صفحات سوريةنصر حسن

الديمقراطية مدخل تفكيك الديكتاتورية وإحياء الدولة الوطنية 4-4

null
نصر حسن
استنادا إلى الواقع لابد من الإقرار بأن مصالح الأفراد والشرائح الاجتماعية والعرقية هي مختلفة ومتباينة وأحيانا قد تكون متعارضة , هذا أمر طبيعي وصحي ومشروع في آن ,وحل هذه الإشكالية يكون عبر اشتقاق قاسم مشترك طوعي مرجعي بين المجموع , هذا القاسم المشترك لا يحدده بحق سوى القانون , هو فعليا يمثل حل أو تسوية وطنية عادلة بين هذه المصالح المتعددة, وهو أعدل وسيلة تنظيمية إجرائية فعالة عرفتها الإنسانية لتنظيم شؤون المجتمعات, ويعكس صيغة أكثر رقياً للوحدة الوطنية التي قوامها التعدد والاختلاف والتعارض , لذلك فإن الدولة الوطنية هي دولة المجتمع كله ، وتمثل التجسيد العملي الفعلي للشعب ،هي دولة جميع المواطنين بلا استثناء ولا تمييز ولا نسب ولا تقسيم ولا ترقيم ، يشارك فيها المواطنون والشرائح الاجتماعية مشاركة فعلية حرة ,من خلال المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية وكافة هياكل الدولة ومؤسساتها ,أي هي دولة تعددية بحكم التكوين التاريخي والواقع العياني وضرورة الحياة المشتركة .
ومن الموضوعية القول , أن المواطنين هم من فئات اجتماعية وأهلية وعرقية متعددة ويتبنون أيديولوجيات وأفكار متعددة أيضا ، يفرض هذا التنوع والتعدد على الدولة أن تكون محايدة حياداً إيجابياً تجاه جميع مكونات المجتمع وتجاه كل الإيديولوجيات والثقافات والتجليات السياسية لجميع المواطنين, أي إن الدولة الوطنية هي دولة ديمقراطية تعددية حكما ,وفي الحقيقة إن دولة الحزب الواحد والرئيس القائد والوريث الأوحد ..إلخ ,هي أسوأ دولة وأكثرها هجينية وتشوه شهدتها سورية في تاريخها ،حيث فرضت نهجها الأعوج على المجتمع كله بالقمع والإكراه والإقصاء والتهميش والتجويع والفشل الوطني العام ، إنها ببساطة سلطة شاذه احتكرت الوطن بدون أي بعد وطني سياسي قانوني أخلاقي ، إنها واقعا وموضوعيا سلطة ( رعاع ) بدون قانون و بدون برامج وبدون أهداف عامة , سوى تحقيق مصالحها الذاتية غير المشروعة على حساب معاناة الشعب السوري.
والحال كذلك ,فإن الحاجة الوطنية تفرض نفسها لاختراع برنامج أو توليف سياسي جديد, أي تسوية وطنية جديدة , هي ليست من العدم أو تمثل قطيعة مع الماضي وكمونه الثقافي والمعرفي والإنساني , وإنما هي امتدادا حيويا بينه وبين الحاضر والمستقبل , بعيدا عن الجمود والتحجر والعصبية والانعزال , فالتسوية أساسا هي صيرورة متجددة وليست ثابتة غير قابلة للتغيير والتطوير ، بل مطلوب إعادة إنتاجها وضبطها قانونيا من مرحلة إلى أخرى ,حسب نوعية علاقات المجتمع وتطويرها باتجاه شكلها الوطني الإنساني , لذلك فإن الدولة الوطنية هي المقدمة الضرورية موضوعيا للدولة الديمقراطية التي تجسد الحرية والعدالة والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين .
في ضوء ذلك تكون الدولة الوطنية انعكاسا سياسياً للمجتمع المدني ,الذي تنمو فيه باستمرار العناصر الإيجابية الإنسانية العقلانية الديمقراطية، ويرتقي فيه الوعي الاجتماعي إلى مستوى الوعي الوطني الإنساني , وعليه فإن كل عزل أو فصل ميكانيكي بين الدولة الوطنية والمجتمع المدني هو نكوص عنها ونفي لها ، وكل تعارض بينهما ( الدولة والمجتمع المدني ) غير التعارض الجدلي البناء ,إنما يفصح عن قصور بنيوي أو خداع ضمني بين أطرافها , وكل تعويم لفظي في سياقها السياسي هو حرفا لها , لاسيما في ظل اللبس الطاغي بين الديمقراطية المؤسسية والديمقراطية اللفظية العائمة وغير المنتظمة وغير المحددة بمبادئها وآلياتها وشروطها الضرورية ,واستطرادا ,إن الديمقراطية هي حقيقة كل نظام شرعي للحكم القائم على التعددية , وهي العلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي وتجسيده السياسي، وعليه إن كل أشكال أنظمة الحكم , جمهورية أو ملكية أو ما بينها ،باستثناء الديمقراطية منها, تعاني التناقض في الشكل والمضمون والخلل البنيوي العام ، وتمارس تمويها بين حقيقتها الضمنية الفعلية وصورتها الظاهرية الغوغائية, والنظام السوري مثالا حيا لهذا الخلل والانفصام والتناقض والخداع .
فالديمقراطية هي أساس الوجود الاجتماعي الفعلي الحر للمواطنين , والتجسيد السياسي الفعلي للمواطنة وسيادة القانون وتطبيق العدالة والمساواة ، واستطرادا هي بنية جدلية تقوم على تعارض فعال إيجابي منتج حيوي مفتوح على التطور والتقدم الدائمين ، تتجلى واقعياً في العلاقات الداخلية وأشكال التنظيم المدني والاجتماعي والثقافي والسياسي ، أي التفاعل الجدلي الإنساني بين جميع مكونات المجتمع وتعبيراته الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية، فهي محور الحركة الوطنية الرئيسي المكون من تعشيق قوى المجتمع المدني والمجتمع السياسي في آصرة حركية تعكس العلاقة بين السلـطة والمعارضة لتحقيق فعلي لمبدأ سيادة الشعب وحكم نفسه بنفسه ،عن طريق تفاعل برامج سياسية تجعل التداول السلمي للسلطة منهجا واجبا, لأنه يمثل خاصيتها التبادلية التطورية التجديدية باستمرار , وهدفها الدائم هو التنمية العامة لمصلحة المواطنين وكرامتهم وتقدمهم , ومن ثم فالديمقراطية هي نظام الحكم الذي يفرزه المجتمع المدني في دولة القانون والعدالة والمساواة والحرية , والشكل الواقعي التي تتجسد فيه الديمقراطية هو مشاركة المواطنين الأحرار مشاركة فعلية في الأمور السياسية من خلال المؤسسة التشريعية المنتخبة انتخاباً حراً مباشراً نزيهاً بإشراف قضاء حر مستقل، أو هي حضور المجتمع المدني في الدولة الوطنية حضوراً فعلياً من خلال هذه المؤسسة، يحدد بنفسه ولنفسه خصائص نظامه السياسي العـام وخيـاراته الأساسية، ويحدد القوانين والتشريعات الكـفيلة بتحقيقها وحمايتها ويراقب بنزاهة أداء السلطة التنفيذية باستمرار.
وتأسيسا على ذلك ,ليست الديمقراطية هي ذاك الحوار المشروط بغير محدداتها المؤسسية ,الذي يهدف خاطئا أو متعمدا إلى التمركز حول قناعة مسبقة واحدة أو رصف عدمي للتباين والاختلاف الطبيعي بين الأفكار والنزعات الإنسانية المشروعة ,ففي مثل ذلك قدر كبير من العصبية الضمنية الملقحة نظريا بالديمقراطية اللفظية , على عكس ذلك, الديمقراطية هي وضوح وتفاعل منظم للأفكار والقناعات والمصالح وبرمجة عبقرية للقوى والطاقات الفردية والجماعية لمصلحة الشعب , لأن التراكيب الفردية والفئوية لا تملك منفردة الحل ولا الحقيقة , فالحل والحقيقة الوطنية هي ناتجة من تفاعل كل مكونات المجتمع التي تمليها الحاجة إلى نظام اجتماعي سياسي ديمقراطي يلبي مطالب الجميع بالتساوي واستقلالية وحياد .
وأخيرا,إن فقدان الديمقراطية, أو بالأحرى تغييبها المتعمد من قبل أقلية عصبية طائفية عن ساحة العمل الوطني في سورية , قد حرم الشعب من فرصة تاريخية تمثلها نجاعة الديمقراطية كآلية وتفكير وسلوك ونظام وإجراءات مؤسسية ,وقطع عليه طريق النهضة والتطور والتقدم في زمن هو بأشد الحاجة إليه , بعبارة خاتمة إن محاربتها هي سبب كل هذا الخراب والتشوه العام في الحياة الاجتماعية والثقافية والأهلية والسياسية والوطنية والقومية في سورية ,وغيابها القسري أنتج داء الفردية العصبية الطائفية القاتل الذي عم الحياة الوطنية وأصبح وباءا خطيرا على سورية , ولا شفاء بدونها أي (الديمقراطية) ,فهي الدواء الوحيد القادر على انتشال سورية من محنتها وشفائها وتعافيها من وباء الاستبداد…على مبدأ… وداوها بالتي كانت هي الداء …
د.نصر حسن
أقرأ الجزء الأول والثاني من هذه المقالة على الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/?p=19177
اقرأ لجزء الثالث من المقالة على الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/?p=19428

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى