صفحات الناسفلورنس غزلان

كي لاننسى

null
فلورنس غزلان
من واجب  كل ذي ضمير حي وطني أم إنساني، أن يستمر في التذكير ويستمر في نبش مايراد له أن يُطمر ويُمسح من ذاكرة المواطن السوري، أمام استمرار محاولات السلطة  إضفاء المزيد من التعتيم والمزيد من الايغال في طمس الحقائق واعتبار الحق الإنساني مجرد صوت ناشز غربي يراد منه المساس بكرامة وسيادة الدولة وهيبتها الوطنية!، وكأن عباد الله وسجناء الرأي مجرد حشرات أُرسل بها من الخارج لتضرب حصون الممانعة وأواصر القومية والعروبة ، التي ترتفع راياتها عالية خفاقة تفرح الصديق وتفقأ عين العدو! ، وسجن صيدنايا الذي طغت أحداثه الدامية العام الفائت ونغصت عيش كل ذي قلب وعقل إنساني،  وفتحت جروح الماضي الأليم وذكريات سجن تدمروأحداث حماة على مصراعيها لتثبت لمن أعماه الحس والشعور الوطني، أن الماضي ابن الحاضر عند النظام وأن الحاضر امتداد للماضي،  وأن الاستبداد والنظام الشمولي لايعرف سوى لغة الاعتقال والحديد ولايخاطب شعبه إلا بلغة العنف والنار حتى عندما يكونون سجناء عزل يقبعون خلف قضبانه المُمانِعَة ، مالذي طرأ هذا العام على سجن صيدنايا المنكوب؟ ــ حسب المصادر الحقوقية أنه يضم مايعادل ألفي معتقل من مختلف الانتماءات الدينية والسياسية ، وحتى العربية” من فلسطينيين، أردنيين وسعوديين ” ــ سُلمت جثة أحد السجناء الأردنيين لذويه ــ ،  ورُفعت احتجاجات للسلطات السورية تطالب بإطلاق سراح مواطنيها ، أو محاكمتهم محاكمات عادلة وعلنية وشفافة،  من لجنة أردنية شُكلت للدفاع عن السجناء الأردنيين في السجون السورية وخاصة سجن صيدنايا.
ــ حسب مصادر لجان حقوق الانسان السورية والمنظمات العالمية المدافعة عن هذا الحق، فقد تسربت أنباء عن سماح السلطة لبعض أسر المعتقلين في سجن صيدنايا والذين منعت عنهم الزيارة منذ 5/ 7/ 2008  ولم يسمح لذوي المعتقلين بأي تواصل معهم ولا معرفة مصير أبناءهم وحسب الخبر أن بعض السجناء تمت زيارتهم ، إنما حدثت الزيارات بشكل فردي وغير جماعي وبأوقات متفرقة ، لكنها منعت عن عديد  من السجناء الآخرين!.
ــ لم يُكشَف حتى الآن عن مصير العديد من السجناء، سواء منهم القتلى أو الجرحى ، أو من انتهت مدة محكوميتهم ولم يطلق سراحهم حتى اليوم!، وخير مثال على ذلك مصير السجين الناشط الحقوقي ( نزار رستناوي )، والذي انتهت مدة حكمه ــ أربع سنوات ــ في 14/ نيسان / 2009 وحتى اليوم لم يسمح لأهله بزيارته ولم يعرف مصيره منذ الأحداث الدامية ، وقد مر عليها أكثر من عام، هل هو بعداد المفقودين نهائيا؟ هل هو ممن قضوا في الأحداث؟ هل قضي عليه وتم تغييبه ؟ ، بالطبع هذه ليست حاله خاصة بل مثلها حالات الكثير من سجناء صيدنايا ، ممن لم يطلق سراحهم وقد مضى على انتهاء محكوميتهم أعواماً طويلة ، وهناك من مضى عليهم أكثر من ربع قرن وقضوا جل عمرهم في السجن بين تدمر سابقاً وصيدنايا لاحقاً، ولانعرف هل هم بعداد الأموات أم الأحياء؟
ــ تم تأجيل الكثير من المحاكمات لسجناء داخل هذا المعتقل وذلك بعد الأحداث، بعضها بدأت محاكماتهم منذ بعض الوقت هذا العام كما هي حال بعض المدونين السوريين ، وبعضها الآخر مازال مُؤجَلاً، هل هم على قيد الحياة والتأجيل مستمر إلى أجل غير مسمى؟ أم أن أمراً وحكماً جديدا بانتظارهم؟
ــ أرسلت النيابة العسكرية العامة بدمشق ، رسالة لذوي المعتقل الكردي ( خوشناف سليمان بن محمد جميل مواليد 1972 ناحية عفرين    ) منذ عام 1998 بعد عودته من موسكو ، حيث أنهى دراسة الصيدلة هناك، وتم إلقاء القبض عليه فور عودته وأودع سجن صيدنايا بعد التحقيق والتعذيب طبعاً ، بتهمة انتمائه لحزب العمال الكردستاني ـ  يخبرونهم بالرسالة نبأ وفاة ابنهم منذ 31/ 9/ 2003 مشفوعة بشهادة وفاة تحمل هذا التاريخ ، لكن الرسالة وصلتهم في أوائل شهر أيلول الجاري ! وبالطبع إشعار دون رفات لابنهم يمكنهم من دفنه في مدافنهم العائلية ويؤكد لهم صحة الخبر بشكل ملموس !..
لماذا انتظرت السلطة كل هذه الأعوام حتى تبلغ ذويه بوفاته؟ علما أن أخبار الأهل تقول أنه حتى عام 2007 كان على قيد الحياة!
بكل تأكيد ستصل رسائل مماثلة وبشكل فردي لذوي آخرين ، أي يتم بلع وتبليع الموت بشكل فردي ومتقطع مترافق مع تهديد ووعيد وتخويف حتى لايكشف النقاب عما جرى في السجن ولا يعرف الشعب مقدار المأساة ولا حجم الجريمة.
ــ سلمت جثامين 24 شاباً كردياً من المُجندين في الجيش السوري، أي ممن يؤدون خدمة العَلَم ــ وذلك منذ أحداث القامشلي آذار عام 2004 حتى الآن، لم يسمح لذويهم بالكشف على الجثامين ولم تعطى لهم تفسيرات واضحة عن سبب الوفاة، كما لم يتم التحقيق بأسباب الوفاة ـ  وإن تم فإنه يظل طي الكتمان بحجة أنه سر من الأسرار العسكرية! …لماذا الأكراد بالذات وبهذه النسبة؟ ألا يكفي حرمان مايعادل 300 ألف مواطن من حقهم في جنسية البلد الذي ولودوا وعاشوا فيه؟ ، وطالما أن انتماءهم موضع شك وتهمة، لماذا يساقوا لخدمة العلم؟ ألا يدفعهم هذا إلى مزيد من الإحساس بالإقصاء ومزيد من التفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟ ، وبدلا من حل المشكلات العالقة وتذليل الصعوبات العالقة يطالعنا بين يوم وآخر خبر اعتقال تعسفي جديد لأبناء المناطق الكردية وبتهم مُعَدة لكل المواطنين السوريين ، إلى جانب مزيد من الاهمال في خدمات المنطقة ورعايتها ومزيد من الإفقار مما يدفع سكان المنطقة إلى الرحيل عن أرضهم عرباً وأكراداً ، وتضاؤل المساحات المزروعة يوماً بعد يوم نتيجة لتعمد الإهمال للمناطق الزراعية وسقاية الأرض، وهذا يؤدي بالتالي إلى ارتفاع نسبة الزاحفين نحو أحزمة الفقر حول المدن الكبرى ، وقد سبق ونَوَهنا عن خلو مايزيد عن مائة قرية  من سكانها!…لكن النداءات والصرخات والكتابات كلها لم يشفع ولم يأت بنتيجة، لأن آذان الحكومة مصابة بالطرش وعيونها مصابة بالعمى،  ولا ترى سوى مصلحتها المرتبطة بمزيد من التضييق على الحريات ومزيد من القمع والتنكيل بكل فئات الشعب دون استثناء وحشر المزيد من سجناء الرأي في السجون ومنع من السفر والمغادرة لكل صوت حر يدافع عن حقوق الإنسان أو يسجل سطراً في مدونة يمس السلطة من بعيد أو قريب ، وعلى المواطن ألا يعكر مزاج رجال الأمن وأن يشكر ويحمد ويثني على نظام بلده لأن الوطن هو النظام والنظام هو الوطن!،  ولا رؤية سوى هذه القصيدة التي يجب أن يرددها ويحفظها كي تسلم رأسه ويسلم ذويه.
ــ  مجزرة تدمر، يراد لها أن تُمحى من الذاكرة ومن التاريخ، ومذبحة حماة كذلك يجب أن تدفن أسماء الكثير من عائلاتها ومواطنيها، يريدون أن يكتبوا التاريخ بحبرهم القمعي ، ولو تمكنوا من قتل وفقأ كل عين شاهدة  لما توانوا عن فعلها، لكن تاريخ الشعوب لايموت طالما أننا لانتوقف عن روايته لأولادنا ونعيد مأساة شعب تجرع ويتجرع ظلم ديكتاتورية نادرة النوع والصنف تريدنا أن ننسى!  فهل سننسى ونمنحها بطاقة شرف قتلنا والفتك بنا؟ هل ننسى ونعطيها وسام موت مستمر ونغطي على جرائمها؟ تذكروا واستمروا في إحياء ذكرى كل إنسان قضى من أجل قناعاته مهما كان انتماءه السياسي، فلا يحق لنظام أن ينتهك حقه في إبداء رأيه ولا أن يحاسبه على اختلافه، ولا يحق لنظام في العالم ألا يحمي مواطنيه وحقهم في الحياة الحرة الكريمة ، التي تضمنها حقوق الانسان والمعاهدات الدولية التي وقع عليها هذا النظام، بالاضافة إلى القانون السوري نفسه، لهذا علينا أن نستمر في التذكير بكل معتقل وأن نستمر بالمطالبة في حقه بالحرية، وإن كان مذنباً أن يحاكم محاكمة علنية عادلة تضمنها الشرائع والقوانين السورية والعالمية لاقانون الطواري والمحاكم الاستثنائية،  ونستمر في إبقاء شعلة ذكراهم حية فينا وعبرة لكل مواطني سورية حاضرا ومستقبلاً….لن نمل من الإعادة ولن نمل من التكرار ولن تتوقف الذكرى ..ولن ننسى…لن ننسى وسنطالب الكون برمته بحقنا في الحياة الحرة الكريمة، وحقنا في محاكمة المجرمين عما ارتكبوا من مجازر وجرائم بحق أبناء الشعب السوري.
ــ باريس 30/ 09 / 2009

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى