قضية فلسطين

التهدئة”…المعنى والتفاصيل

باتريك سيل
من المؤكد أن ميل إسرائيل إلى “اليمين” في الانتخابات العامة التي جرت الأسبوع الماضي، يستبعد حدوث أي تقدم على جبهة السلام في المستقبل المنظور، وإنْ كان لا يعني في الوقت نفسه أن كل شيء قد ضاع. فهناك اتجاهان لا يزالان قائمين: الأول، هو إمكانية توقيع تهدئة بين إسرائيل و”حماس”، والثاني هو إمكانية توقيع تهدئة بين “فتح” و”حماس”، وهما اتجاهان مرحب بهما.
ومن المتوقع عودة المفاوض الإسرائيلي الرئيسي”عاموس جلعاد” إلى القاهرة بداية الأسبوع المقبل حاملاً معه إجابة إسرائيل على الاستفسارات الأخيرة التي قدمتها “حماس” في نفس الوقت الذي سيكون وفدا “حماس” و”فتح” مجتمعين استعداداً للبدء في محادثات المصالحة التي ستنطلق في الثاني والعشرين من فبراير الحالي.
ليس هناك رابح في النزاع العربي ـ الإسرائيلي.فجميع الفاعلين يعترفون بحاجتهم إلى وقفة لالتقاط الأنفاس ومداواة الجراح، والسؤال المطروح الآن هو: هل العرب والإسرائيليون على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة للوصول إلى اتفاق؟.
والتهدئة وإنْ كانت تعني حسب التعريف “ترتيباً مؤقتاً”، إلا أنها تعتبر أفضل ما يمكن أن نصبو إليه في الوقت الراهن.
بعد جهد جهيد، يبدو مدير المخابرات المصرية المخضرم اللواء”عمر سليمان”، وكأنه قد اقترب، من صياغة شروط التهدئة بين إسرائيل و”حماس”. فنظراً لأن إسرائيل ترفض التعامل مباشرة مع “حماس”، فإن سليمان كان هو الذي يقوم بنقل الرسائل من “حماس” إلى إسرائيل والعكس، مستخدماً في ذلك ـ كما هو واضح – أسلوبي الإقناع والضغط في آن. ومن المعروف أن مصر ليست وسيطا بين الطرفين فحسب، وإنما أيضاً تتأثر بتطورات الصراع.
وعندما تنجح مصر اليوم في التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل و”حماس”، فإن ذلك النجاح سيؤدي دون شك إلى تخفيف الضغط الواقع عليها من الرأي العام العربي، كما سيكون له دور في تبرير موقفها كوسيط محايد. ووفقا للتقارير الواردة من مصر، ربما تحتوي التهدئة بين إسرائيل و”حماس” على العناصر التالية:
أولاً:تعهد من الطرفين بإنهاء أعمال العنف بينهما لمدة 18 شهرا، بمعنى أنه لن يكون هناك المزيد من صواريخ “حماس”، ولا المزيد من الغارات الإسرائيلية (ما لم يقم أحد الطرفين بانتهاك التهدئة).
ثانياً: إسرائيل على استعداد لرفع الحظر على 80 في المئة من حجم عمليات النقل التجاري التي تمر من خلال معابرها الستة مع قطاع غزة، شريطة أن يتم إغلاق كافة الأنفاق بين الأراضي المصرية والقطاع بشكل تام وإخضاعها لمراقبة دولية.
ثالثاً، يمكن رفع نسبة الحظر المتبقية على عمليات النقل التجاري(20 في المئة)، بمجرد التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بين الطرفين يشمل الإفراج عن الجندي”جلعاد شاليط” العريف الإسرائيلي المحتجز لدى “حماس” منذ أكثر من عامين.
والمفارقة هنا، أنه كان في مقدور إسرائيل تأمين هذه الشروط -وأفضل منها – لو لم تكن قد سعت إلى تدمير “حماس” من خلال الحصار القاسي، أو من خلال الحرب المدمرة التي شنتها. وعلى عكس ما سعت إليه إسرائيل، فإن “حماس” نجت من الحصار، ومن الحرب، وإنْ كان ذلك قد تحقق بأكلاف باهظة لشعبها. وهذه الأكلاف فاقمت من كم الكراهية الشديدة التي يشعر بها العرب والمسلمون تجاه إسرائيل. ليس هذا فحسب بل إن صورة إسرائيل الدولية تعرضت لضرر بالغ كما أن قادتها المؤمنين بخيار الحرب ذكروا العالم مرة أخرى بأنهم قتلة عنصريون، غير مستعدين على الإطلاق للإندماج السلمي في نسيج المنطقة.
ونظراً لأن هناك حديثا عن التهدئة في الوقت الراهن، فإن مصر تبدو ميالة للموافقة على فتح معبر رفح، بشرط أن تضع “حماس” و”فتح” حدا لأحقادهما. فتحقق ذلك، سيسمح لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالتواجد على الجانب الفلسطيني من الحدود ـ كما أصرت مصر.
ومن الواضح أن هناك تفاصيل أخرى لا تزال بحاجة إلى بحث فيما يتعلق بالتهدئتين المزمعتين. من ذلك على سبيل المثال أن إسرائيل تريد الحيلولة دون دخول معدات تصنيع القنابل إلى غزة، وأن “حماس” تريد في مقابل الإفراج عن شاليط أن يتم الإفراج عن 1.250 سجيناً فلسطينياً محبوسين في الوقت الراهن في السجون الإسرائيلية سواء من المقاتلين أم من أعضاء البرلمان الفلسطيني. وإسرائيل تدرك، أن أي تبادل للأسرى بهذا الحجم لن يضيف فقط إلى شعبية “حماس”، ولكنه سوف يعطي تلك الحركة الإسلامية الأغلبية في المجلس التشريعي، ما يعرض وضع الرئيس محمود عباس للخطر، خصوصاً وأن “حماس”، ونظرا لإنقضاء ولاية “عباس” في التاسع من يناير ظلت تضغط عليه لترك منصبه. مع ذلك، يمكن القول إن المزاج الحالي داخل المعسكر الفلسطيني هو مزاج مصالحة. وما يعزز من ذلك المزاج هو أن مؤتمر إعادة إعمار غزة سيعقد كما هو مقرر في شهر مارس المقبل، وأن معظم الفلسطينيين يدركون -وإن كان ذلك لا ينطبق على كافة قادتهم -أن الجبهة الفلسطينية الموحدة، وحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الفعالة المأمول تشكيلها هي التي يمكن أن تنقذ قضيتهم من خطر الضياع.
لقد كان الشقاق الحزبي هو دائما آفة الفلسطينيين، وذلك منذ أن تنبهوا للمرة الأولى في بواكير عشرينيات القرن الماضي لخطر الهجرة الواسعة النطاق للأوروبيين اليهود إلى فلسطين. ففي ذلك الوقت فشل الفلسطينيون في توحيد صفوفهم تحت قيادة واحدة – تماماً كما يفشلون اليوم في ذلك. وكانت الإنقسامات الفلسطينية والعربية، إلى حد كبير، هي السبب في ضياع ما يزيد عن ثلاثة أرباع أراضي فلسطين التاريخية. وتواصل تلك الانقسامات في الوقت الراهن يجعل الفلسطينيين معرضين بشدة لخطر فقدان المساحة القليلة المتبقية من وطنهم. ويجب عليهم أن يدركوا أن توحدهم هو فقط الذي سيجعل العالم، ويجعل “باراك أوباما”ـ الرئيس الأميركي الجديد ـ قادرين على مساعدتهم.
جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى