سلامة كيلةصفحات مختارة

دور الحزب الشيوعي في الدولة الطائفية

سلامة كيلة
ما دام الحزب الشيوعي اللبـناني لم يكـمل إقرار وثائقه التي نوقشت في مؤتمره التاسع، ولأجل الاهتمام العالي بالذكرى الخامسة والثمانين لتأسيسه، نورد هنا ملاحظات على مشروع تقيـيم عمل الحـزب بعد المؤتمر الوطني التاسع.
ربما كان هناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى حوار في مشروع التقييم، رغم أن فيه طرحاً هاماً من زاوية تناول سياسات الحزب، وتفاعلاته مع القوى الأخرى خلال الصراعات التي مرّ بها لبنان في الفترة المنصرمة. وما من شك في أن دور الحزب العملي، وسياساته اليومية، وتحالفاته، هي مسائل أساسية في تطوير وضعه أو تراجعه. ولقد شدد مشروع التقرير على الاستقلالية التي حاول الحزب ممارستها في خضم الصراعات العاصفة التي مرت، ربما كان فيها بعض «المبالغة»، حيث وقع الحزب في بعض الممارسات التي كانت تضفي بعض الظلال على ذلك.
ما لفتني هو جملة القضايا التي وضعها مشروع التقرير أمام المؤتمر للنقاش كونها قضايا تحتاج إلى بحث وحسم. ما أود نقاشه هو ما لمسته في متن النص من عدم حسم فيما يتعلق بطبيعة السلطة القائمة، أو بشكل أدق ربما، فيما يتعلق بالعلاقة بين طابعها الطائفي وطبيعتها الطبقية، ليوحي باحتمالات «النضال» معها من أجل تجاوز الطابع الطائفي للسلطة، أو النضال ضدها كطبقة لأنها عاجزة عن «إنقاذ النظام»؟
والذي يجعل هذه المسألة يكتنفها بعض الغموض هو أن ما يطرح كمهمات يوحي أحياناً بـ«ميل إصلاحي»، مثل الدعوة إلى «الإصلاح كمدخل لإعادة تكوين الوطن اللبناني». ومثل المطالبة بحقوق «الفئات الكادحة». أو الدعوة لـ«عقد اجتماعي جديد». هذه «المهمات» التي توحي بأن السياسة العامة للحزب تقوم على إصلاح النظام السياسي. وبالتالي يصبح هدف الدولة الديموقراطية العلمانية هو «جوهر» سياسة الحزب، بعيداً عن الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وبقية الطبقات الشعبية.
ربما كان النقاش حول القضية الأولى التي يطرحها مشروع التقرير كقضية تستحق البحث، وأيضاً اعتبار أنها القضية الأولى، ولكل ذلك أهمية، ربما كان النقاش حولها يفتح الأفق لما أشرت إليه للتو. حيث يجري التساؤل في هذه القضية حول قدرة السلطة الطائفية ـ الطبقية على إنقاذ النظام. ويكمل التساؤل في هل تريد كلها أو بعضاً منها بناء الدولة الوطنية العصرية؟ أم أنها كلها تبقى ضمن حدود التقاسم ـ التحاصص، الذي يضمن استمرار سيطرة البرجوازية؟ ويجيب في أن الرؤية تتحدد في عدم قدرة وعدم رغبة «هذه الفئة المتسلطة»، على التوافق على إنقاذ البلد. ويكمل بأن خيارها الدائم هو تفصيل الوطن على مقاسها ومصالحها الفئوية والطائفية والشخصية بدل تعزيز حرية واستقلال وسيادة الوطن.
إذن، هنا حسم بأن مصالح الطبقة المسيطرة لا تتوافق مع «إنقاذ البلد». هنا لا تعود المسألة هي مسألة طبيعة النظام، أو المقدرة على إصلاحه، بل تعود مسألة الصراع ضد الطبقة المسيطرة كطبقة، بغض النظر عن كل أشكال لعبها بالمسألة الطائفية. حيث أن لبنان تشكل على أساس طائفي تحديداً لضمان سيطرة هذه الطبقة (بغض النظر عن لونها الطائفي المهيمن)، وهنا اندغم الاستغلال الطبقي بالسمة الطائفية، وأصبح النضال الطبقي يحوّل إلى صراع طائفي من قبلها لكي تضمن هيمنتها. ولقد بدت كل الصراعات السابقة كسعي من قبل جناح طائفي فيها إلى تعزيز نفوذه وسطوته في السلطة الطبقية ذاتها. التدامج الطبقي الطائفي هو من سمات الدولة اللبنانية منذ أن نشأت، وهو أساس وجودها بالتالي. ولا يمكن من ثم تأسيس دولة وطنية عصرية في ظلها. بمعنى أن التغيير السياسي هنا (الذي هو إصلاحي) ليس ممكناً في ظلها. وبالتالي فهو مرتبط بطبقات أخرى، هي حصراً العمال والفلاحون الفقراء، في إطار تحالف مع الفئات الوسطى.
هذا ما يجب أن يكون أساس الرؤية، وبالتالي أساس البرنامج. ومن ثم لا يجب أن يكون هناك وهم بإمكانية الإصلاح. رغم أهمية التركيز على الدولة العصرية: الدولة الديموقراطية العلمانية، والحاجة إلى كشف كل أشكال الصراعات الطائفية، والتركيز على كل ما هو طبقي، ووطني. هذا ما يجب أن تكون روحية البرنامج وأهدافه. وإلا لن يكون ممكناً بناء تحالفات صحيحة، أو لعب دور مستقل، أو كسب قطاعات شعبية باتت الأزمة الاقتصادية تسحقها.
وانطلاقاً من ذلك يجب إفراد مساحة أكبر، وأهم، للأزمة الفكرية التي عصفت بالحزب وبالحركة الشيوعية ككل. حيث أن الرؤى الفكرية السابقة هي التي كانت تنتج سياسات «ذيلية»، وتكتيكات خاطئة، رغم التقدير لكل التاريخ النضالي للحزب، ومحاولته تجاوز الرؤى العتيقة المعلبة التي كانت من تأثير هيمنة المركز السوفياتي، والأيديولوجية التي كان يعممها، والتي كما أحسب لا تمت إلى الماركسية بصلة، بل كانت التبرير الأيديولوجي لسياسات الدولة السوفياتية. وهي التي جعلت هدف الـحركة الشيوعية «التماهي» مع البرجوازية، أو عدم «قطع حبل السرة» معها، أو التذيل لها، انطلاقاً من أن المرحلة هي مرحلة البرجوازية، لأنه يجب علينا تجاوز الإقطاع نحو الرأسمالية. وهذا ما كان يجعل سياسات الحركة الشيوعية إصلاحية، أو حسب ما كان الرفيق خالد بكداش يكرر: اشتراكية ديموقراطية، رغم أنه لم يكن يعلم بأنه يوصف السياسات التي كان يمارسها. تلك السياسات التي كانت تقوم على دعم البرجوازية، و«النضال» معها من أجل «حكم وطني ديموقراطي»، وعلى أسس رأسمالية، وتحسين الأوضاع المعيشية للعمال.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى