صفحات العالمقضية فلسطين

مصالحة «حماس» و «فتح» كارثة على الجميع؟!

إبراهيم غرايبة *
هناك مكاسب كبرى حقيقية لبقاء الحوار والاجتماعات بين «حماس» و «فتح» من دون التوصل إلى اتفاق. وبذلك سيتجنب الفلسطينيون حرباً إسرائيلية جديدة عليهم، لأن وجود قضية سياسية كبرى تشغل قيادة «حماس» في الخارج ستصرفهم عن التفكير في انتفاضة جديدة. فلماذا وقعت انتفاضة عام 2000 ولم تندلع الآن على رغم تشابه الظروف، بل إن ما يحدث اليوم في القدس هو أكبر وأخطر بكثير من دخول شارون إلى حرم المسجد الأقصى؟ لأن القيادة الفلسطينية بشقيها الفتحاوي والحماسوي كانتا متفقتين وفي حالة مواجهة مع الفراغ والتهميش، أنقذتهما الانتفاضة (وأنقذت شارون أيضاً) وإن كانت خسائر الفلسطينيين كبيرة وكارثية، ومن الملفت هنا أنه جرت تظاهرات في الأردن في أثناء انتفاضة عام 2000 بالمئات، وقد تجمع في إحداها عشرات الآلاف، وكانت قيادة الحركة الإسلامية في الأردن التي نظمت هذه التظاهرات تعتبرها قيادة «حماس» متخاذلة، وتخلت بحسب تصريح الناطق الرسمي لحماس إلى وسائل الإعلام عن القضية الفلسطينية، وعندما حاولت القيادة الحالية للحركة والتابعة لحماس أن تنظم تظاهرة قبل أسابيع قليلة لم يحضرها سوى عشرات من المصلين يوم الجمعة.
وسيتيح الحوار اللانهائي لمصر القدرة على البقاء في التأثير والدور القيادي في القضية الفلسطينية، وسينشغل الفلسطينيون بشأنهم ويواصلون حياتهم وبقاءهم ومقاومتهم بطريقتهم وحدسهم الخاص بهم بعيداًَ من حسابات القيادات والدول التي لا ترى شأناً للدم المراق وصعوبات الحياة وطبيعة المعركة في فلسطين، يقول خالد مشعل مهوناً من نتائج الحرب على غزة بأن شهداء «حماس» كانوا أقل من قتلى إسرائيل، وكأن الألف وأربعمئة شهيد في غزة كانوا من بوركينا فاسو، وأما قيادة «فتح» فيكفيها عقد شركة الاتصالات، والبزنس الرائع الجميل. لقد أثبتت التجربة العملية أن فلسطين لا تتسع لحماس وفتح معاً، ولا مجال إلا أن تقصي واحدة منهما الأخرى نهائيا، وسيكون الحل الواقعي في انفصال غزة بقيادة حماس والضفة الغربية بقيادة فتح، وسيظل الحوار حيلة للتخفيف من قسوة هذا الواقع وخزيه، ويمكن أيضاً أن يقلل من تشدد حماس وبخاصة في غزة، ويحول دون دفعها إلى اليأس، طالبان على سبيل المثال لم تكتشف وجود تماثيل بوذا وأنها أصنام يجب إزالتها إلا بعد سبع سنوات من استيلائها على الحكم في أفغانستان، عندما دفعها الحصار إلى مزيد من التطرف والاستفزاز.
وأما الاتفاق فسيؤدي إلى استحقاقات كبيرة ومكلفة، فسيدخل إيران شريكاً فاعلاً في فلسطين، وذلك يزعج إسرائيل ومصر أيضاً، ولا يمكن الخروج منه إلا بحرب جديدة! أو أن تخرج حماس من تحت العباءة الإيرانية، وهذا يعني تحولاً كبيراً في فكرها واستراتيجيتها، أن تتخلى عن تاريخها ومبررات وجودها، وتتحول إلى فتح أخرى أو إلى فتح نفسها، وهو ما ستقاومه فتح (الأولى) بشراسة، وتدخل الفلسطينيين لأجل منعه في حرب أهلية كبرى.
الحل العملي بالطبع هو أن تتم تسوية إسرائيلية – سورية، ثمنها تسوية إيرانية – أميركية، وهنا ستحدث أزمة أميركية وإيرانية أيضاً عندما لا تعود هناك أزمة بين البلدين! فالأزمة ضرورة للدولتين، وسيصحبها بطبيعة الحال أزمة إسرائيلية – فلسطينية وأزمة في لبنان أيضاً، فالمنطقة لم يعد ممكناً تصورها من دون أزمة، لأن نهاية الأزمة يعني مراجعة للتاريخ والرواية المنشئة للدول والصراع منذ الحرب العالمية الأولى، وما تبع ذلك من حروب تسليح وتقنيات واختراعات ومصالح وشركات ومصانع، وأفلام وروايات، ستكون البيئة والفقر والغذاء والدواء والضمان الاجتماعي قضايا مملة لا تشغل مصالح وشركات وأعمال، وسينما، ستتغير العلاقات الداخلية للدول والمجتمعات، ما مصير إسرائيل نفسها بلا حروب وصراع؟ ما مصير أنظمة سياسية ومنظمات وأحزاب ودور نشر وصحف وفضائيات وجيوش وأجهزة أمنية ومعارضات وميليشيات وطوائف و(ديموقراطيات) وانتخابات ونخب سياسية واقتصادية تشكلت على رواية الحروب والصراعات والتهديد؟ الوحدة الوطنية لدول المنطقة والجمهوريات الوراثية ستكون مهددة، والتماسك الاجتماعي أيضاً، فلم يعد ممكناً تصور أنظمة سياسية جديدة وحياة اقتصادية واجتماعية جديدة ومختلفة إلا إذا أصر النموذج التركي والأوروبي الشرقي والصيني على الحضور، أو استيقظت المجتمعات واكتشفت أنها يمكن أن تجرب نموذجاً مختلفاً… كيف سندخل عصر المجتمعات؟ لا أمل لنا سوى أوباما، ولكن يبدو أنه لا أمل لأوباما نفسه.
في رواية/ فيلم «وايلد غيس» يقع انقلاب عسكري في دولة أفريقية، فترسل شركة أميركية كبرى تقيم استثمارات واحتكارات هائلة في ذلك البلد بالاتفاق مع النظام السياسي فيه كتيبة من المغاوير المرتزقة لإطلاق سراح الرئيس المخلوع وإعادته إلى الحكم، وفي الوقت نفسه تدخل في مفاوضات مع النظام السياسي الجديد، وتحصل على مزايا ومكتسبات أفضل بكثير مما منحها النظام السابق، تم ذلك في اللحظة التي استطاعت كتيبة الشركة أن تحرر الرئيس وتسيطر على المطار وتنتظر فيه الطائرة القادمة لتحملهم إلى الولايات المتحدة، فيأمر رئيس الشركة الطيار بالعودة ويترك الرئيس الأفريقي السابق ومرتزقته لجيوش النظام الانقلابي الجديد تمزقهم، لماذا اختار المخرج اللعين ذلك المسار، ماذا لو جعل الناس تعيش بسلام والاستثمارات الأميركية تزيد أيضاً… كأننا نعيش ونمضي حياتنا وحروبنا وفق قرار هوليودي ديكتاتوري.

* كاتب أردني.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى