التفاوض السوري الإسرائيلي

سورية العروبة وعروبة المعتدلين

null
زهير اندراوس
وجّه وزير الأمن الإسرائيلي ايهود باراك منتصف الأسبوع الماضي تهديداً شديد اللهجة إلى كل من سورية وحزب الله، مشيراً إلى أنّ جيش الاحتلال لا يتدرب بالأسلحة الحيّة وبهذه الكثافة في هضبة الجولان العربية السورية المحتلة بالصدفة، بل عن سبق الإصرار والترصد، أي بكلمات أخرى باراك يريد الحرب على سورية، وهي بالمناسبة الدولة العربية الوحيدة التي بقيت في معسكر الممانعة، بعدما هرولت معظم الدول العربية إلى التطبيع مع الدولة العبرية سراً وعلانية. سورية وعلينا الإقرار والاعتراف بذلك، تُحارب على عدة جبهات، أوّلها جبهة الدول العربية المصنفة أمريكياً وإسرائيلياً بأنّها دول معتدلةً، مثل المملكة العربية السعودية ومصر والمملكة الأردنية الهاشمية، هذه الدول والعديد من الدول الأخرى، الأعضاء في نادي ما أسميه (حظائر سايكس بيكو) استأسدت على سورية بهدف جرّها إلى المعسكر المعتدل، الذي يسير حسب الأهواء الصهيو أمريكية، وزمرة المحافظين الجدد التي جلبت الويلات على العالمين العربي والإسلامي خلال فترتي ولاية الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. بموازاة التهديد الصادر عن رئيس حزب العمل ووزير الحرب، نلاحظ أنّ مستشاري رئيس الوزراء ايهود اولمرت، يواصلون المفاوضات غير المباشرة مع سورية عن طريق الوسطاء الأتراك، ويقومون بدّس الأخبار في صحافة البلاط العبرية مفادها أنّ اولمرت يعمل على تحويل المفاوضات إلى مفاوضات مباشرة مع السوريين. فمن نُصدّق يا ترى، رئيس الوزراء المتهم بالفساد والرشا، أم وزير الأمن الذي كان متهماً في السابق بتمويل معركته الانتخابية عن طريق إقامة جمعيات وهمية؟ من ناحية أخرى، نرى أنّ إسرائيل لم ولن تكف عن تحطيم فرص السلام مع جيرانها العرب، ومن ثم توجيه أصابع الاتهام إليهم، مضافاً إلى ذلك، فإنّ أقطاب هذه الدولة يواصلون عزف موسيقى النشاز، حسب خطة مرسومة لتوزيع الأدوار، فهذا يجري مفاوضات، والثاني يهدد بالحروب. وهذه السياسية الإسرائيلية باتت لا تنطلي على أحد، إلا على بعض المحافظين الجدد من العرب، الذين يكتبون في صحافتهم كل ما يخدم المشروع الأمريكي-الإسرائيلي لإذلال سورية وإدخالها إلى بيت الطاعة المشوه أصلاً وفصلاً.
سورية وعلى الرغم من الضغوط العربية والغربية، وتحديداً الأمريكية لم تتنازل قيد أنملة عن موقفها الثابت والقاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية التي احتلتها في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، ولعلّ حكام هذه الدولة يتذكرون أنّ سبب فشل المفاوضات السابقة مع السوريين كان بسبب إصرارهم على عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية القاضية بانسحابهم من الأراضي التي سلبوها بقوة السلاح، وليس سراً أنّ إسرائيل هي أكثر دولة مارقة في العالم، إذ أنّها لم تُنفذ حتى اليوم أكثر من ستين قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
المأساة تكمن في أنّ المرشح لرئاسة حزب كاديما، وزير الحرب السابق شاؤول موفاز، الذي يعتبر من صقور اليمين المتطرف في إسرائيل يقول إنّه على استعداد للسلام مع سورية، وفق المعادلة القائلة السلام مقابل السلام، أي أنّ إسرائيل مستعدة لمنح السلام لسورية مقابل السلام، أما بالنسبة للأراضي العربية المحتلة، فإنّها غير واردة في حسابات الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط، والمطلوب للعدالة في العديد من دول العالم بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عندما كان قائداً لهيئة الأركان العامة ومن ثم وزيراً للأمن في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون. والأنكى من ذلك، أنّ الوزير موفاز، قرر الانتقال للسكن في هضبة الجولان المحتلة لكي يؤكد للقاصي والداني أنّ حكومة برئاسته ستكون أكثر يمينية من حكومة الثنائي اولمرت وباراك، اللذين سجّلا سابقة في جلسة الحكومة الأسبوعية، يوم الأحد، عندما تبادلا الاتهامات الشخصية واستعملا مفردات مثل البعوض والذباب، مع الاعتذار الشديد للهسهس لعدم إدراجه على طاولة البحث في جلسة حكومة اولمرت.
نحن نرى أنّه لن يحدث أيّ اختراق على المسار السوري لأنّ اولمرت سيترك الحلبة السياسية مكرهاً في الشهر القادم، أو في أحسن الحالات بعد عدة أشهر، والرئيس الأمريكي جورج بوش، سيغادر البيت الأبيض في شهر كانون الثاني (يناير) من العام القادم، والسوريون لا يخفون أنّهم لن يتقدموا في المفاوضات مع الدولة العبرية، إلا بعد رحيل بوش المعادي لكل ناطق بالضاد. لكنّ الأمور، باعتقادنا المتواضع جداً لن تسير كما يُخطط صنّاع القرار في دمشق، إسرائيل لا تريد السلام مع سورية، نقطة وألف سطر جديد، والإدارة الأمريكية القادمة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، أوبامية أم ماكينية، ستسير وفق المصالح الإسرائيلية التي تسعى بشكل حثيث إلى عدم إنهاء حالة اللا حرب واللا سلام مع سورية، ولا نكشف سراً إذا جزمنا أنّ أقطاب الدولة العبرية الحاليين والقادمين، لن يهدأ لهم بالاً إلا بعد الثأر، فعقلية العربدة الإسرائيلية تعتمد على الثأر، ومواصلة الأبواق الرسمية في الدولة العبرية باتهام سورية بتزويد حزب الله اللبناني بالأسلحة والعتاد القادم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومطالبتها بقطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران، ما هو إلا تحضير التربة الخصبة للانقضاض على سورية ولبنان، وبالتالي لا نستبعد البتة أن تشن هذه الدولة عدواناً على سورية ولبنان، انتقاماً لهزيمتها في حرب لبنان الثانية، وهزيمة المشروع الأمريكي بفرض حكومة موالية له في لبنان، ولعل أبرز ما يمكن أن نورده في هذا السياق هو الإعلان الحكومي اللبناني الذي يعترف بحق حزب الله في المقاومة، وتحسين العلاقات بين سورية ولبنان والتي تُوجت بزيارة الرئيس ميشال سليمان إلى دمشق، بعد ثلاث سنوات من القطيعة.
‘ كاتب من أسرة ‘القدس العربي’

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى