صفحات الشعر

كيث والدروب الحائز جائزة الكتاب الوطني الأميركية: لأجل أن نشيخ يفترض أن يطلع القمر

null
إعداد وترجمة فوزي محيدلي
اعلنت في النصف الثاني من تشرين الثاني جوائز “الكتاب الوطني” الاميركية. وفي حين ذهبت جائزة الرواية لكولوم ماكان، الايرلندي الجنسية عن عمله “دع العالم العظيم يغزل” كانت جائزة الشعر من نصيب الأميركي المخضرم كيث والدروب عن ديوانه “دراسات تجاوزية السمو”. يجمع والدروب ضمن هذا العمل الآسر ثلاث متواليات شعرية سوياً “حطام سفينة في الميناء”، “الوقوع في الحب من خلال عملية وصف” و”فادن فيترافيس” ضمن لوحة ثلاثية الأجزاء رفيعة اللمسة الفنية.
انطلاقا من اعجاب قديم بالشاعر الفرنسي ريمون كوينو والرسام الأميركي روبرت ماثرويل يستعمل والدروب تقنية الكولاج لاضفاء معان جديدة على الأبيات وضمن سياق جديد. ويمكن القول انه ضمن هذه الأبيات شبه التجريدية والاختبارية تأخذ الكلمات الكولاجية المسلوخة عن طريق التمزيق من سياقاتها المعهودة معاني جديدة. يفرض والدروب نوعا من الايقاع النغمي على المادة المنتزعة كولاجياً، رغم ان الأصل بقي على شيء من الانكشاف.
هذه القصائد النفاذة الميتافيزيقية والشخصية تعمل على اجراء مصالحة بين ميول والدروب الرومانسية وبين التجريب مؤدية تاليا الى التوحيد بين الشعر والفلسفة وكاشفة لاشاعر على انه تجاوزي الرفعة على عتبة الالفية الجديدة.
ديوان والدروب الجديد، عبارة عن حالة تأمل فلسفية متطاولة بخصوص ماهية المواضيع الرئيسية للشعر: الادراك، المخيلة، الجسد وكيفية تفاعل الحياة الانسانية الداخلية مع العالم الأوسع.
عبر قصائد قصيرة أحيانا ومشرشرة الأوصال يتناول والدروب المواضيع المشار اليها بلغة هي في التناول وان كانت على شيء من العقلانية. يحاول التكلم في المتوالية الأولى المؤلفة من ست مجموعات من القصائد الليريكية وقصيدة طويلة، ان يثبت مقولة “رأيت.. كل شيء/ مما كان يحدث على الارض وبمقدوري/وصف طنين الغيمات”. وتتألف المتوالية الشعرية الثانية للديوان من مجموعة من القصائد المنفصلة المؤلفة بدورها من شقف من الابيات والافكار المجهضة الساعية صوب الاكتمال والعلائقية: “معظم حالات الانتحار في شهر ايار، حزيران، تموز، حرارة غير اعتيادية تدفع بالأكثرية صوب الله، طريق مسدود”.
وبخصوص المتوالية الشعرية الثالثة فهي تتألف من مجموعة من القصائد، اكثرها قوة وجذبا عربة ـ نقل”، تعمد الى سكب انفجارات ليريكية على الصفحة، وينتهي الديوان بقصيدة طويلة عنوانها “خاتمة”: “ملائمة حجرية تتأمل بطريقة ريليكية (نسبة الى ريكله) تماثيل مقبرة، التي هي عكس الادراك، نحن ندفن تحديقنا فيها”.
لمزيد من الضوء على الشاعر وعلى بواعث الديوان هذه المقابلة، اجراها الشاعر والناقد كريغ مورغان مع والدروب.
[ كيف تشعر وقد ترشحت للجائزة.
ـ رُشحت قبلا عن ديواني الاول (“طاحونة هواء قرب كالغاري”) لربما الترشيح لديواني الاول عنى لي اكثر. ذلك اثار دهشتي بما لا يقاس.
[ لست شاعراً فقط، وانما انت ناشر ومحرر “بارنيننغ دك برس” وهي دار تنشر كتبا تصنف عادة بأنها عالية التجريب. الا ترى انه مما يثير الاهتمام هذه السنة ان العديد من الذين بلغوا التصفية او اللائحة النهائية بالنسبة لجائزة الكتاب الوطني يندرجون تحت يافطة التجريب؟
ـ انظر الى نفسي على انني تقليدي جداً، لكن هذا لا ينفي اني لا اجرب بالطبع. والتجريب عندي يطال اي نوع، لربما ثمة عدد اكبر من الأشخاص مستعدون لتقبل الشعر التجريبي هذه الايام. باعتقادي ان هذا امر محتمل. لا اعتقد ان بالامكان اثبات الامر على هذا النحو، لكن، الامر محتمل طبعاً يظهر ان الناس باتوا اقل اهتماما بالشعر، ولذا يتطلب الامر شيئا على قدر من الغرابة (التجريب) لجعلهم يفطنون الى وجود ديوان ما لطالما شكل الجمهور احجية بالنسبة لي. لم احاول جاهداً تبين ما يحبه هذا النوع او ذاك من الجمهور، وبالتأكيد لم اكتسب مرة وفي ذهني فكرة ان هذ ما يهواه الناس.
[ هذا الكتاب ديوان غير عادي ـ ثلاثة كتب في كتاب واحد، وقد اسميته انت ثلاثية. هلا شرحت كيفية كتابتك للأجزاء الثلاثة؟
ـ جاء الديوان على هذا النحو لسبب محدد جداً. المسألة هي انه كان من المفترض ان اصبح مدير برنامج في جامعة براون. كان البرنامج تابعاً لقسم اللغة الانكليزية، وبحاجة الى شخص يكون مديراً ولم يكن ثمة مساعد مدير فقط سكرتيرة بدوام جزئي، ولذا ثمة عمل كثير يجب انجازه. لم يكن بالعمل الصعب، لكنه لا نهاية له. لم أنقطع عن التفكير ساعات فيما علي فعله في الغد وما لم انجزه البارحة، وتبين لي بعد مرور عدد من الاشهر انني لم أعد أكتب اي بيت شعر، وبالطبع لم يرق لي ذلك، لذا قررت ان منتصف الليل سيكون الساعة التي ستختفي فيها جامعة براون بالنسبة لي وسأعمل تاليا على قصائدي مهما كانت النتيجة.
قررت العمل على تقنية الكولاج في قصائدي، وعلى الجزء الميكانيكي من التقنية، بمعنى الاتيان بالكلمات من اي مكان، معتبراً ان ذلك يمكنني فعله دون تفكير. وهكذا احضرت خلطة من الكتب ووضعتها على الطاولة. الخطة كانت بسيطة جداً، اضع ثلاثة كتب امامي، كلها نثر، رواية ما، من ثم شيء سيكولوجي، وبعدها ما يتوفر امامي. اقوم والحال هذه باقتطاف عبارات من هذه الكتب لأؤلف مقاطع شعرية من اربعة، خمسة، او ستة ابيات. ما ان احقق ذلك اقوم لاحقا بتأليف مزيد من المقاطع الشعرية من نفس عدد الابيات، وحين يتحقق ذلك، اقول بعد صفحة او اغنيتين صار عندي هذه القصيدة الان وسآهذها الى الآلة الكاتبة وأطبعها، واثناء ذلك اقوم باعادة ترتيب المقاطع الشعرية بطريقة ابجدية. لم اكترث لابقاء الكلمات كما كانت تماما فأغيرها أحياناً. لم يكن قصدي اثبات اي امر بالكولاج، حل اهتمامي اقتصر على محاولة كتابة الشعر. بعدها اعطي القصيدة عنوانا، وأضعها جانباً، بعد اسابيع احصل على ما يعادل الكتاب بعد ان ينقطع التوليد، فأتوقف. عندها اعيد ترتيب كل القصائد من خلال العناوين وهذا يشكل الجزء الثاني من الكتاب. اما القسم الاول والقسم الثالث فهما كولاج بشكل اساسي. ولدي طرق عدة للعمل عليها.
[ الجزء الثاني من الكتاب ابصر النور أولاً بالفرنسية، أليس كذلك؟
ـ بلى، شاء ناشر فرنسي ان ينشر شيئاً لي، وأراد الاطلاع على هذا الكتاب، ووافقت مترجمة جيدة على نقله. كتبت “الي قائلة انها تدرك كون كل المقاطع الشعرية مترتبة ابجدياً، وسالت اذا كان عليها تجربة الحفاظ على ذلك في الفرنسية، مع اعترافها بأن ذلك سيكون صعباً. قلت لها ان بمقدورها ترجمة كل مقطع شعري كما تشاء وعندما يصبح لديها قصيدة في الفرنسية فيمكنها اعادة ترتيب المقاطع هجائياً. أرعبها الأمر، لكن مررت بباريس وبينت لها ان ذلك عمل سهل التنفيذ: اصابها القلق من ان يرى شخص النص الانكليزي والآخر الفرنسي ويعتقد انها اساءت الترجمة فأجبتها انه لم ينشر في الانكليزية بعد.
[ نفناف
من ثم، تفسير كيف تنسى
تجديد الحيز المطلق، أمر في
منتهى الصعوبة، مع التذكر دائماً
ان ليس الموسيقى القديمة جميلة، كلها، ولذا
ليس من الضروري الاختيار. الثلج يفرغ
حمولته وينزاح حين قلنسوته الثلجية
تلمع ثم تذبل. متوحش وهو خشن من
البداية حتى ولوج الزمان، الفضاء، المكان، الحركة.
كيف لنا الحصول على حركة حقيقية؟
اتوقع خيبة، اخفاقاً مصحوباً
بصيحات استهجان. دوران الريح في
حالة النبات، الكواسر في حالة
الحيوان تؤثران على توزعها
فوق البطاح القديمة. ومن ذا الذي
سيقوم بقيادة الجوقة والأوركسترا؟
أشياء كثيرة تنوجد في الحال.

استحسان وتفضيل. يبدآن
مع العاصفة. صوت رشيق،
جميل. مع مزاج هائل. يضعف
الحقل المغناطيسي للأرض. حتى الأميرة
إنساقت الى عنف التصرف،
منتهى الفرح، الهذيان المجنون، مدركة
تقريباً بصبوتها أعراف الأوبرا. هكذا،
أجل هكذا تفرقنا، لنلتقي من جديد.

وهكذا في سفينة، تحت الشراع، وبما أن
الشمس ذاتها تتحرك، مفترضة حيزاً
غير محدود (كما كانت الحال) كمجال تحسس
للكلي الوجود. مكتفين ببضع
أقدام من الأرض، سنبدأ بفرح غامر
بغرس حديقة. القيصر
داخل تلك الحديقة. إندلاعات هادئة
آمنة كفاية لجذب السياح. نفترض أجساماً أخرى أُبيدت.

تحت أي ظروف مفترضة، ولأني مُدرّب
على الوصف بدقة، أعاف كل ما تفوح منه
رائحة النظرية. إذا نظرنا الى انواع متشابهة
من الشُعب المرجانية، يمكن عندها تتبع
الموقع القديم لنفس البيئة دون غيرها. لكن هناك
تنكسر المقارنة. ومن تلك الحركات
النسبية تطلع حركة نسبية
لجسد على الأرض.

تعدد الكلمات
وكل آوى. وكل
ساكن عَزَمَ وأنا، أجل أنا
بكل عملياتي المختلفة، أنا
أتعثر، أدور.

كما يرى
واحدنا، في الصحراء، الماء
منبعثة، دائماً بعيدة،
أبداً عصية البلوغ.

منظر المطاردة
من فوق شرفات الحصن. لأجل أن أرى
شيئاً من عادتي دائماً التراجع الى الوراء.
وبعدها أين أنا؟

بعيد. عصي البلوغ.
إسمي. الجليل. عبثاً ـ أقصد
مغرداً خارج اللحن. وماذا عن السهو؟ الخداع؟
الخطأ؟

لأجل أن نشيخ
يفترض بالقمر أن يطلع. من نار
غير مرئية، تقفز ألسنة لهب محتلة
المنظر. حلم سماء هيولية.

ألوان دافئة، فروقات
دقيقة. موتيفات يعاد سكبها
في موقع بعد موقع. أشكال بلعتها
وفرة من الأقمشة.

عليّ إزاحة كل هذا:
برد المساء، إنطباع شفافية،
حضورك ـ أزيلها جميعها، دون
أن أغفل شيئاً.

ولدت في كانون الأول
وتبدو الأشياء كأنها تأتيني
كما كانون الثاني. الطائر الثالث
والخمسون على الشجرة هذا الصباح.

فرح، ضحك،
تفجع ـ الأمر أشبه بخارطة. رقصة بطيئة.
رقصة فالس. تسعون بالمئة
ظلام دامس حاجب للرؤية.

دعني أفكر الآن. طرقات.
قبور. معابر. يمكنني وضع قائمة
بأصدقائي… ما الذي سأغفله
لاحقاً؟

[قيل في شعره
قال الشاعر مايكل بالمرر في شعر والدروب المغرم بالشعر الفرنسي والذي أنهى عام 2006 ترجمة “أزهار الشر” من الفرنسية: “شعره مخضب بإنسانية معينة وتقدير للعبث، حتى للغرائبي، في الحياة اليومية. إن تضافر النثر والشعر بشكل إيقاعي عنده يذكرنا بحرية وحيوية وميزة التقطير في أعمال الشاعر الياباني باشو التي تنضوي تحت باب اسكتشات السفر. يبقى والدروب من خلال ميزة الترخيم الهادئ وتحديقته غير المخطئة واحداً من أصحاب الحضور شبه الخفي الحيوي والمطلوب في الأدب الأميركي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى