صفحات العالموائل السواح

كل دم حرام: تلك هي القضية

وائل السواح
ما الرابط بين الألماني أليكساندر فينز والأمريكي من أصل فلسطيني مالك حسن؟ الجواب كلاهما قاتل. الأول أقدم بعنصرية هائلة ودوافع تعتمد على كراهية الأجانب على قتل سيدة مسلمة مسالمة في مدينة دريسدن الألمانية في شهر تموز من العام الجاري. الثاني أقدم بدوافع لا تقل عنصرية وكرها للآخرين على قتل ثلاثة عشر جنديا من زملائه في الجيش الأمريكي في قاعدة فورت هود.
نترك أمر القاتلين للقضاء. فقد حكم على الأول بالسجن مدى الحياة، وهي أقصى عقوبة ممكنة في بلد ديمقراطي كألمانيا. الثاني سوف يحاكم عما قريب، وسنرى الحكم الذي يتلقاه. ولكنني أركز هنا على رد فعلنا نحن العرب تجاه الجريمتين.
لمتابعة ردات الفعل، يمكن مراجعة برامج رأي المجمهور في القنوات الفضائية العربية، التي خصصت ساعات طويلة تستفتي فيها آراء” الشارع” و “الشعب” و “الجمهور” في هاتين الجريمتين. بدون استثناء، أدان جميع المشاركين في هذه البرامج الجريمة الأولى، واتهموا القاتل (وهم محقون في ذلك) بالعداء للإسلام والمسلمين. لم يجد أيّ منهم (ولست بفاعل) أي مبرر يمكن أن يخفف من بشاعة الجريمة. أما المساهمون في برامج رأي الجمهور الذين شاركوا في الإدلاء بدلوهم في الجريمة الثانية فقد تمايزوا بين مدين بالكامل للجريمة، وهم قلة قليلة من المشاركين، ومبرر ومتحمس لها، باعتبارها جهادا في سبيل الله وهم أيضا قلة، ومدين ولكن مع البحث عن كل الأعذار الممكنة التي تبرر للقاتل فعلته.
بالنسبة للمساهمين المذكورين، فإن فينز مجرم عنصري متطرف ومعاد للإسلام، أما نضال حسن فله مبرراته، لأنه، وفق رواية أحد أبناء عمومته، “واجه في الفترة الاخيرة ضغوطا وتمييزا في عمله بسبب اصوله الشرق أوسطية وحاول الاستقالة من الجيش”. حسنٌ. إذا واجهت صعوبات وتمييزا في عملك، فما عليك سوى أن تقتل ثلاثة عشر رفيقا لك. هذا مزاح مقرف، وتبرير غير منطقي وغير مقبول. ولن نرتقي بأنفسنا، نحن العرب، إلا إذا توصلنا إلى أن ندين أخطاءنا كما ندين أخطاء الآخرين. ولكننا لا نفعل.
مرت أعوام على “غزوتي” نيوروك، وحتى الآن لم نسمع من أي شيخ من مشايخ الفضائيات إدانة فعلية لهذه الجريمة البشعة. وكذلك لم نسمع إدانة واضحة لحادثة مترو الأنفاق في لندن وجرائم مدريد وبالي وعمان الإرهابية. لا أتحدث عن الإدانة الشكلية التي جاد بها البعض علينا. أتحدث عن إدانة حقيقية لجريمة حقيقية. أتحدث عن شيخ، كالقرضاوي مثلا، يبدأ حديثه التفزيوني بعبارة “إنني أدين أسامة بن لادن والملا عمر، وكافة الإرهابيين الذين يتخذون من ديني ستارا لجرائم هي مضادة لديني ومبادئه، وأعتبرهم مجرمين، ينبغي ملاحقتهم والقبض عليهم والحكم عليهم بما يتفق مع جرائمهم.” ولكنني لم أسمع مثل ذلك من السيد القرضاوي ولا من غيره. فالسيد القرضاوي، المشغول بصد أبواب الجنة أمام غير المسلمين، كما جاء في مقابلته مع مجلة دير شبيغل الألمانية (تموز 2005)، يطالب بأن يحاكم بن لادن – إن جرت مثل هذه المحاكمة – أمام “محكمة إسلامية، مكونة من علماء مسلمين،” خاصة وأن بن لادن “معه فتوى من مشايخ وعلماء.”
العقلية التي “تفتي” على شاشات الفضائيات العربية، وخصوصا الجزيرة وبعض برامج BBC، تميز – ربما بدراية أو بدون أن تدري – ما بين فئتين من الدماء: دماء مروة ودماء الجنود الثلاثة عشرة الذين قتلهم نضال، كما تميز بين فئتين من القتلة. لا أتحدث هنا عن فتاوى رجال الدين الأفاضل، فحسب، ولكن عن فتاوى رجال الشارع العربي، الذين باتوا يملؤون شاشات الفضائيات بأحكامهم القاطعة وبآرائهم في الدين والفلسفة وعلم الاجتماع.
وعود على بدء: قتل مروة بدم بارد جريمة بشعة، يزيد من بشاعتها مكان حدوثها، في قاعة العدالة، وشهود الجريمة: زوج القتيلة وابنها الصغير. وفينز قاتل بشع، جاءت عقوبته –العقوبة القصوى- إحقاقا للحق. ولكن قتل ثلاثة عشر جنديا في قاعدتم العسكرية لا يقل – ولا بشكل من الأشكال – دناءة وقسوة وعنصرية عن قتل مروة. وأنا هنا لا أتحدث عن الجوانب البراغماتية، ولا على النتائج السلبية للجريمة على المسلمين أنفسهم في أمريكا، فقد جاءت الجريمة كأحسن هدية للمتطرفين المعادين للإسلام في أمريكا والغرب الذين ينشرون الخوف من المسلمين هناك. فالجريمة ستؤدي دون شك الى ردود فعل سلبية سيدفع ثمنها المسلمون عموما والمجنّدون المسلمون في الجيش الاميركي. ولكنني أتحدث عن الجانب المبدئي في القضية: كل دم بشري متساو في القيمة، وكل دم حرام، ما لم يكن بحكم محكمة تدين بقانون بشري. تلك هي القضية.
عن موقع ألف للكتابة الجديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى