صفحات ثقافية

صحوة الكتاب العربي

null
فخري صالح
خلال السنتين الأخيرتين أقيمت شراكات كثيرة في عالم الترجمة والنشر والجوائز بين مؤسسات عربية وغربية. ومن بين هذه الشراكات الجائزة العالمية للرواية العربية، التي قامت بين مؤسسة الإمارات الخيرية ومؤسسة مان بوكر البريطانية التي تمنح أرفع أو أشهر جائزة أدبية في العالم الأنغلو ساكسوني. وقبل أيام، وخلال معرض الكتاب في فرانكفورت، وقعت مؤسسة قطر عقداً مع دار نشر بلومزبري البريطانية الشهيرة، لإقامة دار نشر مشتركة تنشر الأدب العربي بالعربية والإنكليزية، وتعمل على توسيع رقعة توزيع الكتاب العربي داخل العالم العربي، وفي البلدان الغربية كذلك.
الطموح السابق يبدو من بين الحلول الحقيقية لأزمة توزيع الكتاب العربي، سواء في العالم العربي أو خارجه، بحيث تصبح الكتابة العربية جزءاً من السوق العالمية للنشر. هذا ما تفعله دور النشر في بريطانيا، وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، إذ انها تنشر كتباً مؤلفة أو مترجمة لكتاب من شمال الأرض وجنوبها، ولا تهتم بأن يكون الكاتب منتمياً الى جنسية البلد الذي تعمل ضمنه دور النشر تلك. ما يهمها بالطبع هو الربح ومراكمة الثروة. وذلك لا يتحقق إلا عبر نشر كتب تلاقي صدى لدى القراء وتحصد اهتمام المجال الثقافي بعامة. صحيح أن العاملين في تلك الدور يعرفون ذائقة الجمهور العامة، وهم يوجهون اهتمامهم الى ما يجذب تلك الذائقة، لكنّ وجود قطاعات متعددة من القراء يمكّن دور النشر الغربية من طرح كتب للقراء العاديين، والباحثين عن التسلية، والراغبين في المعرفة، وهواة الأدب الرفيع…
يحتاج العالم العربي إلى هذا النوع من التفكير في قطاع النشر بحيث يتمكن من توسيع رقعة القراءة في البلدان العربية المختلفة. وقد يقول البعض إن الرقابة، التي لا تريد أن تعترف بأن هناك ما هو أخطر على «أمن» الدول من الكتب، هي العقبة الأولى والأساسية التي تحول دون عبور الكتاب من بلد عربي إلى بلد عربي آخر. لكن هذا العذر الرقابي ليس السبب الوحيد لتخلف صناعة النشر العربية، وتدني أرقام التوزيع بصورة مرعبة تضع العالم العربي في أسفل قائمة الدول التي يقرأ سكانها خارج ما هو مطلوب منهم في المدارس والمعاهد والجامعات.
أظن أن على العاملين في قطاع النشر في البلدان العربية المختلفة أن يعترفوا بضعف برامج النشر وهلهلة آليات التوزيع حتى يمكنهم أن ينهضوا بصناعة نشر عربية تشجع الكتاب والمؤلفين والمترجمين والناشرين والموزعين على تطوير عملهم. ولا يكون ذلك إلا عبر فتح أسواق جديدة وتطوير الأسواق العتيقة التي أصابها الترهل، ودفع الراغبين في القراءة لكي يقرأوا من خلال طرح عناوين جاذبة لهؤلاء القراء. بهذه الطريقة أصبح عدد دور النشر الغربية كبيراً، وتوسعت سوق النشر والتوزيع في البلدان الغربية التي أصبحنا نسعى لتقليد تجربتها في صناعة النشر.
لكن ازدهار صناعة النشر لا يتحقق إلا من خلال التعاون بين دور النشر والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام، إذ ان مهمة دور النشر هي طرح الكتب في الأسواق، فيما على المؤسسات التعليمية أن تشجع عادة القراءة. أما وسائل الإعلام فعليها أن تشير على القراء بالاطلاع على أفضل ما تنشره دور النشر. ومن دون تعاون حقيقي بين هذه القطاعات الثلاثة يصعب أن يخرج الكتاب العربي من غفوته التي يغط فيها منذ سنوات.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى