صفحات سورية

لبنان في السلام السوري ـ الإسرائيلي

null


حسام عيتاني

للبنان مصلحة حاسمة في السلام بين سوريا واسرائيل. سلام ربما ينطوي على الفرصة الأخيرة للحيلولة دون تدمير بلدنا مرة اضافية.

المقابلات الصحافية والمعلومات التي عُممت في الايام القليلة الماضية، تبرر الاعتقاد بأن الوسيط التركي بين سوريا واسرائيل يعمل بكامل طاقته، وان تقدما قد حصل على صعيد تحقيق السلام بين الجانبين المتصارعين. غير ان المؤشرات الايجابية لا تكفي للقول ان السلام بات في متناول اليد. حجم الاعتراضات التي تبديها اطراف اسرائيلية مؤثرة مثال واحد على العقبات المتوقع لها ان تقف امام أي تسوية سورية ـ اسرائيلية.

مع ذلك، يتعين القول ان الفكرة التي رددتها بعض قوى الرابع عشر من آذار والقائلة ان ديموقراطية لبنان لن تتحقق ما دامت لم تتحقق الديموقراطية في سوريا، صارت في حاجة الى اعادة نظر. ان نهاية الازمة في لبنان لن تحل الا بسلام سوري ـ اسرائيلي، على ما يبدو. سيعيد السلام هذا رسم اللوحة الكاملة للعلاقات الاقليمية ومن ضمنها العلاقات اللبنانية ـ السورية.

يجب هنا على الأكثرية اللبنانية ان تتخلى عن نهج المزايدة على دمشق في مسعاها الى السلام مع اسرائيل. فإذا كان لبنان قد تعرض الى الاستخدام من قبل الحكم في سوريا ومن قبل غيره، كصندوق بريد للرسائل الموجهة الى اسرائيل وكساحة لتصفية الحسابات معها، فيما ظلت الجبهة السورية هادئة، فإن لبنان مدعو وفقا للمنطق ذاته الى ادراك الفوائد الكبرى التي يمكن ان يجنيها من أي اتفاق بين دمشق وتل ابيب على انهاء الصراع بينهما. موازين القوى الراهنة لا تسمح سوى بخيار من اثنين: اما ان يبقى لبنان معرضا لتحمل أوزار أي حرب اقليمية تقع فيه او قربه، او ان يخرج من دائرة الخطر هذه بواسطة سلام بين اسرائيل وسوريا يمهد لتسوية من النوع ذاته مع لبنان الذي سيحظى بميزة هائلة الاهمية هي امكان تمتعه بالقدرة على صياغة علاقاته الداخلية من دون ضغط الصراعات الاقليمية.

المحور السوري ـ الايراني وسلاح المقاومة ومنظومة كاملة من المؤسسات اضافة الى خطاب سياسي و«فكري» واعلامي، عناصر ستكون مطالبة بالبحث عن ادوار جديدة. غني عن البيان، ان كل الامور المذكورة اعلاه، قد انتج حياة خاصة وتطورا مستقلا، بحيث باتت مصالح ضخمة ترتبط به، من الدورة الاقتصادية الموازية الى التبريرات الايديولوجية والسياسية. والارجح ان ايا منها لن يقبل بالاختفاء من الساحة من دون مقاومة، والتسليم بأن السلام الاسرائيلي ـ السوري قد انهى دوره.

لكن المقاربة ذاتها تظهر حجم التغييرات التي سيدخلها هذا التطور الاقليمي على لبنان الذي يعاني من الجمود منذ اشهر والذي بات اسير ما اسميناه «جدل الجمود». السلام السوري ـ الاسرائيلي، بهذا المعنى، خرق للجمود واعادة اطلاق للآلية السياسية اللبنانية في ضوء معطى مؤثر من مستوى طي للصفحة السورية من الصراع العربي ـ الاسرائيلي.

ربّ قائل سيرى في كل ما يجري تداوله عن الرسائل المتبادلة بين الجانبين، مناورات وخداعا متبادلا خصوصا ان التوتر في المنطقة يسير صوب الارتفاع وان يوم امس شهد جلسة في الكونغرس الاميركي خصصت لموضوع التعاون النووي بين كوريا الشمالية وسوريا وللغارة الاسرائيلية على ما يقال انه موقع نووي سوري. وقد يضيف ان من اهداف هذه التلميحات والتصريحات هو اشاعة جو من الاسترخاء في حين ان حربا واسعة النطاق تكون قيد التحضير، وان التلويح بالسلام لسوريا يهدف اولا وأخيرا الى عزلها عن ايران التي قد تتعرض منشآتها النووية الى ضربات اسرائيلية، من جهة، وعن حلفاء دمشق في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من جهة ثانية، كمقدمة لعمليات اسرائيلية عنيفة ضدهما بعد الانتهاء من الاحتفالات بذكرى قيام دولة اسرائيل في ايار المقبل. بل ليس من الحكمة استبعاد انقلاب المقدمات السلمية الى تصعيد في لغة التهديدات او الانزلاق الى الصدام المسلح.

قد يكون كل ذلك صحيحا. غير ان السياسة، في احد وجوهها، هي فن نقل المناورات الى حقائق واقعية. ولعل الفتور في اوساط الادارة الاميركية الحالية وبين المرشحين الثلاثة الى الانتخابات الرئاسية، لفكرة توجيه ضربة عسكرية مباشرة الى ايران، مما يسمح بالقول ان البحث جارٍ عن مخارج لمسألة البرنامج النووي الايراني، تأخذ في الاعتبار التداخل الكبير بين المواضع القابلة للالتهاب في هذا الجزء من العالم.

ما يعني لبنان أكثر في هذا المجال، هو تقييم المزايا التي يمكن ان يحصلها بفضل السلام اذا حصل، وادراك اتساع تأثيراتها الايجابية عليه في مجالات السياسة والاقتصاد بل على مجمل بنية الدولة فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى