خلف علي الخلفصفحات الناس

هل تمثل «سارية السواس» رمزية جامعة للهوية السورية؟

null
خلف علي الخلف
الصدفة وحدتها قادتني لسارية السواس، فمنذ زمن طويل انقطعت من متابعة التلفزيون وكذلك الأغاني. وأن تكون خارج سوريا فهذا يعني أن «مطربي السرافيس» و «الكراجات» و«التكاسي» لن تدري عنهم شيئاً. البداية كانت مع تقرير أخباري في أحد القنوات الفضائية يقدمها كظاهرة مثيرة للإستغراب. بعدها وبحكم اتصالي الدائم مع وسائل الإعلام الجديد بحثت عنها وهالني حجم وعدد« الفيديوهات» الموجودة لها على اليوتيوب. وكذلك عدد التعليقات المثارة على هذه «الفيديوهات».
سمعت وشاهدت الكثير لسارية؛ هناك شيء شدني غير رقصها المثير، وغير صوتها المحدود الأمكانات.. إنها عادية سارية. فهي قادمة من القاع، هناك من يقول أنها من «نور» سوريا، وهناك من يعطيها أصلّا أقلوياً آخر، وذلك للحط من شأنها؛ لكنها بالتأكيد سورية، فـ «نور سوري» هم جزء لا يتجزء من الهوية السورية فما بالك بمكونات أخرى!.
إنها من القاع، ولم تتشكل لها رمزية قادمة من احتضان «الميديا» الرسمية أو غير الرسمية لها، أو من تكرارها على الشاشات، ما عدا «فيديوهات» قليلة سجلت لفضائيات «درجة ثالثة» فكل تسجيلاتها مأخوذة عن حفلات «لايف»، وفي حفلاتها تلك تبرز عادية سارية، تلبس لبسا عاديا في العموم كأي بنت سورية «غير محافظة» والراقصون في الحفلات بجوارها هم مثلها أيضا لا نجوم بينهم، بل هناك في حفلاتها نساء محجبات يرقصن معها، رجال ونساء بلباس يمثل الحياة اليومية السورية لا لباس الحفلات، وترى أيضا عادية الجميع في الرقص معها. أيٌّ من الراقصين يستطيع أن يمسك بيدها ليدبكا.. وفي العموم حفلاتها هي في الدرجة العادية من الحياة السورية، ليست حفلات مخملية، من الحضور، الكراسي، الاجهزة الصوتية المستخدمة، وحتى الألات الموسيقية..
ذلك يجعل سارية محط ترفع من «النخب»سواء الثقافية التي تترفع عن «حالة سارية» ككل أو «النخب» المالية التي تترفع عن سارية بكونها تمثل «الرثاثة» المجتمعية التي لا تمثلهم ولا هم جزء منها. وكذلك النخب الموسيقية التي تعتبر أن ماتقدمه سارية هو «ثقافة» موسيقية منحطة. هناك أيضا الناس العاديين الذين يمكن أن يطربوا أو يرقصوا على ما تقدمه سارية لكنهم عند الحديث عنها يعتبرونها في الحد الأدنى «شيئا» رديئا.
في هذه الخلطة يمكن أن نلخص أن الحط من ظاهرة كـ«سارية السواس» يعكس المناخ السوري الآن [وربما سابقا] ويعكس ذلك عدة مكونات للقيم الوصائية على الناس. فهو يعكس قيم محافظة ترفض الجديد بغض النظر عن كونه يحمل تجديدا أم لا؛ وكذلك يعكس قيم على تضاد مع القيم الليبرالية التي تقبل بوجود الجميع دون مفاضلات «الأفضل».. ويظهر كم أن قيم الديكتاتورية قد تسربت للجميع، تلك التي تؤمن بالتسلط على الناس عبر تحديد ماهو مناسب أو غير مناسب لهم، وبقدرة عدد محدد من الأصوات او صوت واحد ليكون النموذج الأمثل لما يجب عليهم سماعه. إنه جزء من مفهوم وسلوك «القيامة» على الناس والتسلط على خياراتهم. ولا يمكن عزله عن الحقل السياسي الذي تربى عليه السوريون طويلاً ضمن مفاهيم الحزب الواحد والصوت الواحد والقائد الواحد، وليس بعيداً عنه معيار «الوطنية الصحيحة» لدى نظامنا في مقابل «الذائقة السليمة» التي يعكسها رفض سارية [وأمثالها]. ويعكس كذلك تجاهل مشاعر الناس وحقهم في أن يسمعوا ما يشاؤون ويدبكوا كيفما شاؤوا، إنها قيم «نخبوية» في المعنى التحقيري للمفردة، تترفع عن الناس وتؤمن بالوصاية عليهم. وتعكس كذلك الروح العميقة لإزدواجية من يدبك على أغانيها وهو يعتبرها لاشيئ. في العمق أيضا يعكس ارتباكنا في قراءة ظواهر مجتمعنا.
بالتأكيد سارية ليست صباح فخري؛ إلا أنها أكثر تمثيلاً للسوريين منه فصباح فخري لا يمثل كل السوريين، ولا يتم التعامل معه كجزء من هوية بعيدا عن حلب. ولا هي أدونيس الذي يعتبر نفسه أهم شخصية ثقافية سورية فهي تغني «وين البارح سهرانة يابنت الكلب» لكنها أكثر تعبيراً منه عن شعور ولا شعور السوريين..
هذا يقودنا للتساؤل ببلاهة هل تَشكَلَ في سوريا (الحديثة التكوين)، رموز جامعة للهوية السورية؟ عدا عن الرموز القسرية، والرموز التي تمثل كل دولة حديثة (علم، نشيد وطني، عملة، بطاقة شخصية، جواز سفر،…) وحتى الأخيرين محروم منهما جزء كبير من السوريين.
سوريا دولة حديثة لا تتشكل حتى من أقليم جغرافي مستقل مثل كثير من الدول، ذلك يبدو واضحا من توزع انتماءات المناطق أو المحافظات السورية، لذلك كل الرموز السورية الجامعة هي خارجية، (فلسطين، فيروز، الخ) وعليه يبدو لي أن هذا سبب رئيس لانتشار الخيار القومي سواء “القومية السورية” او ” القومية العربية” لأن في هذا الخيار تجميع لاشتات سوريا وتوحيدها، التي تبدو مع عجز الدولة الحديثة عن نسج هوية وطنية افضل خيار لجمع السوريين وتوحيدهم. فمناطقيا أهل درعا أقرب للأدرن، وأهل السويدا أكثر ارتباطاً بجبل الدروز، بينما أهل الجزيرة أكثر ارتباطا نسيجيا بالعراق وكذلك حلب وأدلب لولا الفصل القسري مع تركيا فهم أكثر ارتباطا مع تركيا، يبقى من ذلك دمشق العاصمة كوحدة منفصلة والساحل السوري أيضا وحدة منفصلة، بينما حمص أقرب لـ طرابلس لبنان التي ايضا تعتبر نفسها (حتى فترة قريبة) أقرب لهم من لبنان.
في تشكيل الرموز الجامعة هناك اختراقات بعيدة «فهد بلان» و «غوار الطوشة وحسني البورزان وياسين … » و… لكنها ذبلت منذ زمن بعيد. هناك اختراق قريب جاء مع علي الديك لكن علي الديك [ووفيق حبيب] اقتصر اختراقه على دمج جزء من غناء منطقة سورية «الساحل» مع الكيان السوري ككل.. من هنا تشكل سارية اختراقا جديّا في لملمة رمزية جامعة للهوية السورية مهما بدت ضئيلة [وحتى بائسة على رأي «النخب»] كونها لا تمثل منطقة بعينها ولم تغني بلهجة منطقة واحدة من سوريا بل غنت بأغلب لهجات سوريا، من الجزيرة إلى الساحل، وكذلك لايبدو لي مهملاً صوت وعازف البزق الذي يرافقها في بعض حفلاتها.. أيضاً إنها تغني أغاني بكلمات «من الهامش» أعتقد أنها استطاعت أن تصعد بها إلى المتن، دون أن ننظر في قيمة هذا الهامش الذي صعدت به إلى متن ليس بأحسن حالاً منه.
مقارنة مع الحال المصرية على سبيل المثال لا الحصر لو كانت سارية السواس مصرية لصعدت الى مسرح النجوم بشكل سريع لكنها الحالة السورية التي تأكل الجميع. تحتاج سارية منا أن نقرأها..  ونسمعها كذلك
موقع جدار
http://www.youtube.com/watch?v=ucwq3MwPCcQ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى