الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

البقايا المزمنة

عباس بيضون
آخر بقايا الأتاتوركية في تركيا العدالة والتنمية مقاطعة الضباط لحفل رئيس الجمهورية لأن زوجة غول، التي هي ربة القصر، محجبة. ومن بقايا الأتاتوركية عدم الاعتراف بجرائم الاتحاد والترقي ضد الأرمن والأكراد والعرب.تركيا العدالة والتنمية لا تريد أن تخوض حرباً صريحة مع الأتاتوركية. تريد أن تزيحها شبراً شبراً وعلى مدى طويل. الأتاتوركية هي التي أسست الجمهورية وهي التي حررت تركيا، وأخرجتها من هزيمة الحرب الأولى واستجمعت القوة التركية لتطرد عن أرضها جيوش الغزو الأجنبي. وهي التي اختارت العلمنة منهجاً للنظام، أي ان تركيا الحديثة هي تقريباً ميراث الأتاتوركية وليس سهلاً ولا ممتنعاً التصدي العلني لأسسها. تريد العدالة والتنمية ان تموه معركتها مع الأتاتوركية وأن تخوضها بأكبر قدر من الصمت لئلا تثير خوف الأقليات الكبيرة من حكم سلفي ولئلا تستفز القوى التي تتجمع خلف الأتاتوركية. حرب «الاتحاد والترقي» ضد الأرمن والأكراد كانت بمفهوم تلك الأيام حرباً أهلية وحرباً قومية ضد الأقليات المشتبهة الولاء الوطني. لا تستطيع العدالة والتنمية الإسلامية أن تطمئن أقليات ليست تركية ولا مسلمة. بالعكس ستساند هذه الأقليات الأوليغارشية العسكرية ضد الإسلام المنتصر. بين الأرمن وبين الأتراك في جملتهم ذاكرة أثرية أو تكاد. يرفض الأتراك أن يسمّوا المجزرة ضد الأرمن باسمها الصحيح: إبادة. يرفضون أن يسمّوا الاستيلاء على انطاكية السورية اغتصاباً. يرفضون الاعتراف بالقوميات الأخرى، بما لها من لغات وثقافات وتاريخ، أمام العدالة والتنمية بقايا هائلة لن تواجهها بسهولة، أمامها مشاكل تغطي أقل بقليل من نصف الشعب التركي، العودة إلى العثمانية ليست سراباً. السلطنة كانت إطاراً أكثر مرونة للم الشمل التركي واحتضان القوميات التي تشكل المجتمع التركي، ولتوافق تركيا مع محيطها. السلطنة كانت أيضاً مجالاً للتسامح العرقي والديني. ذلك ما لم تكنه الأتاتوركية التي رغم علمانيتها لم تعترف لا بالأقليات العرقية فحسب ولكن بالأقليات الدينية أيضاً. يبدو التحرك الأرمني اللبناني بعد زيارة القيادة التركية لأرمينيا والمصالحة التركية ـ الأرمنية فولكلوراً. الجرح الأرمني عصب الوحدة الأرمنية وصحيح أن الاعتراف بالإبادة التركية للأرمن التي تعترف بها دول شتى قد يكون محفزاً واضحاً لمزيد من الديموقراطية ومزيد من التسامح وربما، وهذا ما نخشاه، مزيد من السلطنة والايديولوجيا الدينية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى