافلة المهاجرين الى المجهول في اوربا وتركها تحمل أوجاعها بمفردها، تقول شادية أن احدا لم يهتم بعد سفر اخيها بمشكلتها وتصمم على متابعة المعالجة الجسدية والنفسية وفرض نفسها شادية وليس شادي على الجميع كما فعلت سامية وأصبحت سامي وتتمنى أن يفرح أهلي بابنتهم شادية ويكونوا عونا لي تقول : أتمنى أن يسندونني كي أندمج بشكل طبيعي في بيئتي ومكاني الطبيعي ”
حقيقة الأمر هؤلاء الأشخاص هم بشر مثلنا يعيشون بيننا، يعانون اضطرابات في الهويّة الجنسية، يجعل المصاب به يعتقد أنّه من الجنس المعاكس يستمرّ هذا المرض لسنوات طوال، وعلى الأغلب العمر كلّه، مع خطورة تطوّر الاكتئاب والوصول به إلى الانتحار، وهو يبدأ في مرحلة مبكرة قبل البلوغ إذ لا علاقة له بالرغبات الجنسيّة، ويستمر حتى إجراءا لجراحة، فهم مرضى يمكن أن تصحح أوضاعهم بسهولة إذا ما تم تدارك وضعهم بوعي، الحالات كثيرة وإن غابت مؤشرات الأرقام نتيجة غياب الإحصاءات الرسمية ونتيجة التكتم الشديد من قبل الأهالي و أصحاب المشكلة أنفسهم الذين يعيشون حالة الاضطراب الشديد بين أن يتحولوا كليالذكر أو أنثى حقيقة معالجة أوضاع هؤلاء المهمشين أكثر من سهل إذا ما تجاوز الأهل عقدة الخوف من المجتمع،وتقدم العلم بحيث بات من السهل إجراء هكذا عمليات جراحية تحويل فهي تعتمد علي التخلص من أعضاء وتخليق أعضاء أخري
ماتحتاجه هذه الفئة هي ضرورة تقبل الجميع لوضعهم والتغيير الجديد الحاصل في حياتهم، إنهم بشر كما الجميع مشكلتهم إنهم ولدوا وعندهم مشكلة خلقية قابلة للتصحيح فهم ليسوا شواذا‏،‏ بل إنهم ينتمون إلي الجنس الثالث الذي يمتلك فيه الذكر كل مقومات الذكورة ومع ذلك يؤكد أنه امرأة حبيسة في جسد رجل‏،‏ ويصل به الأمر إلي حد كراهيته لنفسه وكثيرة هي الحالات التي أنهت حياتها بالموت ونفس الحالة بالنسبة لفتيات كاملات الأنوثة والإحساس بذلك، ولكنها تعيش حالة مرضية تحتاج لجراحة بسيطة حتى يصحح كل وضعها، إنهم فئة بحاجة للاهتمام ومن ثم إدماجهم الحقيقي في المجتمع أمانة في رقبة الجميع.
في كل الأحوال هي معاناة بكل أوجهها سيما في مجتمعاتنا التي تعيش الجاهلية في العادات والتقاليد التي لا ترحم احدا، حينما تحسست وجعها تيقنت كم هي المسافات الروحية والإنسانية بيننا وبين هؤلاء المهمشين الذين لا يطلبون منا سوى أن نتعامل معهم أنهم أسوياء وليسوا شواذا، ومع أن شادية لاترى بصيص أمل في الوقت الحالي كي تكمل مرحلة علاجها نتيجة الحالة المادية السيئة قبل أي اعتبار لكنها الآن أصبحت أكثر قوة كي تعرض مشكلتها على أنها حالة مرضية وليس شذوذا شاء من شاء أن يقبل بحقيقة وضعها وكثيرين على شاكلتها أو العكس وأبى من أبى أن يدفن رأسه في الرمال ويمضي دونما إحساس بالآخرين.
الثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى