صفحات سورية

أهمية العودة للسياسة

null
منصور الأتاسي
تعاني بلادنا من إبعاد العلاقات السياسية والصراعات السياسية عن المجتمع وتقدم الصراعات ما قبل السياسية ’وهذه العلاقات بالتحديد تشكل الخطر الدائم على مستقبل بلادنا ووحدتها وتطورها كما تهدد العلاقات ما قبل السياسية السائدة في البلدان المجاورة وحدة هذه البلدان وخصوصا العراق الذي يعيش على حافة التقسيم، ولبنان المهدد بالانفجارات الدائمة. ونحن لا يمكن أن نكون خارج تأثيرهما إذا استمرت هزيمة السياسة في بلادنا.
والعودة للسياسة غدا أمرًا ملحاً لا يمكن تجاهله أو الهروب منه بعد فشل جميع محاولات الإصلاح التي تمت “الاقتصادية” أو “الإدارية” أو “القانونية”…..الخ لأنها لم تمر في المعبر المؤدي لتطوير البلد وهو الإصلاح السياسي والعودة للعلاقات السياسية.
والعودة للعمل السياسي يتطلب من الجميع انجاز عدد من الخطوات الضرورية لتأمين العبور الآمن أو المطلوب .
أول هذه الخطوات وأكثرها إلحاحا” هو القرار الذي يجب أن تتخذه السلطة السياسية بإطلاق العمل السياسي عن طريق إطلاق الحريات السياسية وقوننتها .هذه الخطوة اعترف بأهميتها الجميع؛ الحزب الحاكم وجبهته وكافة أحزاب وتيارات المعارضة.
بمعنى إن إطلاق الحريات السياسية أصبح مطلباً سياسياً شاملاً”. المطلوب من جميع القوى السياسية العمل على تنفيذه : ولم يعد يوجد أي مبرر لتقصير أي قوة أو حزب سياسي في عدم التنفيذ وخصوصا” وان كل الاعتبارات والأعذار التي قدمتها السلطة كتبرير لعدم التنفيذ لم تعد موجودة بعد أن تلاشت جميع الإخطار السياسية التي كانت تهدد بلادنا ، وبعد أن توصلت السلطة إلى إقامة علاقات جيده مع الدول الغربية ومع الولايات المتحدة الأميركية وبعد أن دعا الرئيس السوري نظيره الأمريكي لزيارة سورية مما يؤشر لعودة العلاقات الطبيعية – رغم رفضنا لهذه الدعوة- وبعد تطبيع العلاقات مع لبنان ، وتطور العلاقات مع تركيا … الخ . كل ذلك يؤشر أن الأسباب التي كانت قائمه قد تلاشت رغم عدم قناعتنا بها وأصبح الانتباه للداخل من أولى مهمات السلطة والانتباه للداخل يعني أولا وقبل كل شيء تأمين الانفراج السياسي المطلوب عن طريق قوننة الحياة السياسية بإصدار قانون للأحزاب يحترم وجود كافة القوى السياسية العاملة داخل الوطن ،وتعديل قانون الانتخابات باتجاه الوصول للنسبية وتعديل قانون المطبوعات بما يضمن حرية النشر وعرض الآراء للجميع ، وحتى يتم كل ذلك المطلوب الآن الإعلان عن إطلاق الحريات السياسية للقوى الموجودة في البلد وتشكيل لجنه وطنيه تمثل كافة هذه القوى سلطويه ومعارضه لصياغة مسودة قانون للأحزاب ، وتعديل القوانين الأخرى بشكل يتفق عليها الجميع
ثانياً- حل كافة المشاكل العالقة والموجودة والمعترف بها من قبل الجميع وأولها مشكلة الأكراد عن طريق الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة لهم وهي إلغاء إحصاء 1962والحقوق الثقافية بما يعني حق النشر والتعلم باللغة الكردية بالإضافة لحل العديد من المشاكل في العديد من المدن وهي معروفة للجميع بما يضمن الوصول لأوسع وحده وطنية.
ثالثاً- الاعتراف بوجود المعارضة السياسية وبوطنيتها وحمايتها وضمان حرية عملها وعدم تخوينها واعتقالها بسبب ارائها بعد توجيه اتهامات ظالمة وليست من طبيعة المعارضة مثل إسقاط نظام الحكم بالقوة وإضعاف الروح القومية ….الخ بالإضافة لمضايقة أصدقائها وبالمقابل استعداد قوى المعارضة على فتح حوار مع السلطة مع الاحتفاظ بكونها معارضة , وتأمين الأشكال اللازمة لنجاح هذا الحوار مما يؤهل للوصول لمنطق عدم احتكار التمثيل السياسي من قبل أحد ورفض الهيمنة
رابعاً- الاعتراف من قبل الجميع بوجود أزمة حقيقية داخل كافة التيارات المكونة للعمل السياسي بغض النظر عن موقعها في السلطة والمعارضة ؛ فالتيار القومي مازال يعاني من هزيمة 1967 وما زال يحاول الخروج منها مما أدى إلى ارتدادات أثرت على مجمل القضية القومية والوطنية نشاهدها في مراكزه الرئيسية أنور السادات حسني مبارك (مصر) ، ليبيا القذافي.، والوضع السوداني وفي حركة فتح، وفي صراعات اليمن وفي الاندفاع لسياسات مخالفة ومناقضة للمشروع القومي في سورية…الخ . إن بحث أسباب فشل التيار القومي وانحساره شبه المطلق من الوسط الشعبي أصبح مهمة وطنية كبيرة لا يمكن تجاوزها لا بالقمع الأمني ولا بالارتداد للنقيض. وهذا ما يجب أن يبحثه التيار الماركسي الذي صاغ تحالفاته بقيادة التيار القومي الذي مازال يعاني من هزيمته ، ولم يستطع أن يخرجه من أزمته بل تأثر بها بعد أن ربط مصيره بهذه التحالفات ولم يستطع الحفاظ على دوره المستقل مما أوقعه في أزمة بعثرت قواه وشتته أضف إليها أزمة انهيار التجربة الاشتراكية المحققة في الاتحاد السوفياتي وعدم استخلاص الدروس من الانهيار مما أدى إلى زيادة عزلته في الوسط الشعبي والى انتشار التيار الديني المتصلب والمتشدد وغير المستقر بعد هزيمته في ثمانينات القرن الماضي رغم إدعائه بالخروج منها.
والتيار الليبرالي الذي لم يستطع تكوين حزب منذ هزيمته في ستينيات القرن الماضي حيث سلم السلطة للعسكر خوفا من التيار الشيوعي ثم خوفاً على مصالحه
خامساً- الانتقال من الصراع ونفي الآخر إلى الحوار بنظرة سريعة إلى شعارات كافة القوى السياسية نرى أن هناك مشتركات في القسم الوطني وهناك تباينات في شكل التوجه الاقتصادي داخل السلطة وداخل المعارضة وهناك تناقض بين السلطة والمعارضة في القسم الديمقراطي بعد أن استكانت كافة أحزاب السلطة إلى هذا الشكل من العمل الذي ينفي النشاط الجماهيري ويقمع القوى المعارضة ويبقي لها مكاسبها الصغيرة . هذا يؤكد أن الحوار ممكن وهو السبيل الوحيد القادر على الخروج من الأزمة وهو أي الحوار يعكس شعار المعارضة “التغيير الديمقراطي السلمي التدرجي”
سادساً- إن واقع الهيمنة وعدم الاعتراف بالأخر وتخوينه وعدم قدرة التيارات السياسية المختلفة في الخروج من أزمتها وعدم القدرة على تقديم حلول واضحة لأزمات المجتمع أدى إلى الأزمة السياسية العميقة التي تعيشها بلادنا والتي انعكست في بعثرة كافة التيارات السياسية وكل تيار على حدة .
سابعاً- ومن كل ذلك وانطلاقاً من تجربة أمريكا الجنوبية التي استطاعت الانتقال من مرحلة
الاستبداد التي استمرت أربعة عقود إلى مرحلة الديمقراطية عبر تقديم برامج واضحة يفهمها الشعب ويدافع عنها وهي بطبيعتها تقدمية معارضة للاحتكار تهدف إلى رفع مستوى معيشة الشعب والى الحفاظ على البيئة والى ضرب المصالح الامبريالية التي تنهب الاقتصاد الوطني لكل دولة وتزيد من فقر شعوبها .انطلاقا من هذه التجربة فإن مهام العودة للسياسة لا تأتي إلا بتغيير الخطاب السياسي من قبل كافة المعنيين عبر رؤية انتقادية صارمة للماضي …وهي غير موجودة حتى الآن . والتخلي عن كل أشكال العمل الذي ميز الحياة السياسية في سورية والذي أدى إلى هزيمتها.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى