صفحات ثقافية

الفيل يا ملك الزمان . .. . . . المذمة يا ملك الزمان

null

حسين خليفة

في مسرحيته «الفيل يا ملك الزمان» يقدم المبدع الراحل سعد الله ونوس رسما توضيحيا للمثل الشعبي «قالوا يا فرعون مين فرعنك؟ قال: ما لقيت حدا يردني»، أو قل انه يقدم بانوراما عن مجتمع فقد مناعته ضد الظلم وفقد حس التمرد، بل حتى حس السؤال وهو أولى درجات التمرد.

تتكرر حوادث دهس الفيل المدلل لدى ملك البلاد لمواطنين، فيقوم احد الذين ما زالوا على قيد الحلم بتحريض الناس على مقابلة الملك ليشكوا فيله إليه، وبعد جهد يوافق معه البعض على مقابلة الملك والشكوى على فيله، ما يحصل بعد ذلك أن الرجل يمثل بين يدي الملك ويقول: الفيل يا ملك الزمان، فيقول الملك ما به الفيل؟ ينتظر الرجل أصحاب العلاقة ليرووا أفعال الفيل لكنه يفاجأ بصمتهم، يعيد اللازمة على أمل أن يخرجوا من خوفهم قليلا، ويعيد الملك السؤال بعصبية: ما به الفيل؟ لكن دون جدوى، بعد تكرار الموقف وازدياد غضب الملك يقول الرجل: مولانا حرام أن تترك هذا الفيل وحيدا انه بحاجة إلى فيلة ليستمتع بوقته ويتكاثر أيضا.

تذكرت هذه المسرحية من إحدى أعمال الراحل واعتمدت على ذاكرتي في تلخيص فكرتها بعد أن قرأت ما نقل عن رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور حسين جمعة من «فتوى» بأن ونوس ليس كاتبا، وأن بعض مسرحياته مسروقة من الرائد المسرحي أبو خليل القباني!! وأيده في ذلك محامي اتحاد الكتاب العرب السيد يوسف أبو حمود!!، طبعا المحامي «آجر» معلمه في الفتوى لسببين: الأول لينال رضا ولي نعمته ومانح مهماته وتعويضاته ومكافآته، أما الثاني فهو ليثبت بالدليل القاطع أن الكاتب الراحل لا يستحق راتبا تقاعديا من الاتحاد رغم أن زوجته الفنانة فايزة شاويش دفعت كل رسوم العضوية المتأخرة للراحل للحصول على راتب تقاعدي وتعويض وفاة، لكن «اتحاد الكتاب» تراجع عن قرار إجماعي بوجوب القيام بذلك في نهاية التسعينات.

الكاتب الراحل كان قد انسحب من اتحاد الكتاب احتجاجا على قرار فصل أدونيس من الاتحاد وانسحب معه حينذاك الكاتب الروائي حنا مينه الذي نتمنى له السلامة والعمر المديد.

هذا عن المحامي، اما السيد رئيس الاتحاد فقد أوضح لصحيفة «الحياة» بأنه (لم يكن يقصد ان يصدر «حكماً نهائياً» على ونوس، بل «أنني قلت انه يشاع عنه انه اخذ جملاً من أعماله (القباني)، خصوصاً القفشات المسرحية واستحضار التراث». واقترح جمعة العودة الى كتاب «الظواهر المسرحية عند العرب» للدكتور علي عقلة عرسان، رئيس الاتحاد السابق، للتأكيد بأن المسرحي ونوس «اخذ جملة من مسرحيات القباني وصاغها صياغة جديدة»).

وهكذا يستنجد الخلف بالسلف لتأكيد رأيه السديد بان أحد أهم كتاب المسرح العربي والعالمي ما هو إلا سارق (وليعذرنا الكبير الراحل ونوس).

وهكذا يكتشف رئيس اتحاد كتابنا بأن اليونسكو التي كلفت سعدالله ونوس بإلقاء كلمة المسرح العالمي في 27 آذار 1996 منظمة غشيمة ولم تكتشف بكل خبرائها ونقادها ما اكتشفه هو عن طريق سلفه الصالح ومخبريه ربما، وشتان بين الخبراء والمخبرين.

كما اكتشف أن جامعات العالم التي تدرس مسرحيات سعدالله ونوس هي جامعات مخدوعة ولا تعرف الخمسة من الطمسة، خاصة أن كل هذه الجامعات لم تسمع بمؤلفات السيد رئيس الاتحاد (مثلا مؤلفه القيم «الحيوان في الشعر الجاهلي» و«مشهد الحيوان في القصيدة الجاهلية»، ربما يظنونه اختصاصيا في هذا الصنف من المخلوقات و«الشغل مو عيب») بل أن معظم المشتغلين في الحقل الثقافي في سورية نفسها لم يسمعوا باسم الدكتور جمعة إلا عندما «انتخب» رئيسا لاتحاد الكتاب خلفا للسيد ع ع ع الذي أدمن رئاسة الاتحاد لمدة تجاوزت الثلاثين عاما بقليل (تطاول حتى قلت ليس بمنقض).

سعدالله ونوس الذي عاش عمرا مبدعا قدم فيه للمسرح العربي بعض أجمل النصوص وشكل إضافةً نوعيةً مهمة في هذا الحقل بدمجه بين الفرجة المسرحية بما تحمله من متعة وبين القضية الفكرية والمعرفية التي حملتها مسرحياته، وعمله على إضاءة الزوايا المعتمة في التاريخ والاتكاء عليها لفضح الراهن بعفنه وهزائمه وبلادته، وبنائه على المنجز المسرحي العربي النهضوي الذي شكل أبو خليل القباني أحد أعمدته، لذلك كانت إحدى مسرحياته «سهرة مع أبي خليل القباني» حاور فيها نصا له بعنوان «غانم بن أيوب وقوت القلوب»، ولا يتسع المجال لاستعراض كل ما قدمته هذه القامة السامقة في فضاء الإبداع الحر القريب من الناس الذي يتحسس مآسيهم وأوجاعهم ولا يعيش في برجه العاجي.

سعدالله ونوس الذي لم يبع قلمه يوما وعاش حرا ومات حرا لكنه أبقى جذوة الأمل متقدة رغم الانكسارات والآلام العامة والخاصة بعبارته التي قالها في كلمة يوم المسرح العالمي (نحن محكومون بالأمل) يتعرض الآن من رأس مؤسسة تقول إنها تعنى بشؤون الكتاب إلى هذا الاتهام السخيف.

لم نكن نتوقع يوما من هكذا مؤسسات أن تكرم مبدعينا الأحياء منهم والأموات، لكننا كنا نتمنى من سدنتها أن يظلوا في عتمتهم ولا يقربوا من المبدعين الحقيقيين، ويستمتعوا بما يمنحهم الموقع من امتيازات ومن صكوك غفران ورخص كتابة لمن يشاؤون، أما وأنهم قد تعدوا على من هو أكبر منهم قدرا وعلوا ونصاعة فلنا أن نذكرهم بما هم فيه وبحكاية الفيل الذي بدأنا به، ولنا أن نذكر هذا البيت الذي يحفظونه جيدا كونهم مختصين في المجال إياه:

لا تأسفن على غدر الزمان لطالما . . . . . . . . . . . ..


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى