صفحات سوريةما يحدث في لبنان

توظيف اللقاءات السورية – السعودية يسابق تأليف الحكومة

null
تفاهم يسهّل اجتياز الاستحقاق أم إيحاء بعودة أدوار قديمة؟
روزانا بومنصف
ثمة عنوان رئيسي للمرحلة القريبة المقبلة يذهب نحو واحد من شقين : الاول ان ينجح الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومة وحدة وطنية يوافق عليها الجميع في المبدأ، اذ ان من الصعب ارضاء جميع الافرقاء، ولا تضم الثلث التعطيلي الذي امتلكته قوى 8 آذار في الحكومة السابقة. والشق الآخر ان ينجح بسرعة في عملية التأليف ولا يخضع لعمليات ابتزاز ومساومات تساهم في إفقاده اندفاعه وزخمه، باعتبار ان نجاحه السريع في تأليف الحكومة يمكن ان يمده بقوة مهمة في بداية مسيرته بتأليف الحكومات، كما يمكن ان يضيّق هامش الخلافات، في حين ان العرقلة والتأخير يساهمان في توسيعها وانعكاسها سلبا على أصعد عدة، وخصوصا ان ما حصل من انفلات امني في عائشة بكار ومحيطها اعاد اثارة المخاوف بقوة من ألا تكون الامور مسهلة امام الحريري على نحو ما يبدى الافرقاء.
والبارز في موازاة الاستشارات النيابية الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتلك التي اجراها الرئيس المكلف من اجل تأليف الحكومة، انباء عن لقاءات لمسؤولين سوريين ومسؤولين سعوديين كبار زاروا دمشق في الايام الاخيرة، وتمحورت هذه اللقاءات على ما وزعت وكالة الانباء السورية، على الوضع اللبناني. في حين يكثر الكلام منذ مدة على زيارات، لم تعلن غالبا، قام بها مسؤولون سعوديون للبنان اخيرا ويشاع على اساس هذا الكلام انتفاء شرط الثلث المعطل في مطالبة قوى 8 اذار ما لم يكن سقفا مرتفعا للمطالبات بالمشاركة في الحكومة فحسب، في حين ان الكلام الحقيقي هو على حصة وازنة تكون بين طرفي 14 و8 آذار. وليس في الافق اي كلام سوى عن اي صيغة حكومية غير هذه الصيغة في الواقع. مما يعمم الانطباع ان تأليف الحكومة لن يكون صعبا جدا، على قاعدة ان ما يجري من تفاوض هو من موجبات تحصيل الحصص وتكبيرها ليس اكثر ولا اقل، وتوزيع الحقائب وفرض الشروط لذلك.
وتفيد مصادر سياسية ان الزيارة التي اعلنتها دمشق للموفد السعودي الاثنين خاضت في التفاصيل، علما ان ثمة من يقول انها حصلت قبل ذلك وكانت اجواؤها جيدة. لكن هذه المصادر تستبعد ان يظهر تغيير سريع في المواقف والشروط، حتى في حال وجود اتفاق تفصيلي، باعتبار ان هذه المواقف تحتاج الى تليين والى مخارج، فضلا عن ان دمشق لن تقدم الى الرئيس المكلف الحريري هدية القدرة على تأليف الحكومة العتيدة، وهي اول حكومة له، خلال اسبوع او عشرة ايام. اذ ان السوريين ليس من عادتهم ان يقدموا هدايا من هذا النوع، فضلا عن ان الانفتاح عليهم يتيح لهم المطالبة بأثمان في المقابل يجرى الحديث عنها من نوع وجود استعداد سعودي للإعداد لزيارة يقوم بها الملك عبدالله بن عبد العزيز قريبا لدمشق، علما ان ثمة شائعات غير مؤكدة تسري في بعض الأوساط عن استعدادات لتأمين زيارة رئيس الحكومة المكلف لسوريا، او احتمال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للبنان بما يؤدي الى خلاصات يؤمل منها ان تزيد احتمالات طي ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وليس واضحا ما اذا كانت كل هذه التسريبات تخدم الرئيس المكلف او تضعفه او تخدم لبنان عموما، اوتخدم حتى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اذ تتصدر وسائل الاعلام معطيات متزايدة تفوق ما يعلن رسميا عن اتصالات سعودية – سورية ومعطوفة على زيارات يقال ان مسؤولين سعوديين قاموا بها لدمشق في المدة الاخيرة، وجلها على صلة بالشأن اللبناني على ما يتم تسريبه ويساهم في اعطاء الانطباع ان بعض ما اخذ من دمشق على صعيد ادارتها الشأن اللبناني يعود اليها من النافذة. اذ ان التوافق او التفاهم السعودي – السوري، لا بل السوري – العربي عموما مهم جدا للبنان، باعتبار ان انقسامات الدول العربية وخلافاتها غالبا ما ترجمت على ارض لبنان كما حصل في الاعوام الاخيرة، فضلا عن الخلافات العربية – الايرانية والسورية – الايرانية مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية. فالوضع في لبنان معقد وحساس جدا ومعرّض لاخطار كبيرة ويستمر كذلك على رغم اجراء الانتخابات النيابية بالحد الممكن من الاستقرار والامن. وتهدئة السوريين وطمأنتهم وعودة انفتاح العرب عليهم وانهاء عزلتهم، تريح لبنان ولا يمكن احدا ان يتجاهل استمرار تأثيرهم المباشر عبر حلفاء لهم في الداخل او عبر مواقع نفوذ اخرى. لكن ثمة خيطا رفيعا جدا بين الضرورة القصوى في ارساء قواعد هذا التفاهم وتأمينه وحتمية انعكاسه ايجابا على لبنان كما على سوريا، على قاعدة ان المساهمة السورية البناءة هي حكما خطوة على طريق علاقات طبيعية بين البلدين فيها قدر كبير من التكافؤ، وبين تسريب معطيات يقصد منها ان توحي ان دمشق عادت لترسم دور الحكومة المقبلة ورئيسها كما دور حلفائها، وما اذا كان سيحصل هؤلاء على الثلث المعطل في الحكومة ام لا، الى درجة خشية بعضهم ان يكون عامل ضرورة النجاح بسرعة في تأليف الحكومة لئلا تميع الامور، يطوي فخـا، بما يمكن ان يعيد تكبير دور السوريين في لبنان. في حين يرى بعض المراقبين ان ما يجري مماثل لبعض المحطات السابقة التي تدخل فيها وسطاء في الاعوام الماضية كالفرنسيين وسواهم، لحضّ السوريين على الدور الايجابي وليس السلبي في لبنان.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى