صفحات العالم

متفرجون على البابا

ساطع نور الدين
كان البحث بين السطور والكلمات متعباً، لكنه انتهى الى النتيجة التي كان يفترض أن يبدأ منها، والتسليم بأن البابا بندكت السادس عشر لا يمثل قوة او سلطة سياسية، بل مجرد مهابة معنوية وأخلاقية، وليس له نفوذ او جمهور في المشرق العربي يمكن ان يترك اثراً او ينتج تغييراً.
اسقطت على زيارة الحج الأولى التي قام بها البابا بندكت الى الاراضي المقدسة، وسار فيها بين النقاط وتفقد خطوط التماس المسيحية الإسلامية اليهودية، معاني سياسية مستمدة من ذكريات طويت حول الحروب الصليبية، ومن أدوار انتهت لدولة الفاتيكان التي كانت في يوم من الايام احد اهم اسلحة الحرب الباردة بين الشرق الشيوعي والغرب الليبرالي، ومن اوهام ركبت على الحملات العسكرية التي يشنها الغرب حالياً على العالمين العربي والإسلامي، ومن افكار متخيلة عن تواطؤ جديد بين المسيحيين واليهود على المسلمين.
مرة اخرى اثبت البابا في ترحاله في الأردن وإسرائيل وفلسطين، انه غير مسيس بالمرة، بل لعله الأقل فهماً للسياسة من جميع أسلافه. هو رجل عقيدة اكثر مما هو رجل موقف. يمكن ان يمس جميع حوارييه من الأديان الاخرى اذا شعر ان هناك ما يستوجب الانتصار لكاثوليكيته، وإذا احس بأن الكنيسة في خطر. وهي كذلك من وجهة نظره التي لا شك فيها. فانهيار الشيوعية قاد الى نهضة كنيسة منافسة. وتصدع الرأسمالية لم يزد عدد المؤمنين… سوى أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية.
بدأ البابا رحلة الحج من موقع عربي وأنهاها في موقع عربي آخر، بعدما عرج على اكثر من موقع يهودي. لكن المؤكد انه لم يقصد مثل هذا الترتيب ولا هذا التصنيف، الذي يحتمل الإساءة الى الإسرائيليين الذين لم يقصروا هم في إهانته او مقاطعته او اتهامه بالنازية. ولم يكن هذا الاستقبال السيئ نوعاً من الهجوم الاستباقي على البابا لكي لا يتورط في موقف مؤيد للفلسطينيين ولا للعرب، الذين اثبت في اكثر من مناسبة انه لا يكن لهم الود، مثلهم مثل اليهود، وحتى أتباع بقية المذاهب المسيحية.
طوال الايام القليلة الماضية لم يصدر عن البابا اي موقف سياسي ما يشي بأنه اكثر من زعيم دولة مسيحية صغيرة تحاول ان تظل على تواصل مع البيئتين الإسلامية واليهودية، من دون ان تفرض قيمها الخاصة ولا ان تساوم عليها، ومن دون ان تحمل رسالة محددة على غرار تلك التي كلف بعض اسلافه بنقلها الى الاراضي التي كانت العنوان الرئيسي للقداسة، غير التبشير بالمبادئ الكنسية العامة حول السلام والحوار والمصالحة.
لم يكن بالإمكان العثور بين كلمات البابا على إشارات خاصة حول صراع الديانتين ولا حول حل الدولتين. لم يكن هناك مسيحيون كثيرون لا في استقباله ولا في وداعه. كان هناك متفرجون مسلمون ويهود على ذلك الأصولي الجديد الذي كان يبحث عن مكان له في هذا الشرق الحافل بالأصوليات.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى