صفحات سورية

سوريا أوباما غير سوريا بوش وكلينتون وأسلافهما

null
سركيس نعوم
نال الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي اثناء ادارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون اهتماماً بارزاً تمثّل في محاولته في آخر ولايته اقناع طرفيه الاساسيين اي الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك ايهود باراك بالتفاهم على اطار تسوية يضع هذا الصراع على طريق الحل النهائي. لكن الصراع السوري – الاسرائيلي من جهة ودور سوريا الشرق الاوسطي من جهة اخرى او بالاحرى الدور الاوسع من حدودها وجغرافيتها الذي كانت تمارسه في ظل ادارات اميركية سابقة نالا بدورهما اهتمام ادارة كلينتون استنادا الى عدد من الباحثين الكبار في واشنطن من اميركيين وغير اميركيين. ومن الادلة على ذلك المحاولة التي قام بها كلينتون ايضاً في مدينة جنيف السويسرية لاقناع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد وباراك بالتوصل الى تسوية تنهي الحرب المستمرة لديهما، وإن نظرياً بعد اتفاق فض الاشتباك في اعقاب حرب 1973. اولا، باستعادة سوريا اراضيها المحتلة عام 1967 كلها. وثانياً، توقيعها معاهدة سلام فيها الكثير من التطبيع مع اسرائيل. وثالثاً، التفاهم على كل الترتيبات المتعلقة بالامن والمياه والتعاون وما الى ذلك. اما في اثناء ادارة الرئيس جورج بوش الابن التي استمرت ثماني سنوات فان الاهتمام بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي غاب في السنوات الاولى منها. اولا، بسبب الخوف من فشل واجهه قبل وصوله الى السلطة باسابيع قليلة سلفه كلينتون. وثانياً، بسبب الاعتداء الارهابي على اميركا في 11 أيلول 2001 والذي دفع هذه الادارة الى تعبئة كل الموارد لمحاربة الارهاب فكانت حرب افغانستان التي قلبت حكم “الطالبان” حليف تنظيم “القاعدة” الذي نفذ الاعتداء المذكور. ثم كانت حرب العراق التي اطاحت نظام صدام حسين ووضعت تحت العنوان نفسه اي محاربة الارهاب. لكن هذا الاهتمام عاد في السنوات اللاحقة وخصوصاً بعد بدء التعثر في العراق ثم تفاقمه فدعا الرئيس بوش الى اعتماد حل الدولتين وقام بمبادرات عدة بقيت طبعاً من دون نتيجة بسبب عجز اميركا او بالاحرى رفضها ممارسة ضغوط على اسرائيل لاقناعها بتسهيل التوصل الى الحلول واكتفائها بالضغط على الطرف الفلسطيني. اما سوريا فان اهتمام ادارة بوش لها غاب وحل مكانه اهتمام مباشر بالعراق ثم بلبنان. وأدى الاهتمام الاميركي بالأخيرين الى تحوّل غياب الاهتمام بسوريا علاقة خصام معها ومواجهة. لكن الخصام والمواجهة اختصرهما الباحثون في واشنطن انفسهم بسياسة ذات شقين. الاول، عدم انخراط اميركا مع سوريا في حوار جدي لمحاولة ايجاد حلول لكل القضايا المختلف عليها. والثاني، عدم مهاجمة سوريا عسكرياً بالطبع. وطبيعي ان هذه السياسة فشلت في تحقيق الاهداف الاميركية، اذ قويت سوريا بدلاً من ان تضعف وذلك رغم إجبارها على الانسحاب من لبنان عام 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وانخرطت في سياسة مواجهة جدية مع اميركا مباشرة وبالواسطة واخرى بالواسطة مع اسرائيل معتمدة في كل ذلك على تحالف صنفته “استراتيجيا” مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ومع الاذرع السياسية والعسكرية لهذه الجمهورية في لبنان وفلسطين وفي المنطقة وربما في العالم والقادرة على العمل بكثير من الحرية.
هل تغيّر الادارة الاميركية الجديدة برئاسة باراك اوباما السياسة السورية التي اعتمدتها ادارة الرئيس جورج بوش؟
الجواب عن هذا السؤال ليس سراً. فقد افصح عنه اوباما اثناء حملته الانتخابية عندما وعد بالحوار مع سوريا بشار الاسد وايران النظام الاسلامي. كما انه بدأ مرحلة المبادرات لتنفيذ مضمون هذا الجواب. اولا، من خلال المواقف الرسمية لاركان ادارته ومعاونيه ومنهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وثانياً، بايفاد مسؤولين رفيعين الى العاصمة السورية. وثالثاً، الاعلان عن دعوة ايران الاسلامية الى لقاء دولي سيخصص لافغانستان.
لكن ما يلفت اليه الباحثون في واشنطن في هذا المجال هو ان الحوار المفترض ان يجري بين دمشق وواشنطن لم يعد سهلاً على الاطلاق، علماً ان الحوار والمفاوضات التي كانت تجرى بينهما ايام الرئيس كلينتون وسلفه جورج بوش الأب وغيرهما كانت بدورها محفوفة بصعوبات كثيرة. والسبب الاساسي لذلك هو ان الاوضاع في المنطقة اختلفت والظروف تغيرت وكل ذلك في اتجاه الاسوأ سواء بالنسبة الى الاستقرار الاقليمي او بالنسبة الى المصالح الاميركية او الى قدرات الدول المعنية اي الشرق الاوسطية على احداث التغييرات المطلوبة في مواقفها وسياساتها بغية انجاح الحوار وفتح الباب امام الحلول. وكي لا يبقى الكلام عاماً يعطي هؤلاء مثلاً على ما يقولون هو المفاوضات بين سوريا واسرائيل او تجديد المساعي لمعاودة سوريا واسرائيل مفاوضاتهما المباشرة قبل سنوات وغير المباشرة قبل اسابيع لإيجاد حل لصراعهما المزمن. فالمشكلات التي كانت تعترض هذه المفاوضات كانت حدود الانسحاب الاسرائيلي ووسائل ضمان امن اسرائيل، وحصولها على المياه والتطبيع مع سوريا اي باختصار المقابل الذي ستدفعه سوريا للانسحاب. اما المشكلات التي تعترضهما الآن فهي اكثر عدداً وتعقيداً وتتعلق بـ”حماس” الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني ورعاية سوريا وايران لهما. وتتعلق ايضاً بتحالف سوريا مع ايران المصرة على استمرار عدائها لاسرائيل وعلى العمل لازالتها من الوجود. ويتعلق اخيراً بايران نفسها كدولة اقليمية صارت قوية جدا الامر الذي دفعها الى وضع استراتيجيا هيمنة على المنطقة واستراتيجيا تحد لاسرائيل، فضلا عن ان الحوار السوري – الاميركي تعترضه المشكلات نفسها. اولاً، لأن اسرائيل مصلحة حيوية واستراتيجية اميركية. وثانياً، لان ايران بسعيها الى التحول قوة اقليمية عظمى تقليدياً ونووياً تشكل خطراً مباشراً عليها وخصوصاً في ظل سياسة التحدي التي تمارسها في اتجاه الجميع في المنطقة وخارجها.
طبعاً لا يعني ذلك ان اميركا اوباما تبالغ في تقدير القوة المباشرة لسوريا والتي يعرف الجميع انها غير كبيرة اذا سحبت منها عوامل القوة غير السورية. لكنه يعني ان هذه الادارة تعرف ان سوريا بحجمها وقدرة حكامها على الافادة من ظروف خارجية عدة تستطيع ان تكون مؤذية كما تستطيع أن تكون مفيدة. وهي تحاول ان تدفعها الى القيام بالدور المفيد انطلاقاً من كونها جزءاً غير كبير كثيراً لكنه ذو شأن وخطر في “لغز” أو “أحجية” الامن القومي في المنطقة، فهل تنجح؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى