صفحات الناس

مواطن من دولة حريات ستان

null
محمود أمين حشمة
ذات يوم التقيت مواطناً في دولة تُدعى حريات ستان، هذه الدولة ليست على كوكبنا إنها من كوكب آخر ضمن المجموعة الشمسية. بدأ يحدثني هذا المواطن الذي يُدعى “أبوحرية” عن بلده وشعبه والنظام الذي يحكم تلك الدولة. فبدأ يتحدث لي عن الرخاء الاقتصادي في تلك الدولة حيث المواطنين هناك ينعمون بمستوى من الرفاهية منقطع النظير، ولا يعرفون شيئاً يسمى الغلاء، فالدولة لا ترفع عليهم الأسعار باعتبار أنها هي الحامية والمسؤولة عن رعاياها وبالتالي يجب أن تتحمّل العبء عن مواطنيها. وتتكفل الدولة أيضاً بتعليم أبنائها دون أي رسوم لأن الاستثمار بهذا المواطن عائده أكبر بكثير من التكلفة التي تتحملها الدولة.
سألته عن مستوى الحريات لديهم وعن سقفها هل السماء كما نحن؟ أجابني بالطبع ولكن سماءنا ليست كسمائكم ولك أن تفهم؟ أوضحت له أني أعاني من بطء الاستيعاب أحياناً فهل لك أن توضّح ماذا تقصد؟ فبدأ بالحديث عن الإعلام، حيث قال لا يوجد شيء يسمى إعلام حكومي ، بل هو إعلام من أجل المواطن إعلام من أجل التغيير، يستطيع أن يغير كل شيء وعلى رأسها الحكومات، فهو القوة الحقيقية، وأضاف لدينا أيضاً شيء يسمى إعلام إلكتروني ففرحت أنهم يحاولون تقليدنا، ولكنه سرعان ما أحرجني عندما أوضح أن هذا النوع من الإعلام غير خاضع لأي نوع من أنواع الرقابة بل يصل لكل مواطن ومسؤول ويجبره على التحرّك وتغيير الوضع السلبي القائم وبأسرع وقت، فسألته وكيف يكون التحرّك إن لم يستجب صانع القرار، فأجاب نخرج إلى الشارع فسألته طبعاً تأخذون تصريح للمسيرات، فتجاهل تعليقي وكأني لم أتكلّم لكني أحسست في عينيه نظرة شفقة أو استهزاء لا أدري، وتابع حديثه، المسؤول في بلدنا هو “خادم” للمواطن لا ينام إلا عندما ينام المواطنون باطمئنان وملباة احتياجاتهم كافة، مما أثار في نفس تساؤلاً حاولت فيه أن أستذكي عليه، حيث سألته هل يلبي المسؤول احتياجات أقاربة فقط؟ فأجاب كل المجتمع أقارب المسؤول، لأن التربية والتعليم الذي تلقيناها في مدارسنا وجامعاتنا أوصلتنا لمرحلة المواطنة الصالحة والانتماء على أساس الحب لا على أساس الخوف، لم يستخدم المسؤولون عندنا يوماً مبدأ فرّق تسد.
حاولت أن أغيّر الموضوع فحرارتي وضغطي بدءا بالارتفاع فسألته هل لديكم شيء يسمى بالمجتمع المدني ( مفترضاً أنهم لا يعرفونه) فأجاب تقصد الجمعيات والأحزاب والنقابات، فقلت له نعم. قال بالطبع لدينا ذلك ولكننا نسميه “سلطة المجتمع” وذلك لما تتمتّع به من قوّة التأثير على صنّاع القرار وإحداث التغيير الذي يطمح له المجتمع . فهو والإعلام السلطتان الحقيقيتان وتأتي بعدهما السلطات الأخرى. فبادرت بالاستفسار عن وجود أي قوانين تضبط عمل المجتمع المدني فأجاب “هذا تخلّف” المجتمع المدني هو صوت المجتمع وهو الرقيب على كل السلطات الأخرى، كيف أراقبه أو أضبط عمله، فحاولت أن أبرّر أقصد ألا تراقبون التمويل الأجنبي، فأجاب إن كان هناك تمويل من دولة معادية فقط فهو غير مقبول، وحتى هذا فنحن لا نراقبه لأن المجتمع الذي تربّى على حب الوطن والانتماء له لن يقبل أن يتعامل مع تمويل مشبوه.
فسالته عن الوضع الأمنى في بلدهم. فأجابني الوضع الأمنى لا يعاني من أي خروقات فالعلاقة بين المواطن والدولة علاقة شراكة وانتماء وتبادل مصالح، لكن طبعاً يوجد لدينا جهاز أمن قائم على حقوق الإنسان واتفاقيات دولية قائمة على كرامة الإنسان والعدالة وعدم التمييز، وهذه الاتفاقيات هي التي تشكّل دستور الدولة وقوانينها وعلى أساسها تتم المحاكمات ويحكم القضاة ، وبادرني بقوله أما ما تسمونه المخابرات فهو موجود أيضاً لكن دوره مقتصر على رصد أي محاولات إساءة للوطن من بعض الدول المعادية وخاصة تحالف دول “قمع ستان” لكن هذا الجهاز قلما يتعامل مع المواطنين إلا في حال أراد أحد المواطنين أن يبلّغ عن أي خرق أمني سمع به، وطبعاً لا يمكن لهذا الجهاز أن يحقّق مع أي مواطن إلا إذا كان متهماً بالخيانة العظمى، بل وأن المواطنين لا يشعرون بوجود العاملين في هذا الجهاز أصلاً.
فسألته عن السلطة التشريعية في البلد وعن قانون الانتخاب، فأجابني جواباً معقداً قليلاً لم أفهمه بالضبط لكني فهمت أنه نظام غير قائم على المصالح أو على فئات معينة، بل قائم على الكفاءات، فالأكفأ بغض النظر عن نوعه أو لونه أو عرقه أو دينه هو من ينتخبه الشعب، وطبعاً يعود الفضل بذلك إلى بناء الثقافة الديمقراطية لدى المواطنين من المدرسة والجامعة والحزب. سألته هل يتم شراء الأصوات، فلم يفهم سؤالي باعتباره غريب، فغيّرت الموضوع بسؤاله عن مراقبة الانتخابات من يقوم بها، فأجاب بدون تردّد طبعاً ما تسمونه المجتمع المدني، وتقوم الدولة بكل ما هو ممكن لتمكين المجتمع المدني بالتعاون مع القضاة من مراقبة نزاهة الانتخابات.
ثم بدأ يصف أكثر فأكثر بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في بلده إلا أني في هذه اللحظات استيقظت من نومي فزعاً، ولم أعرف أكان ما رأيته رؤيا من الله أم هي كابوساً من الشيطان، بكل الأحوال احتياطاً نفثت أو ربما أكثرعلى يساري واستعذت من الشيطان الرجيم ومن “أبو حرية”، وقرّرت أن أقوم اقرأ تفسيرالأحلام، ولكني للأسف لم أجد حتى اللحظة تفسيراً لما رأيت…
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى