صفحات سورية

المعارضة السورية : شعبٌ يترقب و تاريخٌ لن يرحم ( 1)

null
ميرآل بروردا
بحكم طبيعة التفكير الإنساني و عدم تماثل طرائقه و توجهاته ولد الاختلاف في التفكير و الرؤية الفكرية و ولدت النزاعات و الصراعات بموجبها ..
تفاوت هذا الاختلاف في درجات حدته وصل بعضها إلى الاقتتال و الحروب الطاحنة فكان له نتائج مختلفة سلباً و إيجاباً لدى الطرفين على حد سواء و كانت هذه الحدة مقترنة بمدى تطور و تقدم العقلية الإنسانية إضافة لعوامل أساسية كالاقتصاد .. فرضتها الامتيازات للبعض و حرمان البعض الآخر و لربما هنالك حالات نفسية فرضت هذا الاختلاف ..
تعود البذور الأولى لنشأة المعارضة إلى بداية تكون البشرية فكانت معارضة الإنسان البدائي لقوى الطبيعة التي تفوقه قوة و تجلب له الأضرار المختلفة أن يفكر و يحاول قلب تلك المعادلة لصالحه و يسيطر على هذه القوى التي كانت تستبد به فكان اختراع النار و لجوءه إلى الكهوف و المغاور و تدجين الحيوانات بداية لتمرده على الطبيعة و تطبيقه لقانون الغاب في البقاء للأقوى …!؟
اتسعت رقعة البشر و تطورت مفاهيمه و ازدادت احتياجاته وفقاً لهذا التطور فبدأت الأنظمة بالتكون و بدأت بسن القوانين وفقاً للموقف المعاش .
إن تفرد بعض الفئات و الشرائح بقيادة المجتمعات و فرض مصالحها على حساب باقي الشرائح عنوة هيئ لتلك المحرومة رفض هذا الحرمان و العمل في سبيل قلب تلك المعادلة بعضها لصالحها و البعض الآخر توجه بشكل سليم فحقق العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لمختلف الفئات بما فيها تلك التي استبدت بها سابقاً ..؟
إن قراءة المشهد السياسي العالمي تضعنا أمام أشكال مختلفة للمعارضة و تبلورها ثم انحراف بعضها و اتخاذها منحى الاستبداد الذي ناضلت في وجهه و كي نكون منصفين بقي البعض الآخر على نهج الدفاع عن المستضعفين و المسلوبين حقوقهم و العمل الجاد في سبيل استمرار هذا النهج كما في حال الثورة الفرنسية و ما قدمته لشعوب العالم إجمالاً و للشعب الفرنسي خاصة ..
إن بزوغ المعارضة الروسية في وجه القيصرية الروسية ثم دحرها و إعلان قيام المنظومة الاشتراكية على يد الشيوعية الروسية فرضت حالة جديدة من الاستبداد كما في حالة دكتاتورية البروليتارية و ما أقدمت عليه بحق عائلة القيصر رامانوف معلوم لنا ..
لربما استفادة الشعوب و المجتمعات الرازخة تحت نير الاستبداد وتلك التي تعاني الأمرين من اغتصاب الفئات المستبدة لحقوقها كانت تنظر و تتأمل من النظام الشيوعي و الاشتراكي مساعدتها في تحريرها فتبنت حركات التحرر العالمية تلك النظرية و حاولت توظيفها في بلدانها مدفوعة بالأمل الذي جلبته رياح الاشتراكية كحركة معارضة للنظام الرأسمالي العالمي المتحكم بالقوى الكادحة و التي جعلت من نفسها وقوداً لنار الحرب الباردة على مدى عقود من الزمن فكانت بلدانهم ساحات لتلك الحروب حققت بموجبها بعض من المكاسب كما في الحالة الكوبية و الفيتنامية و الصينية و السورية و العراقية دفعت شعوب الأخيرتين بشكل خاص الثمن الباهظ فيما بعد و بقيت الأكثرية ضحية لتلك الحروب كما في الحالة الكوردية و الفلسطينية ..
بعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط المنظومة الاشتراكية بقيادة السوفييت و تفككها ثم سيادة القطب الأوحد المتمثل بالولايات المتحدة و حلفاءها و الثورة التكنيكية التي اجتاحت العالم و انطلاق السيل الديمقراطي و مفاهيم الحريات و حقوق الإنسان نحو النظم التوتاليتارية و إنعاش الشعوب الرازخة تحت وطأة سياسة الحزب الواحد و الحكومات الشمولية خاصة بعد هجمات أيلول و بدء الحرب على الإرهاب و منظماته كإحدى إفرازات الحرب السابقة أيعنت لولادة عهد جديد للمعارضة تمثلت في النضال السلمي الديمقراطي عبر الاحتجاج و التظاهر كما في الحالة الجيورجية و الأوكرانية و عبر ولادة حق الدول العظمى في التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي يثبت استبدادها بشعوبها و تشكل خطراً على الأمن العالمي كما في الحالة الأفغانية و العراقية و استخدام القوى في تصحيح مسارها و تغيير أنظمتها أو استخدام القوة الاقتصادية و فرض العقوبات كما في الحالة الإيرانية و السورية بغية تحسين المستوى الإنساني الداخلي معيشياً و تغيير سلوك تعاملها مع الداخل و الخارج عبر إطلاق الحريات و الديمقراطيات و احترام حقوق الإنسان .
مرت المعارضة السورية بثلاث نقاط أساسية خلال التشكل و الانطلاق على الصعيدين السوري العام و العربي السوري :
فعلى الصعيد السوري العام تعتبر انطلاقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا عام 1957 النقطة الأولى في تاريخ المعارضة السورية .
إن اعتبارنا لانطلاقة هذا الحزب الذي تغير اسمه بعد عام من تشكله إلى الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا كبداية لتشكل المعارضة يأتي لكونه دعا إلى تحرير المناطق الكوردية من الوجود القسري لنظام أجنبي على الأراضي الكوردية ثم التزامه بالهم الوطني و اعتبار الحالة الكوردية جزءاً من الكل السوري و العمل على رفع الغبن الذي لحق بشريحة واسعة من مقومات النسيج السوري و التي تعتبر ثاني قومية في البلاد و اعتناقه لليسار الوطني بما يضمن حرية البلاد و إطلاق الحريات العامة و الحفاظ على حقوق الإنسان السوري و النضال في سبيل الديمقراطية للبلاد ككل في وجود نظام شمولي مستبد ذو رؤية أحادية الجانب و إقصائية حد التنكيل بالغير ثم تطور مفاهيم هذا الحزب الذي أصبح تياراً أو حركة على الأرجح تضم عدة أحزاب تتسم بالخصوصية الكوردية و السورية على حد سواء و العمل جنباً على جنب أطياف المعارضة اللاحقة و بحضور أكبر في الشارع السوري العام عبر المظاهرات و الاعتصامات و حتى الانتفاض عام 2004 يدفعنا للجزم بأساسية هذه الحركة في تاريخ المعارضة السورية .
على الصعيد العربي السوري : إنصافاً منا للتاريخ و الحقيقة علينا اعتبار تشكل الحزب الشعبي الديمقراطي السوري ( الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي -) بقيادة رياض الترك النقطة الثانية في تبلور المعارضة عبر مقاومة التيار اليميني في حزب البعث العربي السوري المتمثل بحافظ الأسد و تدخلاته في الشأن اللبناني الشقيق و الخلاف مع خالد بكداش الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوري حول انضمام هذا الأخير إلى الجبهة الوطنية التقدمية التي تمثل مفارقة واضحة تدعو للسخرية حول محاولة نظام البعث السيئ الصيت إظهار نفسه الوصي على البلاد و تقديم نفسه أمام العالم الخارجي كأب للديمقراطية في تزامن مع عدم وجود أي قانون ينص على السماح بمزاولة العمل السياسي الحزب أو الترخيص له فمن أين جاءت تلك الأحزاب الجبهوية و كيف لها الحراك السياسي إلى جانب من ينفي و يقصي الآخر وفقاً للقانون السوري و طبيعة حزب البعث الانقلابية و فرضه نفسه على دفة الحكم السوري و علينا أيضاً اعتبار رابطة العمل الشيوعي السوري بقيادة فاتح جاموس امتداداً لهذه المنهجية التي أطلقها رياض الترك ..
أما بالنسبة للنقطة الثالثة : فالتحول الواضح في أسلوب المعارضة السلمي إلى نضال عسكري تمثل في حركة الإخوان المسلمين أوائل ثمانينيات القرن المنصرم و التي تعامل معها نظام دمشق بفظاعة دموية لا تنسى عبر حرب طاحنة و حملة اعتقالات واسعة لا زالت آثارها ماثلة للعيان …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى