قضية فلسطين

الفخ الإسرائيلي

حسان حيدر
من الواضح ان اسرائيل كانت تعد منذ وقت لهذه الضربة الوحشية لقطاع غزة، وان جيشها كان جاهزاً لتنفيذها، لكنها كانت تبحث عن ذريعة وتوقيت مناسبين. وجاءها قرار «حماس» وقف العمل بالتهدئة على طبق من فضة، ذلك ان الحركة وقعت عملياً في الفخ الاسرائيلي المنصوب الذي أوحى وكأن الدولة العبرية غير مهتمة فعلا بتمديد وقف اطلاق النار الهش، وان الغاءه لن يغير الكثير، لأن احداً في اسرائيل لا يستطيع اتخاذ قرار بعملية عسكرية كبيرة في القطاع بانتظار انتخابات العاشر من شباط (فبراير)، ولأن القادة الاسرائيليين لن يغامروا بإحراج الادارة الاميركية الجديدة ووضعها امام أمر واقع يجعلها تغير قائمة الاولويات التي تتصدرها الازمة الاقتصادية.
انتظر الاسرائيليون اذن ان تعلن «حماس» قراراً احادياً برفع الرعاية المصرية للهدنة القائمة، والتي كانت تشكل العائق الوحيد عملياً امام الضربة الاسرائيلية، في ظل عدم التكافؤ الفادح في القوى العسكرية، واستنتجوا ان رفض الحركة الرعاية المصرية للحوار الفلسطيني الداخلي كان المؤشر الحاسم الى ان «حماس» تتجه، مثلما يرغبون، الى المواجهة.
ومن الواضح ايضا ان «حماس» فوجئت بحجم الرد ولم تأخذ التهديدات الاسرائيلية بكثير من الجدية، ذلك انها رغم قرارها بمعاودة القصف الصاروخي، لم تتخذ اي احتياطات استثنائية مثل اخلاء مراكزها ومقراتها الامنية واعداد المستشفيات واجهزة الدفاع المدني، وهو ما يفسر الحجم الكبير للاصابات والعجز عن علاجها.
كان الوضع في الجانبين قبل يوم غزة الدامي على النحو التالي: حماس تعتقد ان باستطاعتها تحسين موقعها التفاوضي مع اسرائيل التي خرقت مراراً التهدئة، وان بإمكانها الاستفادة من التباين في مواقف الاحزاب الاسرائيلية التي تستعد لخوض الانتخابات العامة في ظل تعدد الرؤوس داخل الحكومة ومحاولة كل من ليفني وباراك شد البساط الى جهته. كما رأت ان تأزيماً محدوداً للوضع الامني قد يعزز اوراقها الفلسطينية الداخلية ويدفع السلطة الوطنية الى التجاوب مع مطالبها بما في ذلك وقف المفاوضات مع اسرائيل على أساس عملية انابوليس. وكان هناك ايضا دفع اقليمي سوري – ايراني للحركة في اتجاه القطع مع محور الاعتدال العربي الذي تمثله مصر والسعودية.

اما اسرائيل فكانت تسعى، وفقا لتصريحات قادتها العسكريين، الى استعادة ورقة الردع المستند الى تفوق ناري وعملاني هائل. كانت تعرف ان التزامات «حماس» الاقليمية ستدفعها عاجلاً او آجلاً الى التخلي عن الحماية المصرية ووقف العمل بالتهدئة، لذا تحينت الفرصة لتوجيه ضربة مؤلمة هي في الوقت نفسه رسالة الى حلفاء «حماس»، خصوصاً في لبنان، بأن أي حرب مقبلة ستكون باهظة الثمن.
اليوم تؤكد الحركة الاسلامية انها لن تتراجع حتى ولو ابيدت غزة، فيما تقول اسرائيل انها لن توقف العمليات العسكرية إلا عندما توافق «حماس» على وقف الصواريخ. فمن يصرخ من الألم أولا، واين يكمن الحل؟
قد تنعقد اجتماعات عربية هنا وهناك وتصدر بيانات ادانة وشجب وتنظم تظاهرات تنديد، لكن الحل الوحيد يبقى في العودة الى التهدئة وبرعاية مصرية أقرها العرب جميعا، طالما ليس هناك اي أمل في حل عسكري، وطالما ان المواجهات لن تغير في ميزان القوى، وطالما ان الاطراف الذين يحرضون «حماس» لن يحركوا جبهاتهم الساكنة، حتى لو امحت غزة عن الخريطة.
الحياة     – 29/12/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى