صفحات الحوار

مايكل يونغ “للأفق”:سوريا ضعيفة في لبنان، ولا يبدو أن هناك أولويات أميركية في المنطقة

null
حاوره وديع حمدان
إلتقت “الأفق” مايكل يونغ، الكاتب السياسي والصحافي مدير تحرير صفحة الرأي في جريدة “الدايلي ستار” التي تصدر في بيروت باللغة الإنكليزية. وكان هذا الحوار حول الأوضاع الإقليمية واللبنانية.
كيف تقرأ الوضع الإقليمي اليوم، و برأيك كيف تنظر إدارة الرئيس الأميركي أوباما إلى المنطقة وأين هي أولوياتها ؟
الوضع السياسي في المنطقة شائك جداً وليست هناك أجوبة واضحة للعديد من الأسئلة. هناك أهداف في المنطقة للإدارة الأميركية، ولكن لا يبدو أن هناك ترتيباً للأولويات.
فمن المؤكد أن الإنسحاب من العراق وإحتواء إيران هما من أولويات الرئيس أوباما. لكن كذلك تبدو القضية الفلسطينية والحوار مع سوريا والحرب في أفغانستان.
وإن وضعنا جملة تساؤلات حول ما يجري اليوم، نصل الى مفارقات من نوع: كيف يمكن لأميركا احتواء إيران في الوقت الذي تنسحب فيه من العراق؟ وكيف تفتح حواراً للإحتواء في الوقت الذي تريد أن تضغط عبر هذا الحوار؟ وكيف تصعّد الحرب (وهي على الأرجح خاسرة) في أفغانستان في لحظة إنهائها في العراق؟
وكيف تصل الى حلّ للقضية الفلسطينية في وقت تريد محاورة سوريا وإيران اللتين تريدان استخدام الورقة الفلسطينية من خلال حماس التي ترفض التفاهم مع حركة فتح؟
هناك دخول في علاقات معقدة من غير المفهوم كيف ستستطيع السياسة الخارجية الخروج منها بحلول، وهذا ما يجعلني لا أفهم أين هي الأولوية !
هل معنى ذلك أن موقع أميركا في الحوار الذي تديره مع سوريا وإيران ضعيف؟
يجب ألا نبسّط الإمور بالقول إن الحوار مع سوريا وإيران هو نقطة ضعف أميركية. فالإمور أشد تعقيداً من ذلك.
فبالنسبة لأميركا، يُظهر هذا الحوار تناقضات بين الحلفاء. إذ هناك تنافس بين سوريا وإيران ويخاف كل منهما أن يسبقه الآخر إلى التفاهم مع أميركا.
وعلى سبيل المثال، توصّل السوريون منذ مدة إلى إتفاق مع العراق. ولكن لكونهم مجبرين على تجميع الأوراق في الحوار مع أميركا وبعض العرب، ومن هذه الأوراق توظيف عدم الإستقرار في العراق، فقد سهّلوا (كما قال المسؤولون العراقيون) العمليات التفجيرية الأخيرة في بغداد. وهذا مختلف عمّا تريده أيران في العراق. فإيران تفضّل هناك الإستقرار كونها مسيطرة على الوضع السياسي القائم.
وفي نفس الوقت، يحاول السوريون القول إنهم يملكون أوراقاً فلسطينية ولبنانية. لكن الأميركيين يريدون قبل تطوير الحوار أن يقوم السوريون بالتخلي عن بعض هذه الأوراق أو التجاوب مع الشروط الخاصة بها، وهذا ما لا تستطيعه دمشق لأنها إن تخلّت عن أوراقها فقدت قوّتها في الحوار. ويبدو أن هذا التناقض مستمر، والسوريون يراوحون بين حدّيه.
أميركا بالتالي غير مقتنعة بتطبيع مع سوريا من دون مقابل، ومن هنا قرار تمديد العقوبات على مسؤولين سوريين، من دون التخلي عن الحوار الذي ما زال الاميركيون يريدونه قائماً.
أين أصبح التطبيع السعودي مع سوريا ؟
حصل تقارب سعودي سوري بعد حرب غزة. لكن التعقيدات القديمة ما زالت موجودة، ومن بينها الوضع اللبناني، الذي قد يتمّ مع الوقت التوصّل إلى اتفاق حوله، لكن توقيته ومضمونه غير واضحين بعد.
على أن الملف اللبناني ليس الوحيد بين سوريا والسعودية. فهناك العراق أيضاً، حيث إمكانية التفاهم الضمني موجودة لأن عدم الإستقرار يناسب سوريا والسعودية معاً، كل من زاويته ولإغراض مختلفة: سوريا كما ذكرنا، لتوظيفه ورقة في الحوار مع أميركا والعرب، والسعودية لقطع الطريق على دور إيراني متفاهم مع واشنطن فيه، ومن هنا هي تدعم الأطراف السنية.
وماذا بالنسبة للمصالحة المصرية السورية ؟
لا أرى إمكانية لمصالحة مصرية سورية في المدى القريب. والمشكلة الأساسية بين الطرفين هي الورقة الفلسطينية. مصر ترى أن سوريا وإيران تعطلان دورها الفلسطيني من خلال تشجيع حماس على عدم قبول التفاهم مع فتح .
كما أن مصر غير مرتاحة لعدم مرور المفاوضات في المنطقة عبرها، فقديماً كانت هي الوسيط . والآن لم تعد قادرة على تركيب شيء فلسطينياً، وهي خارج الحوار بين سوريا وإسرائيل. فضلاً عن أن العلاقات السعودية المصرية معقّدة جداً. ومصر باعتقادي لعبت دوراً أساسياً في تعطيل ذهاب سعد الحريري إلى دمشق قبل تشكيل الحكومة.
هل فشل أو انتهى الرهان على إبعاد سوريا عن إيران؟
لست أكيداً أن ذلك فشل، علماً أن السوريين لم يكونوا بصدد قطع أو تخفيف العلاقات مع إيران. ولكن بعد فتح الحوار مع سوريا، عربياً وأميركياً وإسرائيلياً، وقعت تناقضات بين الطرفين السوري والإيراني، مما أدّى إلى تشنّج في العلاقات بينهما. وحسب المعلومات فإن زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران لم تكن ناجحة (لأسباب قد يكون أهمهما التباين في الآراء حول الشأن العراقي).
وفي المدى الطويل، أعتقد أن السوريين والإيرانيين سيذهبون في اتجاهين مختلفين. فهما غير قادرين على الإتفاق على العراق، ولا على المفاوضات مع إسرائيل. وحتى في لبنان، هناك تنافس بينهما، وإيران غير مستعدة لإعادة الورقة اللبنانية إلى سوريا.
بالتالي، يمكن الجزم أن هناك عدة إمور ستؤثّر على العلاقات بين سوريا وإيران، لكن لن يكون هناك طلاق قريب بينهما لأنهما سيحاولان إطالة علاقتهما قدر الإمكان.
ماذا عن المرحلة القادمة ؟ هل هناك إحتمال صدام عسكري بين أميركا أو إسرائيل وإيران ؟
أستبعد في المدى المنظور أن تكون الولايات المتحدة في طور التفكير بحرب على إيران. لأنها رغم ما يحيط بالتباساتها لا تستطيع الإنسحاب من العراق وتكثيف الحرب في أفغانستان والسير في المفاوضات في المنطقة، وفي الوقت عينه شن حرب على إيران، لأن حرباً كهذه ستتطيح بكل هذه الامور. أكثر من ذلك، لا يبدو مضموناً النجاح في توقيف البرنامج النووي حتى لو وقعت هكذا حرب .
بالنسبة لي، أميركا اليوم خرجت مؤقتاً من منطق الحروب. ماذا يمكن أن يحصل بعد أشهر أو سنة؟ لا أعرف، لكن جب أن لا ننسى تاثير حرب في الخليج على أسعار النفط وعلى الوضع الإقتصادي العالمي وعلى الاقتصاد الاميركي الذي يعاني من التأزّم.
أما بالنسبة لإسرائيل ، فليس هناك جواب واضح. ولكن لا أعتقد أن الإسرائيليين يمكن أن يشنوا حرباً على إيران من دون موافقة أميركا. وأرى أن أولويّة إسرائيل ليست أن تشنّ هي الحرب على إيران، ولكن أن تُقحم أميركا في هكذا حرب، وهذا ما لا تبدو إدارة أوباما متجاوبة معه حتى الآن.
لبنانياً ، ماذا عن فرز القوى في 8 و14 آذار؟ هل من متغيّرات؟ ووليد جنبلاط، إلى أين؟
أعتقد أن الأحوال عند الطرفين باقية كما هي بسبب المصالح. جنبلاط جرّب قلب الأوضاع فجأة  لكنه لم ينجح.
كان جنبلاط يريد استباق ما يتوقّعه من متغيّرات، وحساباته أن هناك إنفتاحاً سعودياً على سوريا، وأن الإمور سائرة نحو التحوّل. فوضع نفسه في طليعة المواكبين للتغيّرات لعدة أسباب، منها المخاطر التي تتهدده في  حياته وعائلته، ومنها الخشية من خسارة موقعه ومنها الخوف من التحوّل الى هامش الحياة السياسية.
جرّب وليد جنبلاط أن يجري تحوّلاً، ولكنه تراجع بسرعة. وبرأيي، فإن السعودية والولايات المتحدة فسّرا له حقيقة الإمور، وأوضحا له أن السوريين لم ينجحوا حتى يتصرف هو على هذا الأساس.
صحيح أن وليد جنبلاط لم يعد كما كان سابقاً، وأصبح لأسباب سياسية وطائفية في منزلة أخرى، كما قال هو، ولكنه لم يخرج من إطار 14 آذار. إلاّ أن الإجماع في 14 آذار لم يعد على حاله.
في المقابل ماذا عن 8 آذار؟ هل عون أصبح عبئاً على حزب الله؟ وهل بري يغرّد خارج سربه؟
أنا لست من الرأيّ الذي يعتبر أن عون أصبح عبئاً على حزب الله . بالعكس، عون هو دائماً في الواجهة بتشجيع من حزب الله ، كي يلعب معه دور الوسيط ، وهو مفيد له ويأخذ منه تغطية مسيحية. العلاقة بين عون وحزب الله هي علاقة قوية وستستمر، فهناك مصالح متبادلة.
أما نبيه بري فهو الى الآن غير قادر على الخروج من عباءة حزب الله، مع أنه قريب من السوريين وحزب الله قريب من الإيرانيين، ولكنه لايقدر أن يفلت. ومن الوسائل المستعملة لضبط بريّ  تحريك ميشال عون ضده، مثلما جرى في الإنتخابات النيابية. والخلاف بين عون وبري هو لمصلحة حزب الله، الذي هو جوهر المعارضة وقائدها.
لماذا يتعثر تشكيل الحكومة برايك، هل لأسباب داخلية أم خارجية ؟
السبب الرئيسي هو عدم إتفاق السعودية ومصر وأميركا من ناحية، وسوريا من ناحية أخرى على دورها اللبناني. السوريون غير قادرين على إعادة جيشهم إلى لبنان، ولكنهم يريدون السيطرة على السياسة في بيروت. جوهر المشكلة هو أن سوريا تعتبر أن الإنتخابات لم تأتِ لصالح حزب الله وإيران، وأن الباب بالتالي مفتوح لها لتعود وتلعب دورها وتمسك بالوضع اللبناني . والذي حصل أن أميركا ومصر وإلى حدٍ ما السعودية، بعدما حسمت تباين المواقف لمسؤوليها، رفضوا هذه العودة السورية.
وبظنّي أن السوريين قد تسرّعوا بتفكيرهم بخطوتهم التي طلبوا في سياقها عقد اجتماع في سوريا للقوى السياسية اللبنانية. ذلك أن الطلب والتفكير السوريين يعاكسان الواقع. فمن ربح الإنتخابات هي 14 آذار والطرف المسيطر في المعارضة هو حزب الله وليس جماعة سوريا.
أين مشكلة سوريا إذن؟ المشكلة أن السوريين ضعفاء في لبنان، وقد ظهر ذلك في الإنتخابات. وحلفاء دمشق لم ينجحوا إلا من خلال دعم حزب الله.
أعتقد أن الهدف الأساسي السوري وهو إعادة امتلاك الورقة اللبنانية يواجه تحديات عديدة من بينها أن هذه الورقة تريدها إيران أيضاً. وهذا من الأسباب الإضافية لعدم القدرة على تأليف الحكومة. هناك ضعف سوري منذ العام 2005،  وهناك قدرة فقط على التعطيل من دون أي قدرة على فرض الأمور.
هل لما يحكى عن المحكمة الدولية علاقة بموضوع تشكيل الحكومة ؟
كل الكلام عن المحكمة الدولية حتى الآن هو كلام سياسي. القرار الظنّي غير معروف موعد صدوره، هذه السنة أو السنة المقبلة، وليس هناك شيء رسمي صادر عن المحكمة بعد.
ما أعرفه من معلومات ومن تحليل، يجعلني أعتبر أن ما كُتب في جريدة دير شبيغل، لن يكون هو الأساس في القرار الظني. إن ما كُتب صدر لأسباب سياسية، قد تكون بعض المعلومات فيه صحيحة لكن بعضها أيضاً غير صحيح .
برأيي لا يوجد شيء اليوم يقول إن الظنون بالإتهام التي كانت قائمة في 2005 و 2006 إنقلبت، وعلى الأخصّ تجاه المشتبه بهم.
بالمقابل، أنا خائف من التأخير الذي حصل في التحقيق. المحقق براميرتس أخذ سنتين ونحن مازلنا ندفع ثمن هذا التأخير. المدعي العام بلمار ليس عنده اليوم المعلومات الكافية لإصدار قرار ظنّي. وأنا لست متفائلاً بالوصول قريباً إلى قرار ظني، وليس لديّ جواب عما إذا كان التأخير قائماً لأسباب سياسية أو لأسباب تقنية، أو الإثنين معاً.
أجريت سابقاً مقابلة مع المحقق ديتلف ميليس، وقال لي إنه عندما قابل كوفي أنان لأول مرة، قال له الأخير إنه لا يريد مشاكل. لا يعني ذلك أن أنان كان يقول له لا تقم بعملك، ولكن كممثل للأمم المتحدة، من الواضح أنه كان لا يريد مشاكل سياسية.
ميليس قال إن أنان لم يتدخل بعد ذلك في تقريره. ولكن لا نعرف كيف تصرّف براميرتس إن كان أنان قد طلب منه الأمر نفسه.
برأيك هلّ ستتدهور الإمور أمنياً في لبنان؟ وهل ثمة خشية من شيء يحضّر في طرابلس ؟
أعتقد أنه حتى مع التشنّج الحاصل في العلاقات لن نعود إلى ما حصل سابقاً من إنفجار أمني ، حين كان بشار الأسدّ يتكلّم عن جورجيا في الشمال اللبناني. أنا لا أرى على مستوى العلاقات السعودية السورية أن هناك ما يستوجب تصعيداً أمنياً. الخلافات السعودية السورية موجودة ولكنها موضوعة ضمن إطار تعاون بطيء للمدى البعيد.
سوريا لديها القدرة على التعطيل والقيام بأعمال أمنية، ولكن أين ستصل بها هذه الأعمال سياسياً؟ فهكذا أعمال ستسبب لها مشاكل مع السعودية ومشاكل إضافية مع كل من مصر واميركا. وهي في أي حال صارت تعتبر أنه خارج الحوار مع العالم العربي لا يمكن لها الحصول على شيء في لبنان .
كل الأطراف لها إذن مصلحة في إستمرار الحوار حول لبنان. وأنا لا أرى أن الاحوال الأمنية ستسوء. طبعاً هذا لايمنع من وقوع أحداث أمنية مثلما جرى في طرابلس. ولكن يجب معرفة من يقوم بذلك. لا أحد له مصلحة في التسبب بتفجير أمني كبير .
السؤال الجديد هو هل سينعكس الخلاف السوري العراقي على الوضع اللبناني؟ إن أيّ إضطرابات سنيةّ شيعية تؤثّر حكماً على لبنان. ولكن في نفس الوقت هذا سيتسبب بمشاكل داخل المعارضة، بين حزب الله وجماعة سوريا، خاصةً أن الإيرانيين غير مسرورين من التفجيرات الأمنية الأخيرة التي جرت في بغداد .
وجنوباً ، لا أرى أن حزب الله وإسرائيل بصدد حرب جديدة. الكلّ مقتنع بأن الصدام ليس هو ما سيأتي بالحلّ، ولا أحد يريد أن يتحمل مسؤوليّة هذا الصدام. أنا أختلف مع الجوّ العام في لبنان والمنطقة القائل بإننا متجهون نحو صدام. فأغلب ما يقال هو كلام سياسي. لكن طبعاً هذا لا يعني أن أخطاءً في التصرف والتقدير لن تؤدّي الى اندلاع حرب هي في الأساس غير مستحبّة عند الطرفين.
نشرة الأفق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى