بدر الدين شننصفحات سورية

ليس من طريق آخر للفوز بالحرية

null

بدر الدين شنن

منذ أن بدأت الطبقة السياسية الاقتصادية الحاكمة تستقر على خيار اقتصاد السوق ، بشقيه الداخلي والخارجي ، تلبية لحاجتها نقل تراكماتها المالية وثرواتها ، التي ا ستحوذت عليها عبر السيطرة على السلطة ، وتسخير الدولة بمؤسساتها وقطاعاتها المختلفة ، إلى مرحلة الاستثمار ،
بدأت مرحلة سياسية اقتصادية متميزة تبرز وتفرض نفسها في الحالة السورية . الجانب الجديد فيها ، أن الاقتصاد بات يدفع من قبل تلك الطبقة دفعاً ممنهجاً ، لينسجم ويتطابق مع متطلبات اقتصاد السوق ، وأن الدولة بآلياتها المختلفة ولاسيما القمعية وضعت في خدمة هذه المرحلة ، التي تتمثل بداياتها ومقدماتها الجارية على قدم وساق ، بإلغاء الدعم الحكومي لعدد من السلع التموينية وخاصة المحروقات ، والتصفية التامة للقطاع العام الانتاجي والخدمي ، وكانت بداياتها على سبيل المثال خصخصة عدد من المشافي الحكومية ومرفأ طرطوس والالتفاف على صيغة الإلغاء باستبدالها بعدد من المؤسسات بصيغة التعهد أو التأجير والسير خطوات مقلقة نحو خصخصة مرفأ اللاذقية ، والتي تتمثل في مآلاتها وخواتمها ، بإقالة الدولة من أي دور مالك أو مشارك أو موجه في الحقل الاقتصادي ، في الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والبنى التحتية والصحة والتعليم وكافة الأنشطة الأخرى ، التي تحتوي على مغريات أرباح مضمونة . وتدخل في سياق هذه المرحلة كافة التحركات ، التي يقوم بها الطاقم الاقتصادي الحكومي ، سواء في التسويغ المنافق لاقتصاد السوق ، أو لاستدراج رؤوس أموال خارجية ، والاستماتة في إرضاء البنك الدولي والقوى الدولية الامبريالية ، ورهن السيادة الوطنية ولقمة عيش الغالبية الساحقة من الشعب لاشتراطاتها المذلة المجحفة ، لتوفير فرص شراكة غير متكافئة مع الرأسمالية الدولية .

اللافت السافر في هذا النهج ، أن الطبقة الاقتصادية عامة وعلى رأسها السلطوية منها ، التي تحث الخطى لاستكمال عملية إقصاء الدولة عن الحقل الاقتصادي ، توظف هي كل مافي الدولة من سلطات لتحقيق أهدافها الطبقية الخاصة في الحاضر والمستقبل ، غير عابئة بوقوعها في تناقض فج ، بين ما يستدعيه نهجها “” الليبرالي “” الاقتصادي من تغيرات نوعية ” ليبرالية سياسية ” ، وبين النظام القائم على الاستبداد وإقصاء الآخر ، الذي تستخدم قبضته القمعية وآلياته عامة لإجراء تحولاتها .

بمعنى أن بناء اقتصاد السوق ، الهادف أ ساساً في الحالة السورية ، لغسل أموال غير مشروعة ، وإدخالها ، كجزء أساسي مهيمن ، في بنية الاقتصاد الوطني ، لايمكن أن يتم إلاّ بنفس آليات الاستبداد والقمع ، التي تحققت بها هذه الأموال . وبالتالي لكي ” تستقر ” الأمور لمثل هذا الاقتصاد ، الذي سيتسبب بآلام مضاعفة لقوى اجتماعية وا سعة ، آلام القمع من فوق ، وآلام الحرمانات المعيشية من تحت ، لايمكن إلاّ أن تواصل هذه الآليات دورها القمعي للجم الاحتجاجات الشعبية ، التي قد تنسف هذا البناء الظالم ، الذي يتعارض مع مصالح تلك القوى وإنسانيتها .

من هنا يمكن الاستدلال ، على أن الاستبداد الذي كان الآلية الأساس في مرحلة التراكم المالي السلطوي اللامشروع ، التي تمثلت باستخدام الدولة بقطاعاتها المختلفة وبتجميد الرواتب والأجور ، بهدف تشكيل شريحة اقتصادية سيادية جديدة ، فإن المرحلة ” التحويلية ” لبناء اقتصاد السوق ، تتطلب متابعة القبض على دفة الدولة وآلياتها القمعية لصالح مراكز القرار الاقتصادي السياسي السائدة المتجددة ، ولمنع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية من أن تنتزع حق السياسة للمجتمع ، وحق تداول السلطة ، وحق الطبقات الشعبية بحماية لقمة عيشها وشروط حياة إنسانية تقيها من في المرحلة الراهنة من الاستغلال المفرط والاحتكار ومن انعكاسات التمايزات الطبقية الحادة ، ولكبح الطبقات الشعبية المثقلة بالآلام الاجتماعية القديمة والجديدة ، ما يعني أن الاستبداد سوف يتواصل ، وأحياناً أكثر وحشية من قبل ، لتكريس و استقرار اقتصاد السوق .

وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير حدثين متزامنين يتجليان الآن في المشهد السوري هما ، ” انفلات ” القمع المرفوض والمدان ، الذي طاول مؤخراً عدداً من المشاركين في المجلس الوطني لإعلان دمشق وعدداً من قوى كردية وإ سلامية وغيرها ، و” انفلات ” ارتفاع الأسعار للسلع المعيشية وفوران بركان رفع أسعار المحروقات . ويمكن لذينك الحدثين أن يفسرا ، إلى حد كبير ، ارتباط القمع بالنهب واللصوصية الاقتصادية . ما معناه بإيجاز ، أن الطبقة الاقتصادية المتسلطة تريد أن تحتكر السوق واقتصاد السوق وأرباح السوق ، دون أي اعتراض أو احتجاج . وما معناه ايضاً ، أن ارتفاع الأسعار ليس ” انفلاتاً ” بمعنى القفزة المفاجئة العابرة ، وإنما هو تصعيد سعري مرتبط بالنهج الاقتصادي السائد الآن والذي سيسود لاحقاً ، وأن القمع ليس ردة فعل على اجتماع أو اعتصام ، وإنما هو نهج مرتبط موضوعياً بمصالح النظام السيادية والاقتصادية في آن .

في المجموعة الإحصائية التي أصدرها المكتب المركزي للإحصاء لعام 2007 ، وإن تضمنت الكثير من المحاباة للحكومة في حجوم الأرقام ، لاسيما فيما يتعلق بعدد العاطلين عن العمل أم بنصيب الفرد من الدخل المحلي والقومي ومتوسط الرواتب والأجور ، وردت دلالات هامة تدعم مايذهب إليه المقال ، حول ربط السياسي بالاجتماعي في الخطاب السياسي المعارض أبرزها :

1 – بلغ قوام قوة العمل 859 , 4 مليون عامل موزعة كالآتي : 355، 1 مليون في القطاع العام و 485 , 3 مليون في القطاع الخاص ، من إجمالي عدد السكان البالغ 660 , 21 مليون نسمة .

2 – بلغ عدد المتعطلين عن العمل 432 ألف .

3 – نصف العامليم في القطاعين العام والخاص ” تزيد ” رواتبهم الشهرية عن 9000 ليرة . أما النصف الباقي فقد تجاوزت رواتبهم ” قليلاً ” ال 5000 ليرة .

مامعناه ، أننا إذا اعتبرنا أن احتياجات المعيشة للعائلة المكونة من خمسة أشخاص ، التي تشمل الغذاء والدواء وإيجار السكن وقيمة الماء والكهرباء ونفقات التنقل والمدارس والمحروقات ، حسب الأسعار المتصاعدة تكلف 50 ألف ليرة شهرياً ، فإن كافة العمال في سوريا هم ، إما تحت خط الفقر السيء أو تحت خط الفقر الأسوأ . وعندما ندخل في عمق حزام الفقر الجغرافي في المحافظات الشمالية والشرقية وعمق أحزمة الفقر حول المدن الكبرى ، فإننا نجد إضافة إلى مليون عاطل عن العمل في المدن ، نجد ملايين الفلاحين والمواطنين الفقراء ، مما يشكل كتلة بشرية مهمشة تتجاوز ال 60 % من المجتمع تكابد حرمانات وأزمات لاتحصى .

ولهذا ، فإن الاحتجاجات التضامنية الدولية على الاعتقالات والتعسف في الحكم ، مع الاحترام لها ولضرورتها ، ولأسباب تتعلق بتقاطع المصالح الدولية وموازين القوى الداخلية ، لن تحقق تغييراً مرتجى في أحوال البلاد .. وإن ” النق ” الإعلامي ضد تصاعد الأسعار ، لن يجلب الرخص والبحبوحة في المعيشة لملايين الفقراء .

النظام ببنيته .. ونهجه المركب على جدلية الاقتصاد والقمع .. يدل على طريق الفوز بالحرية .

المطلوب سياسياً .. ربط الاجتماعي بالسياسي في الخطاب المعارض . ومع الحاجة الموضوعية لبلورة تعبيرات سياسية .. نوعية .. طبقية .. يسارية .. أو غيرها لتغطية واحتواء كل المتضررين من الاستبداد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، يتعين بذل أقصى الجهود لتجاوز الخلافات والسجالات الإقصائية في صفوف المعارضة ، والعمل على وحدتها حول القواسم الوطنية الديمقراطية الاجتماعية المشتركة ..

والمطلوب جماهيرياً .. التوجه الجاد والحاسم نحو الطبقات الشعبية ، مهما تطلب ذلك من وقت ، وخاصة نحو الطبقة العاملة الأفضل تموضعاً والأكثر قابلية للتنظيم والحركة .. وتحرير الحركة النقابية العمالية والمهنية الحرة بأشكال متعددة من هيمنة السلطة .. من أجل إطلاق حراك جماهيري وطني ديمقراطي اجتماعي يتمتع بمرونة الخيارات وقدرة الاستمرار حتى خواتم المواجهات مع الاستبداد .

الحوار المتمدن

2008 / 1 / 29

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى