الدور التركي في المنطقة

رؤية أمريكية للدور التركي في الشرق الأوسط

تقرير واشنطن:احمد زكريا الباسوسي
شهدت الساحة الدولية في الآونة الأخيرة نشاطًا ملحوظًا للدبلوماسية التركية في مناطق مختلفة من العالم لاسيما الشرق الأوسط، البحر الأسود، بحر قزوين ، ووسط آسيا. الأمر الذي وجه عناية مختلف الأوساط الأكاديمية والسياسية إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الخارجية الأمريكية حيال تركيا. وفى هذا السياق نُشر كتاب بعنوان “ديناميكيات التطور التركي: خيارات استراتيجية للعلاقات الأمريكية ـ التركية” Turkey’s evolving dynamics: strategic choices for U.S-Turkey Relations عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية Center for strategic & international studies لمجموعة من الخبراء في شهر مارس من العام الجاري، كمحاولة لإلقاء الضوء على ضرورة صياغة نهج جديد للعلاقات الأمريكية – التركية سعيًا لتعظيم مصالحهما المشتركة.
وفى هذا السياق سوف تركز هذه المقالة بالأساس على المصالح الاستراتجية لكل من الولايات المتحدة وتركيا في منطقة الشرق الأوسط، على أن تتضمن المقالة الثانية مصالحهما المشتركة في كل من منطقة البحر الأسود، بحر قزوين ووسط آسيا.
الشرق الأوسط في الاستراتيجية التركية
يُؤكد الكتاب على أنه بالرغم من السعي التركي نحو مستقبل أوروبي، إلا أنها لا تزال تربطها بمنطقة الشرق الأوسط عديدٌ من الروابط والمصالح. وقد ظهرت الحاجة الماسة لهذا الدور بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة لاسيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في مارس من عام 2003. وعن الاستراتجية التركية في الشرق الأوسط، يُؤكد الكتاب على أن تركيا تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة عن طريق ما أطلق عليه التأثير وليس التفاعل في التطورات والتفاعلات الإقليمية.
كما يشير إلى وجود عدة عوامل تُسهم بشكل كبير في تزايد ذلك الدور لعل أبرزها؛ قابلية الدول التي تنتمي لمنطقة الشرق الأوسط لتقبل الاقتراحات التركية، واتجاهها نحو زيادة مستوى التعاون معها في شتى المجالات لاسيما الاقتصادية منها. فضلاً عن تميز تركيا بأنها قوة جديدة جاذبة تستطيع أن تقدم بديلاً في المنطقة عن كل من واشنطن وطهران.
ولهذا، نصح الكتاب الولايات المتحدة بضرورة مراجعة سياساتها إزاء منطقة الشرق الأوسط، وذلك بإفساح المجال للدبلوماسية التركية في المنطقة مما يسهم في توفير حالة من الاستقرار في العراق، وتقنين السعي الإيراني نحو امتلاك تكنولوجيا نووية، وبذل مزيدٍ من الجهد لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
تركيا والمعضلة الأمنية العراقية
تُعد مسألة الحفاظ على الأوضاع الأمنية في العراق أحد الشواغل الرئيسة للسياسة الخارجية التركية لاسيما الحفاظ على وحدة الأرض والإقليم؛ وذلك خوفًا من انتقال النزعة الاستقلالية للأكراد في تركيا في حالة ما إذا حصل أكراد العراق على الاستقلال الرسمي، ذلك فضلاً عن الأهمية الاقتصادية والتجارية للعراق بالنسبة لتركيا.
وعلى هذا المنوال، يُؤكد الكتاب على أن أنقرة في السنوات القليلة الماضية قد اتخذت عددًا من الخطوات الحثيثة التي تسهم بشكل أو بآخر في تحقيق تلك الأهداف سالفة الذكر لعل أبرزها؛ قيام تركيا بدور إيجابي ونشط في العراق من خلال زيادة مستوى التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين، وتقديم اقتراحات مؤقتة لإدماج أكراد العراق في النظام السياسي العراقي.
أما على الجانب الآخر، ترى العراق أن تركيا تمثل حليفًا وشريكًا سياسيًّا قادرًا على إعادة بناء الاقتصاد العراقي لاسيما البنية التحتية، ذلك فضلاً عن أهميتها فيما يتعلق بقدرتها على تأمين خطوط ومسارات تصدير الطاقة. وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن التجارة والاستثمارات التركية في المنطقة الكردية في شمال العراق تمثل أحد أهم عوامل الاستقرار.
تركيا وإيران: نهج تعاوني جديد
على صعيد العلاقات التركية ـ الإيرانية، يُؤكد الكتاب أنه على الرغم من العقود الطويلة من العداء الأيديولوجي بين الإمبراطوريتين السابقتين، إلا أنه في السنوات القليلة الماضية انخرطت كل من أنقرة وطهران في علاقات اقتصادية وسياسية قوية. بالإضافة إلى تطويرهما لآليات جديدة لمكافحة الإرهاب.
تنظر تركيا إلى أن إقامة علاقات جيدة مع إيران وزيادة مستوى التبادل التجاري بينهما على أنهما عنصران هامان لتدعيم استراتيجيتها الإقليمية الواسعة، التي تمنحها القدرة على أن تكون جسرًا لتصدير الطاقة للقارة الأوروبية. كما يُؤكد الكتاب على ترحيب طهران بالمحاولات التركية لكسر عزلتها الدولية، ودعمها اقتصاديًّا من جانب. وأن تقوية العلاقات بينهما سوف تُثني تركيا عن المشاركة في أي أعمال عدائية يمكن أن تقوم بها القوى الغربية ضدها في المستقبل من جانب آخر.
وفيما يخص البرنامج النووي الإيراني، يُشير الكتاب إلى أنه على الرغم من اقتناع تركيا بعدم خطورة برنامج طهران النووي إلا أنها تعارضه على اعتبار أنه سوف يُهدد توازن القوى. فضلاً عن زعزعة الاستقرار في المنطقة. وفى سياق متصل تُؤكد تركيا على وجود عقبتين رئستين أمام سعي طهران لامتلاك التكنولوجيا النووية؛ الأولى: المعارضة الدولية للبرنامج، ثانيًا: العقبات التكنولوجية التي قد تحول دون إمكانية تطوير الأسلحة النووية.
وفى الإطار ذاته، تُؤكد تركيا وفقًا للكاتب على ضرورة انتهاج السبل الدبلوماسية مع طهران لمنع الانتشار النووي، مع استبعاد الحلول أو الجهود العسكرية، لكن هذا الاتجاه لا يمنع وجود بعض الأصوات من الخبراء والنخبة العسكرية الذين ينادون بضرورة بنية تحية وأنظمة مضادة للأسلحة النووية.
تقارب تركي ـ سوري جديد
أما على المسار التركي ـ السوري، يُؤكد الكتاب على أن النهج التقاربي بين تركيا وسوريا أضحى أحد المكونات الرئيسة للاستراتيجية التركية في الشرق الأوسط. ولعل أبرز دلالات ذلك التقارب استجابة سوريا للنداءات التركية والتعاون الثنائي بينهما في استئصال حزب العمال الكردستاني، وتزايد مستوى التجارة والاستثمارات بينهما، وتخفيف حده المشكلات المشتركة بينهما لاسيما حيال قضية المياه، فضلاً عن المحاولات التركية لفتح قنوات اتصال جديدة بين سوريا وأوروبا، بالإضافة إلى قيام تركيا بدور الوساطة غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل.
وفى سياق ليس ببعيد، أشار الكتاب إلى ترحيب دمشق بالانخراط في علاقة صداقة مع تركيا، بحيث يُسهم ذلك بشكل كبير في القضاء على أي تهديدات عسكرية على حدودها لاسيما في الوقت التي تُمارس فيه الولايات المتحدة كثيرًا من الضغوط على دول جوارها بخاصة العراق، ذلك بالإضافة إلى تدعيم وتقوية موقفها الدولي والإقليمي. أما على مستوى الأهداف متوسطة المدى تسعى تركيا لإقصاء سوريا عن تحالفها وانحيازها لإيران وتقربها للغرب.
تركيا وإسرائيل: علاقات معقدة
أما بالنسبة للعلاقات التركية ـ الإسرائيلية، يشير الكتاب إلى أن كافة الشواهد والدلالات، لعل أبرزها ارتفاع مستوى التعاون في كافة المجالات سواء اقتصادية أو عسكرية أو صناعية، تُؤكد أن العلاقات التركية – الإسرائيلية لا تزال تتسم بالقوة، ذلك على الرغم من تعكير صفوها وتعقيدها في الآونة الأخيرة نتيجة تعميق أنقرة لعلاقتها مع خصوم إسرائيل لاسيما سوريا وإيران وحركة حماس، بالإضافة إلى التعاطف التركي مع الفلسطينيين وإدانة ونقد السياسات إسرائيل، وتأكيدها على ضرورة التضامن الإسلامي.
ماذا تريد أمريكا من تركيا في الشرق الأوسط؟
وفى إطار الحديث عن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ينصح الكتاب الولايات المتحدة بضرورة التركيز في علاقتها الثنائية مع تركيا على ضرورة الاستفادة من الدور التركي في العراق، والمتمثل في تسهيل انسحابها من العراق وتدعيم الاقتصاد والطاقة على المدى البعيد.
كما أن على الولايات المتحدة أن تسعى في إطار مبادراتها الدبلوماسية إلى محاولة تقريب وجهات النظر بين القادة الأكراد في كل من تركيا والعراق بهدف التوصل لاتفاق حول كيفية التعامل مع تهديدات حزب العمال الكردستاني؛ مما يضمن وحدة الأراضي التركية ويسهل تواجد الاستثمارات التركية بالمناطق الكردية في العراق.
وفى السياق ذاته، ينصح الكتاب بضرورة عدم اعتبار التقارب التركي ـ الإيراني عائقًا أمام توطيد العلاقات الأمريكية – التركية على اعتبار أن هذا التقارب سوف يكون له تداعيات جيدة على مستقبل الحوار الأمريكي – الإيراني حول القضايا المختلفة.
كما أكد على أن ضرورة مساندة الولايات المتحدة للدبلوماسية التركية، والتي تسهم بشكل كبير في تحقيق مصالحهما وأهدافهما المشتركة، فضلاً عن دورها في تحقيق حالة من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مما يخدم مصالح الولايات المتحدة.
واستمرارًا لإمكانية الاستفادة من تركيا، يُؤكد الكتاب على أن أي خطوات ملموسة من قبل إدارة الرئيس أوباما تنطوي على ترحيب أمريكي بالدور التركي في القيام بالوساطة في الشرق الأوسط سوف تُستقبل بترحاب شديد في أنقرة مما سيصب بالأساس في مصلحة الولايات المتحدة لاسيما في حالتي الحوار مع سوريا وإيران.
وفى إطار إصلاح العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، نصح الكتاب الولايات المتحدة بالاستمرار في دورها التي كانت قد بدأته منذ سنوات في تعزيز العلاقات بينهما، الأمر الذي يُسهم بشكل ملحوظ في إقرار الأمن الإقليمي وتحقيق أمن إسرائيل، وأن على إدارة الرئيس أوباما أن تستغل كل الفرص المتاحة لإصلاح تلك العلاقات التي توترت في الآونة الأخيرة وإعادتها إلى نصابها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى