سلامة كيلةصفحات العالمما يحدث في لبنان

أزمة لبنان ليست خارجية إنها في تركيبه الطائفي

سلامة كيلة
من يتابع تشكيل الوزارة اللبنانية يلمس مدى الأزمة التي يعيشها لبنان، حيث مرّت الأشهر دون مقدرة على تشكيلها. كل الأطراف تلقي اللوم على الخارج: الإقليمي أو الدولي. طبعاً كل طرف يتهم قوى خارجية بالتعطيل عبر الطرف الآخر. لكن في كل الأحوال هناك أزمة حيث هناك عجز عن التشكيل، رغم أن الانتخابات قد أفرزت أغلبية وأقلية، وفي الوضع الطبيعي يكون منطقياً أن تشكل الأغلبية الوزارة وتتحوّل الأقلية إلى المعارضة، هذا هو أبسط منطق ديموقراطي. المشكلة أن لبنان الديموقراطي يبدو خارج كل ديموقراطية، لأن التشكيل لا يخضع لنتيجة الانتخابات بل للتوازنات الطائفية، حيث يجب تمثيل كل الطوائف بأوزانها. ولقد أفرزت الانتخابات أغلبية من لون طائفي (ونصف)، وأقلية من لون طائفي (ونصف كذلك). وأي تجاهل لهذه المعادلة سوف يشلّ الوضع، ويقسم البلد، وهنا لا يعود لنتيجة الانتخابات أي أهمية لأن الأقلية لا ترضى بأن تكون معارضة بل انها مصممة على تمثيل طائفتها في الوزارة انطلاقاً من أن ذلك هو الأمر الطبيعي.
أكثر من ذلك انتشرت نغمة أن الانتخابات أتت بأغلبية برلمانية دون أن تحصل على الأغلبية الشعبية التي كانت مع المعارضة، انطلاقاً من أن مجموع أصوات المعارضة هو أكثر من مجموع أصوات الأغلبية. وإذا كانت قدرة الحشد لدى المعارضة هي أكبر مما هي لدى الأغلبية، فإن التحديد الطائفي المسبق لعدد مقاعد الطوائف هو الذي أنتج هذا الوضع. وبالتالي فإن حجم الأصوات ليس هو المحدِّد لحجم الكتل البرلمانية في النهاية بل ان حجم الطوائف هو الذي يحددها.
ربما كانت هي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي تتبلور فيها الصراعات في الشكل الذي يظهر عمق المشكل الطائفي. وربما كانت القوة المسلحة لحزب الله هي التي أعطت للمسألة هذا الطابع الواضح. حيث ان الأمر الواضح هو أن تناقضاً عميقاً بات يحكم العلاقة بين الديموقراطية وشكلها في لبنان، لقد بات الفارق واضحاً بين نتائج الانتخابات وطبيعة الحكومة التي يجب أن تتشكل، وهو الأمر الذي تجري تغطيته بالإشارة إلى «الوحدة الوطنية». و«الوحدة الوطنية» هي النتاج الطبيعي لنظام يقوم على التقاسم الطائفي، حيث ليس من الممكن أن تكون الدولة دون توافق الطوائف بغض النظر عن الانتخابات. وهنا لا يكون لمعنى الأغلبية والأقلية سوى اختيار رئيس الوزراء، الذي يجب أن يمثل الأغلبية.
طبعاً ليس من خلاف على البرنامج الاقتصادي، وليس من خلافات كبيرة على العلاقات الإقليمية والدولية. وهذه قضايا لم تطرح في الغالب. فالأغلبية ماضية في برنامجها الليبرالي الذي أغرق لبنان في مديونية عالية، وهي تمركز تحالفاتها، لكنها تحس بأنها ليست قادرة على الحكم وحيدة نتيجة ميزان القوى المحلي المختل، ليس بفعل سلاح حزب الله فقط، بل بفعل الوضع الديموغرافي الجديد من جهة، ومصالح الفئات البرجوازية من الطوائف الأخرى (الشيعة والمسيحيين كذلك) من جهة أخرى. فقد أصبحت المصالح الفئوية أكبر من أن تحلّ عبر تسوية بسيطة. وبهذا باتت التركيبة الطائفية للدولة على شفير التفجر.
إن مشكلة تشكيل الحكومة هي بالأساس مشكلة التركيبة الطائفية للدولة اللبنانية، والصراعات التي تجري هي على تقاسم المصالح، وإن كانت تتخذ شكلاً طائفياً. والأزمة الأكبر تكمن في أنها تتخذ شكلاً طائفياً. ولهذا لن تحلها نتائج انتخابات ديموقراطية، كما لا تحلها حكومة «وحدة وطنية»، حيث ستبقى الصراعات هي ذاتها ما لم يجر التوافق على المصالح أولاً، وهذا أمر صعب إلى الآن كما يبدو من طبيعة الصراعات ذاتها. فالحريرية لا زالت تتمسك بسيطرتها مستندة إلى تحالفها السعودي/العربي والدولي، والرأسمال «الشيعي» لا زال يستند إلى التحالف السوري الإيراني، ورمزية المقاومة في الشارع العربي. وبينهما يستقوي قطاع من البرجوازية «المسيحية» بالحريرية، وآخر بالحلف السوري الإيراني، أو باللعب في معادلة الصراع بالاتكاء على هذا الحلف. رغم أن هذه البرجوازية هي التي كانت مهيمنة، ومتحكمة بالتحالف الطبقي الحاكم، وإذا كانت الحرب الأهلية قد أنهكتها فقد اكتشفت أن رفيق الحريري كان قد هيمن على مواقعها الاقتصادية، وسحب جزءاً مهماً من صلاحيات الرئاسة خاصتها في خضم إعادة تركيب الدولة اللبنانية في اتفاق الطائف. وهذا، ربما، ما دفع الجنرال عون إلى إعادة الحديث عن صلاحيات رئيس الجمهورية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى