صفحات سورية

مناورة تستحق خوضها

null

محمود الريماوي

ليست جديدة الدعوات لاستئناف المفاوضات السورية “الاسرائيلية”، ولا حتى الاستعداد لإعادة هضبة الجولان. غير أن المثير في الأمر أن حكومة اليمين الجديد في تل أبيب (حكومة كاديما) ليست من الحكومات التي تؤمن بخيار السلام ومستلزماته.
تشهد على ذلك الحرب التي شنت على لبنان صيف العام 2006. ورفض تبادل الأسرى مع حزب الله. ورفض تبادل أسرى مع خاطفي الجندي جلعاد شاليت في غزة. والحرب الدائمة على قطاع غزة والضفة الغربية. وتحول المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى مجرد مباحثات، ونقاش شبه أكاديمي حول المفاهيم وهو ما حمل الرئيس بوش بعد استقباله للرئيس عباس قبل أيام في البيت الأبيض على القول بأنه أي بوش متفائل، بأنه سيتم التوصل الى تعريف للدولة الفلسطينية مع نهاية ولايته واختتام العام الجاري.

الراجح أن وراء هذه الدعوات مناورة كبرى وهو مما يبرع فيه أولمرت، الذي يستطيع وصف أعمال إبادة بأنها “جهود تبذلها حكومته لدعم المسيرة السلمية”. فهو يملك مخاطبة الآخرين بما يستهويهم كيما ينتزع ويمرر ما يريده.يعرف أن العالم أجمع لا السوريون فقط لا يرون سلاماً بغير عودة الجولان.فيسارع لطرح هذه الفكرة بما تثيره من مفاجأة كبيرة وإيجابية، ويعمل على التو بعد أن تقابل خطوته بالارتياح لطرح مطالب خاصة به، فإذا ما جرى رفضها يسعه القول إن السوريين لا يريدون السلام ولا حتى استعادة الجولان!. فيتحول الضغط (السياسي والمعنوي) حينئذ على الجانب السوري غير المتجاوب، والذي لا يريد أن يؤدي ما عليه من استحقاقات.

الوساطة التركية القديمة تبحث عن اختراق على جبهة المفاوضات المعطلة بين دمشق وتل أبيب.الأتراك يسعون للعب دور إقليمي، يقوم على تعزيز فرص الاستقرار وبث رسالة مفادها، أنه إذا كانت طهران تعين دمشق على التحضر للحرب أو رد عدوان “اسرائيلي” عليها، فإن أنقرة بوسعها شق الطريق نحو السلام وتجنيب المنطقة مخاطر المواجهات. تل أبيب تسعى من خلال ذلك لاستعادة زخم تعاونها العسكري والأمني الذي انخفضت وتيرته أو أنه أصبح بغير غطاء سياسي، في عهد حزب العدالة والتنمية بعدما تثبت تل أبيب أنها متجاوبة مع الجهود التركية. أما دمشق فتسعى خلال ذلك للاستفادة من هذه المعادلات لاستعادة أراضيها. وهو سعي مشروع بل مطلوب.

المنتظر تبعاً لذلك أن يكون العنوان هو التخلي عن الجولان، أما المضمون فهو وضع جملة من الاشتراطات التي يكون من شأن تنفيذها استثمار حالة الاحتلال بإدامة النفوذ والمزايا في الهضبة وما حولها. وقد تسربت أنباء عن الوسطاء الأتراك تفيد بأن تل ابيب ترغب ابتداء الحفاظ على مشروعات اقتصادية وسياحية أقامتها خلال العقود الأربعة الماضية، وتمكن “الاسرائيليين” من الاستفادة منها ساعة يشاؤون وعبورها من دون تأشيرة!.

يراد هنا تكرار سابقة وادي عربة في الاتفاقية الاردنية “الاسرائيلية” التي تم بموجبها استئجار أراض ل 25 سنة وتتجدد اتفاقية الاستئجار او لا تتجدد برضى الطرفين ينتهي مفعولها في العام 2020). غير أن الأردن اضطر للموافقة على مضض على الاتفاقية لإنقاذ أراض في غرب البلاد كانت الوكالة اليهودية قد اشترتها من أفراد منذ مطالع القرن الماضي. وقد تخلى “الاسرائيليون” عن تلك الأراضي، مقابل استئجارهم لأراض في وادي عربة يرتفع عليها العلم الأردني.

يراد تكرار شيء من ذلك على الجبهة السورية، علاوة على اتفاقيات عسكرية وأمنية تفصيلية تحد وتبطل أية مواجهة في المستقبل وتحرم الطرف السوري من زمام المبادرة. علاوة على المطالب الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة دمشق مع طهران وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي.

اللافت في الأمر أن ما يتم عرضه هو أشبه بصفقة، وليس الاستعداد لاستئناف التفاوض وفق مرجعية محددة وجدول زمني متفق عليه. ذلك ما يتفق مع ما ذهبنا اليه في مستهل هذه المقالة، بأن حكومة أولمرت لا تؤمن بأسلوب التفاوض على أساس الندية والذي يضع السلوك “الاسرائيلي” تحت المراقبة.الأفضل هو التلويح بصفقة والضغط عن بُعد على الطرف الآخر، فإما أن يقبل ويستجيب للضغوط وتتحقق الأهداف “الإسرائيلية”، أو يرفض ويتحمل تبعة “تعنته” وتزداد الضغوط عليه.

لدى دمشق خبرات متراكمة وقدرة متنامية على المناورة، وهو ما يفسر التعاطي المبدئي “الايجابي” مع العرض الذي تقدم به وسطاء أتراك، كما تنبىء تصريحات مسؤولين سوريين في الأيام الأخيرة. من شأن التقدم إلى الأمام في التباحث حول هذا العرض إشاعة مناخ سياسي جديد في المنطقة، يرفع الضغوط عن دمشق، ويمنح أولوية لإنجاز حلقة جديدة وجدية من حلقات التسوية. قد يتم بذلك تبريد الملف اللبناني وإنجاز حل مجزوء وانتقالي يجنب البلاد شرور المزيد من التنازع.

التباحث حول إعادة الجولان مفيد للغاية رغم محاذيره العملية، إذ يكرس محورية عودة الهضبة الى أصحابها كقاعدة لكل حل. ويؤسس لمفاوضات لاحقة على هذا الأساس، ويبث رسالة للمجتمع “الاسرائيلي” فحواها أن لا سلام مع دوام الاستيلاء على المرتفعات السورية.

وحتى تاريخه فالأمر يدخل في باب المناورات، فتل أبيب ترغب أن ينتهي العام الجاري وقد أعطت انطباعاً قوياً بأنها سائرة على طريق التسوية، حتى مع التغول الاستيطاني في الضفة الغربية. في هذه الأثناء فإن مراقبة السلوك الأمريكي أمر على جانب من الأهمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى