صفحات العالم

المصالحة العربية: أسباب موضوعية للحذر

وليد شقير
كانت التعابير التي جرى انتقاؤها لصوغ البيان الذي صدر عن القمة الرباعية التي عقدت في الرياض أول من أمس بين قادة السّعودية ومصر وسورية والكويت معبرة لأنها منتقاة بدقة وتتضمن إيحاءات تعبر، على الأرجح، عن واقع العلاقات العربية – العربية الفعلي، بعيداً من العواطف والجمل الإنشائية.
فمراجعة نص البيان الذي أذاعه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل تسمح بقراءة واستنتاجات أهمها أن القطيعة التي كانت قائمة بين رئيسي مصر وسورية حسني مبارك وبشار الأسد، انتهت، بعد أن انتهت القطيعة بين الأسد وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال قمة الكويت الاقتصادية في 19 كانون الثاني (يناير) الماضي… وهو ما عبر عنه بيان الرياض بإشارته الى أن الاجتماع الرباعي بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين الدول الأربع.
لكن الأكثر دلالة في نص البيان هو إشارته الى «الاتفاق (بين الدول الأربع أو بين الدول العربية كلها…) على منهج موحد للسياسات العربية». فالاتفاق تم، ليس على هذه السياسات ولا على سياسة واحدة، «في مواجهة القضايا التي تواجه الأمة العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية»، بل على «منهج موحد» في التعاطي مع «السياسات العربية» المختلفة والمتعددة.
وهذا تسليم واقعي باستمرار التباعد في عدد من العناوين، وبالحاجة الى المزيد من الوقت من أجل ردم الهوة، عبر مراكمة المزيد من التوافقات أو من الخطوات المتوافق عليها لا سيما في شأن القضية الفلسطينية.
وهناك أسباب كثيرة تفسر الحذر في انتقاء التعابير عند الحديث عن المصالحات العربية، التي لا بد من الإقرار بأن حصولها يضيف عاملاً جديداً مهماً يفترض بأي من الفرقاء العرب الآخرين، سواء في ساحات الخلاف العربي أي العراق وفلسطين ولبنان، أم في غيرها، أن يحسبوا له حساباً في مواقفهم وتوجهاتهم. ومن هذه الأسباب أن هذه الخلافات أخذت في بعض الأحيان أشكالاً غير مألوفة في العلاقات العربية، في شكل تحتاج معالجة ذيولها الى بعض الوقت، بما يعني أنها باتت تحتاج الى تطبيق مبدأ «إجراءات بناء الثقة» مجدداً بين فرقائها. هذا فضلاً عن أن أحد أسباب تفاقم الخلافات هو أن القطيعة حالت دون ممارسة الإدارة الثلاثية السعودية – المصرية – السورية للوضع العربي، عبر الاتفاقات الموضعية بين الدول الثلاث التي كان يوفرها التنسيق الدائم على مدى العقود الماضية. ففي غياب التوافق التام على كل الأمور والعناوين كان هذا التنسيق الثلاثي ينتج على الأقل توزيعاً للأدوار وصفقات هنا أو هناك يسمح تراكمها بما سماه الرئيس السوري «إدارة الخلافات العربية»، وتفهماً من كل منها لمصالح الدولة الأخرى في علاقتها مع العالم الآخر… ويصح القول إن هذا التنسيق الثلاثي، بقدر ما كان يستند الى اختلاف المواقع، كان أيضاً يتيح «تبادلاً للخدمات»، في هذه القضية أو تلك.
ثمة سبب آخر للحذر من انتقاء الكلمات للتعبير عن درجة المصالحة العربية. فإذا كان الدافع الى إعلان الجانب السعودي «انتهاء الخلافات العربية» في الكويت، هو استضعاف إسرائيل للعرب في حربها الهمجية على غزة، وتلازم انتهاء هذه الحرب مع تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها التي باشرتها بالتهيؤ لمبادرات في شأن حل الدولتين، وفي شأن الحوار مع إيران ومع سورية، فإن أمام استعادة التنسيق بين الدول الثلاث محطات لا بد من انتظارها كي يكون للتنسيق جدول أعماله الحقيقي. فإسرائيل ما زالت بلا حكومة ولم يعرف بالتالي التوجه الذي ستسلكه. والدول العربية المعتدلة التي تواجه «التحدي الإيراني» تترقب ما يمكن أن ينجم عن حوار واشنطن مع إيران الذي لم يبدأ رسمياً بعد، وترصد ما إذا كان سيتم على حساب مصالحها، فيما تهتم دمشق بإبلاغ طهران أن اتفاقها مع مصر والسعودية لا يعني تخليها عن التحالف الاستراتيجي معها.
في اختصار هناك أسباب موضوعية لحذر فرقاء المصالحة في الحديث عنها…
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى