صفحات العالمما يحدث في لبنان

الوهم الفرنسي والأميركي

ساطع نور الدين
مساحة الاهتمام الأميركي والفرنسي بلبنان ضيقة جداً، لكن القواسم المشتركة متعددة، أهمها الوضع على الحدود اللبنانية الجنوبية حيث تنتشر وحدات عسكرية فرنسية، وحيث تحرص القوات الأميركية على منع حدوث انفجار يربك جدول أعمالها العراقي أو الأفغاني، ويهدد بحريق إقليمي واسع النطاق، يمكن أن يضطر أميركا إلى الدخول في حرب ثالثة على العالم الإسلامي.
من هذه الزاوية فقط ينظر الأميركيون والفرنسيون، بعين واحدة، إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والأزمة الداخلية التي تسببت بها، والتي تنذر باضطراب داخلي لا تحمد عقباه ولا تضبط وقائعه بعيداً عن الحدود الجنوبية. ثمة حرص مشترك على أمن اللبنانيين واستقرارهم، لكنه لا يرقى إلى مستوى القلق على مصيرهم ولا على طبيعة العلاقات والتوازنات بين أقلياتهم المتناحرة، ولا حتما على مستقبل المسيحيين في ما بينهم، الذي يعيش أيضا هواجس ومخاوف مشرقية عامة، ويتعرض لما وصفه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أخيراً بحملة تطهير ديني… وهو واحد من أسوأ وأخطر المواقف الفرنسية التي لا تساهم بحماية المسيحية المشرقية بقدر ما تعرضها لخطر إضافي.
في واشنطن كما في باريس أصوات مؤثرة تدعو الى اختبار ذلك الاضطراب اللبناني، لأنه لن يدخل أي تعديل جوهري على موازين القوى المحلية لكنه يكشف الأفكار والنوايا السورية والإيرانية، ويقيس بدقة متناهية حجم الاختلاف والاتفاق بينهما، ليس فقط على صعيد لبنان، بل على الصعيد العربي كله، حيث توجه إلى دمشق وطهران أسئلة حرجة تتخطى علاقاتهما الثنائية، وتركز على تطلعاتهما العربية والإسلامية، بدءاً من العراق وفلسطين بشكل خاص.
لم يتضح حتى الآن ما إذا كان اللقاء الأخير بين الرئيسين باراك أوباما ونيكولا ساركوزي، سيؤدي إلى توسيع القواسم اللبنانية المشتركة، لكن المؤكد أنه لا يمهد ولا يؤسس لمخطط شبيه بذلك الذي جمع يوما بين الرئيسين السابقين جورج بوش وجاك شيراك… على ما يأمل بعض اللبنانيين، الذين افترضوا أن الاتفاق الأميركي الفرنسي على المحكمة والعدالة يشكل رافعة للتغيير المنشود في الوضع اللبناني.علما بأن ذلك الاتفاق ليس مبرما، وهو يخضع لنقاشات داخلية أميركية وفرنسية حول جدوى الخضوع لذلك الاختبار ومخاطره والمدى الذي يمكن أن يصل اليه. لكن أهمية ذلك اللقاء، ومعه المشاورات التي تدور في نيويورك، تكمن في أنه يوحي بأن واشنطن وباريس تقتربان من لحظة اتخاذ القرار النهائي، بما إذا كان ينبغي اعتماد مخرج سياسي من المأزق القضائي، الذي بات يمنع الوصول إلى قاعة المحكمة في لاهاي، بأي شكل من الأشكال، أو ما إذا كان الوقت مناسبا للمضي قدما نحو مواجهة، غير مبررة وغير مرغوبة أساساً، مع سوريا ومع إيران اللتين نفعت العقوبات عليهما في تغيير الكثير من برامجهما وإضفاء الكثير من التواضع على طموحاتهما، حسب التقدير المعلن من جانب الأميركيين والفرنسيين على حد سواء. المشترك اللبناني بين باريس وواشنطن يوحي بأن العاصمتين تتجهان نحو قطف ثمار ضغوطهما على دمشق وطهران بغض النظر عن مواقف اللبنانيين المتصارعين على أوهام.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى