صفحات سورية

هل ستكون خسارة أوباما على يد رايت؟

null

ألكسندر كوكبرن

يحدث في مدينة نيويورك كل بضع سنين أن تترامى إلى مسامع رجال الشرطة فيها زمجرة خطر داهم يحدق بهم وبمدينتهم فيهبوا لوأد الخطر في مهده وإخماد الشر قبل أن يستفحل ويدمر.

واليوم برأت المحكمة ثلاثة من ضباط الشرطة اتهموا بقتل الشاب الأمريكي الأعزل، الذي كان ما يزال عريساً وقتها، سين بيل، بأن عاجلوه بخمسين طلقة اعتبروها ضرورية لدرء هذا الشر الذي اشتبهوا مجرد شبهة في أنه يمثل خطراً، ولطرده من نادٍ ليلي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام ،2006 فأردوه قتيلاً يتخبط بدمه ورحل ولم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره.

في محكمة حي كوينز ارتأى القاضي أن رجال الشرطة الذين مزقوا سين بيل، إرباً في ليلة زفافه أن رجال الشرطة كانوا في حالة ذعر يمكن تفهمه، رغم أن بيل لم يكن مسلحاً كما تبين. وكالمعتاد خرج رجال الشرطة من المعمعة أبرياء ولم يمسسهم سوء، إلا أن العرف العام وحس الناس العفوي لم يستسغ هذا الحكم الذي يريد أن يقرّ في الأذهان قاعدة تذهب إلى أن القوة تحتاج بين الفينة والأخرى إلى دعامة من العنف المنفلت اللاعقلاني الذي يرتدي زي رجال الأمن.

وكانت الحشود التي خرجت تحتجّ في حي كوينز بعدما برأ القاضي انتوني كوبرمان قاتل بيل وأطلق سراحه هادئة إلى أبعد الحدود، حسبما وجهها أمريكي من أصول إفريقية. وقال باراك أوباما عندما سئل من قبل الصحافيين والاعلاميين عن هذه القضية في انديانا: “نحن أمة القانون ونحن بلد القوانين، لذا فنحن نحترم الحكم حين يصدر، واللجوء إلى العنف للتعبير عن الاستياء من حكم ما، إنما هو أمر غير مقبول البتة بل هو هدام كارثي العواقب.

تصدى أوباما للموضوع إذاً فراح يتكلم وكأنه خريج كلية القانون في جامعة هارفارد. إلا أن منافسة أوباما البيضاء هيلاري كلينتون في ترشيح الحزب الديمقراطي كانت أكثر مناصرة للعدالة في كلامها، فقالت: “هذه المأساة الفظيعة أترعت افئدة أهل نيويورك حزناً وأثارت سخطهم، بل ساءت كل الأمريكيين وأحزنتهم، ومشاعري وأعمق أحاسيسي إنما هي مع زوجته نيكول وأطفالها ومع سائر عائلة سين بيل في هذه الفترة العصيبة. لقد أصدرت المحكمة حكمها ونحن الآن في انتظار نتائج تحقيق لجنة الحقوق المدنية في وزارة العدل.

ونلحظ هنا أن أوباما أحرز تقدماً على درب التطمينات، حيث ان كل مرشح تدنو خطواته من البيت الأبيض يسارع فيعرب عن وفائه لمعيار العنف غير العقلاني وولائه لهذا المبدأ، فشأنه شأن ماكين وهيلاري كلينتون هذا العام أفصح أوباما ورفع صوته عالياً ليؤكد أنه سيجتث أعداء أمريكا ويستأصل شأفتهم بالأسلحة النووية والصواريخ. إلا أن البعض لاموه لأنه لم يحبّذ إمطار سلسلة جبال هندوكوش بالقنابل النووية، الأمر الذي وشى بأنه يميل أحياناً إلى جانب التعقّل.

ونظراً إلى ان مظهر أوباما ينم عن أن نصفه أسود وشطره الآخر أبيض، والمظهر في مثل هذه القضايا له أهمية قصوى ويؤثر في المشهد كله، فقد تعامل باراك مع مسألة اللون بأن أعلن عن أن العرق واللون لم يعودا من العوامل التي تؤرق أمريكا وتقض مضجعها أو تزعجها، وينبغي ألا نغالي أبداً في خطورة هذا الجانب، وفي سيلما في ولاية ألاباما أعلن أن السود “قد قطعوا 90% من الشوط لنيل حقوقهم والظفر بالمساواة المنشودة”. وقال مرّة: “إن أنا خسرت المعركة وأخفقت في بلوغ سدّة الرئاسة فلن يكون هذا بسبب اللون أو العرق بل بسبب اخطاء ارتكبتها في لجّة حملتي الانتخابية.

وفي نهاية المطاف، إذا أخفق باراك أوباما في كسب ترشيح الحزب الديمقراطي ونيل رضاه النهائي، ومالت الكفة لمصلحة منافسته هيلاري كلينتون فلن تكون الأصوات الديمقراطية هي المسؤولة عن ذلك، ولا “عنصرية” المجتمع الأمريكي، التي بات الحديث عنها أحد العوامل الضاغطة في هذه المعركة بل سيرجع السبب الرئيسي إلى ذلك الخطاب الاستفزازي التحريضي الذي أطلقه القس جيرميارايت، الذي يصفه أوباما بأنه “مرشده الروحي” منذ أكثر من عشرين سنة، والرجل الذي “دلّه على الله” وأشرف على زواجه وعلى عمادة أولاده. وإذا شئنا سبر الأغوار قلنا إن السبب سيرجع أساساً إلى تشكيك الأمريكيين، لا سيما البيض منهم في صدقية أوباما عندما يقول إنه يختلف مع رايت في نظرته إلى البيض وفي ولائه لبلاده. إذ على المرشح للرئاسة الأمريكية أن يكون على خلاف مع الرجل الذي يدعو اتباعه إلى إنشاد “لعنة الله على أمريكا” بدلاً من “حمى الله أمريكا”، كما في نشيدها الوطني، ثم يظل مواظباً بتفان على متابعة حلقاته الدينية وإرشاداته على مدى هذه الفترة الطويلة؟ ولماذا لم تظهر هذه “الخلافات” بين أوباما ورايت إلا بعد أن كشفت وسائل الاعلام الأمريكية عن العظات التي يلقيها رايت في كنائس شيكاغو التي تغصّ بأتباعه من السود؟ إن ما عجز أوباما عن إيصاله إلى المجتمع الأمريكي بعد العاصفة الأخيرة هو صورة الزعيم الأسود القادر على التسامي على تاريخ الحقد العنصري وتبادل الاتهامات.

فهل سيكون رايت سبب خسارة أوباما الرئاسة؟

أشك في هذا، فثمة فئة كبرى من الأمريكان لن تفكر مجرد تفكير بانتخابه ولن تصوت له أبداً، لأن مظهره يدل على أنه رجل أسود، سواء كان هذا بسبب لونه أو بسبب الظلال السود التي ألقاها عليه شبح رايت القس المتهم بالتعصب، وهناك شطر من الأمريكان ممن ذكرتهم كلمات رايت بأن أوباما مهما فعل ومهما قال فإن هناك جماهير ضخمة من السود الذين أترعت قلوبهم بالغضب، إلا أن هؤلاء رأوا بأم أعينهم أوباما وهو أبعد ما يكون عن السخط، بل ولا يريد أن يطالب أبداً بتعويضات عن عهود العبودية التي تلظى السود بنارها عبر العصور، كما لم يجرؤ على المطالبة بالعدالة لسين بيل. وهو ورايت في ركنين متضادين في الحلبة. وربما ساعد هذا الأمر أوباما إذ يجابه رجلاً أسود كما يجابه البيض ويقف ضده


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى