صفحات سوريةفلورنس غزلان

تعددت الأوبئة والسبب واحد

null
فلورنس غزلان
بعض الديكتاتوريات رغم قمعها لشعوبها ورغم انعدام الحريات وكثافة الرقابة على المواطن وحياته، لكنها تحاول أن تشتري ولاء المواطن من خلال بعض المكتسبات المعيشية ، أي أنها تشتري صمته برغيف نظيف ومدرسة وتعليم وخدمات …الخ، إلا ديكتاتورياتنا المختلفة بصورتها وقامتها، بتركيبتها وأجهزتها، إنها اخترعت أنفسها وشرعت وجودها خصيصاً لنا، هكذا تفتقت عبقريتها عن تناسب مغاير وأنها الوحيدة التي يُفتَرض أن تحكمنا شئنا هذا أم أبينا ففي كل الأحوال هي قائمة ومثبتة لأقدامها وكراسيها بفضل جهودها التخطيطية وجهودنا السكوتية وعيوننا العمياء وضمائرنا الميتة وعقولنا التي رضيت التغييب واستمرأته ، لأن الرعب استفحل واستوطن القلوب، لأن الاستكانة أهون من انتفاض الكرامة، لأن تعليق شماعة الإنحطاط والتردي والخوف والتشظي على المؤامرة الخارجية واستعذاب لغة الضحية التي رضعتها أجيال ربتها الديكتاتورية بشكل مدروس وأقنعت بها من خلال بذر ثقافة أيديولوجية تخدم بقاءه وترتب احتياجات المواطن حسب رغباته في الاستمرارية وفي استقراره فوق رؤوسنا..
ــ في أكثر من تصريح وإعلان لدعاة الإصلاح في النظام الديكتاتوري السوري، تم الإعلان عن تقديم الإصلاح الإقتصادي والإداري على السياسي بحكم أن المواطن يحتاج للرغيف والمأكل والمدرسة والطبابة قبل الحرية والديمقراطية، في حين أن الوقائع والمؤشرات الإقتصادية والإدارية في كل مناحي الحياة تدل على موات وتردي وهبوط وانحدار نحو مصير إقتصادي وإداري ينبئان بخراب البصرة وبانهيار حتى الأنظمة فوق رؤوس أصحابها ، إن لم تبادر قياداتها لفعل إنقاذي سريع ومعالج ولمخططات على المدى القصير والبعيد تمنح بعض الأمل في الخروج من المآزق المُحرجة لها أمام شعوبها…هذا إن كانت هذه الشعوب تهم قادتها …وإلا فإني أرى أن أخطار الجوع والفاقة والعوز ونقص موارد التغذية إلى جانب تردي التعليم والمناهج وبالتالي تردي مستويات التحصيل العلمي والكوادر التي يحتاجها المجتمع، ناهيك عن حال الثقافة والعلاقات الإنسانية والحقوقية في البلاد، وناهيك عن انهيار السياسة وانحصارها بأيدي أهل القرار والسلطة ومحاسبة متعاطيها بأشد ألوان الحساب الصارمة التي لاتعرف أنظمة القهر والاستبداد سواها..
ــ حسب التقرير الاقتصادي لاتحاد عمال سورية لعام 2009 ، فإن ماتحتاجه الأسرة الصغيرة ــ ومعظم الأسر ذات معيل واحد ــ لحياة معقولة قدرت ب 25 ألف ليرة سورية بينما متوسط دخله في القطاع العام تعادل 9 آلاف ليرة سورية وفي القطاع الخاص لاتكاد تزيد عن 7500 ليرة سورية وهذا يعني أن الفرق بين الحاجة والدخل يعادل 16 ألف ليرة للعاملين في القطاع العام و17500 ليرة للعاملين في القطاع الخاص!! ، كيف يمكن للمواطن أن يؤمن هذا الفارق كي يؤمن بالتالي حاجات أسرته وأطفاله الضرورية للبقاء والحياة؟ وحسب التقرير نفسه، فإن مايعادل 80% من المواطنين يُضطرهم صلف العيش للبحث عن عمل إضافي إلى جانب وظيفتهم أو أعمالهم الأساسية ، هذا في حال كانت الأسرة المتوسطة مشكلة من خمسة أفراد فقط ، وهذه تعتبر أسرة مثالية فالانفجار السكاني الذي لايتناسب مع الإنتاج الوطني ولا مع نسبة الهدر في الثروة ولا تردي حال القطاع العام والقطاع الزراعي وهجرة الفلاح والجفاف الذي يضرب أهم المناطق الزراعية خاصة في شمال شرقي البلاد ويؤدي بالتالي لتقلص مساحة الأرض المزروعة وتقلص الانتاج بما لايكفي حاجة المواطنين ، فأين مخططات الإنقاذ؟ وأين مخططات الإصلاح؟ وأين المخرج من جوع محدق يهجم بشراسة؟…المهم الرئاسة …المهم الصمت والسكوت كدريئة لحماية الرؤوس المنكسة والكابوس الجاثم على صدور البؤساء من أهل سوريا الأسد!.
ـــ وحسب التقرير الصادر عن المنتدى الإستراتيجي العربي المنعقد مؤخراً في دبي وبالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كشف هذا التقرير أن خُمس العرب أي ( 60 مليون ) أميون لايعرفون القراءة والكتابة، ثلثهم من الكبار وثلثيهم من النساء!
وأن مايعادل 9 ملايين من الأطفال لم يدخلوا المدارس ولا يعرفوها ، وهناك 40% من جيل الشباب لم يتم تحصيل الابتدائية في 7 دول عربية!.
لانريد أن نفجعكم كثيرا بحصة المواطن من قراءة الكتب ونشرها ، ولا تردي الترجمة وضعفها وهزالتها، فقط للتذكير بما وصلت إليه الحال، لكل 19 ألف مواطن عربي كتاب واحد!، بينما في دولة مثل إسبانيا فلكل 700 مواطن كتاب!.
ــ الأشد قسوة ووطأة ، ان ماتوليه الدول العربية من أهمية لأمنها ولأجهزة قمعها وعسكرها يفوق أضعاف مضاعفة ما تنفقه على التعليم والمدارس والمنشآت التعليمية وتعديل المناهج التربوية والتأهيل التربوي، فعلى سبيل المثال لاالحصر وكدولة ليست من دول المواجهة والصمود مثلا ، سلطنة عمان تنفق مايعادل 11.9% على التسليح والأمن، بينما تنفق مايعادل 3.6% على التعليم !، فمابالك بدولة صمود وممانعة كالدولة السورية؟ ، دون أن ننسى أن كثافة الصفوف في سورية ومدارسها تصل في بعض المدارس إلى مايعادل 50 تلميذ في الفصل الواحد، فكيف يتم التحصيل العلمي في مثل هذه الصفوف؟ ناهيك عن ضآلة عدد الأبنية المدرسية التي اضطرت الإدارات التربوية حيالها لتنفيذ التعليم على مرحلتين صباحية ومسائية، فأي تحصيل علمي لتلميذ يعمل بائع متجول صباحاً ويأتي للمدرسة كي يتعلم مساءً؟!.
ثم كيف ننسى مدى تردي التعليم خاصة في قطاع الدولة ومدارسها الرسمية، الذي أدى لتفشي الدروس الخصوصية حتى في المرحلة الأساسية!، وكيف يتمكن الفقير من تأمين معلم خصوصي لطفله، وهو غير قادر على تأمين قوته ودوائه؟!.
ـــ إذن مالذي ينتظر سورية الثورة ، سورية الاشتراكية التي يرفع الطفل صوته كل صباح بشعارات الثورة واشتراكيتها ودفاعه عنها وعن وحدتها وحريتها، ( شعار البعث المفروض ترداده يومياً في المدارس ــ وحدة، حرية، اشتراكية، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!!!) …لكم الخلود والبقاء في ظل هذا الوباء.
ــ لم أتحدث هنا عن الحرية والديمقراطية، بل تناولت الأولويات التي نادت بها السلطة واعتبرتها الأهم، الاقتصاد والخبز أولاً، التعليم والمدرسة قبل السياسة، الكهرباء والنور والماء والغذاء، قبل الانتخاب الحر…فأين نحن من الاصلاحات الموعودة والتقدم والنمو ، والميزاينة مصابة بعجز وانقصام ظهر بمليارات الدولارات، ومع هذا فالنهب مستمر والفساد لم يتوقف عند حد إلا عند التغطية والتعمية وذر الرماد في العيون ، حيث تخرج بين فترة وأخرى أنباء عن اعتقال فاسد أو محاسبة بعض المفسدين في هذه الدائرة أو تلك، لكن كبار الحرامية يغرقون أيديهم في غسل أموالهم القذرة وإخراج مانهبوه خارج البلاد ، ولا تستطيع القوانين ولا القائمين عليها الاقتراب منهم.
فأي إصلاح إداري ممكن في مثل هذا الوباء رفيع المستوى؟.
إنها أوبئة من نوع نادر يستحق النظام عليه أن يسجل له السبق في موسوعة غينيتس، لأنه حاميها وداعمها، لأنه فيروسها وجرثومها المُتَعَيش على قضم جسد المجتمع وخراب البلاد وتدمير مستقبل هذا الشعب المسكين المصاب بأكثر من وباء لاشفاء منه سوى بنهوضه ، سوى بتطهيره لنفسه من هذه الأوبئة وخروجه من أنفاق زُجَ بها ، لاشفاء له سوى بصحوته وخروجه من ثوب الخوف إلى شارع الحرية والإنعتاق.
ــ باريس 2/ نوفمبر
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تعجبني كتابات السيدة فلورنس غزلان وهي تصف الدكتاتورية وامراضها المزمنة بشكل جيد في سوريا احيي فيها الجرأة والشجاعة لفضح القمع وغياب الحريات في سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى