صفحات الشعر

ما تحسّه أصابع القدم في الرمل الرطب

null
قصائد مضادة للشاعرة الكندية اليزابيث بروستر
ترجمة جاكلين سلام
اليزابيث بروستر واحدة من أوائل الشاعرات الكنديات اللواتي نشرن شعراً في كندا الاربعينات. مواليد نيوبرانزويك 1922. حازت على عدد من الجوائز التقديرية ولها عدد من المجموعات الشعرية والكتابات الاكاديمية. في قصائدها حساسية تجاه المكان وتأثيره على الفرد وما تحمله الذاكرة بعد الغياب. في قصائدها التي تقول عنها “مضادة للحبّ” ثمة ضجر وبحث عن الحبّ، شكوى منه وتشكك في طبيعته التي لا تفسير لها، كما لا تفسير لرحلات أسماك السلمون”الرومانسية” التي تقطع آلاف الأميال في رحلة التخصب، التي قد تعود منها حية، أو تذهب شهيدة الحب. هنا بعض قصائدها المنشورة في عدد من أنطولوجيات الشعر الكندي.
[ المكان الذي أتيتُ منه
الناس تصنعهم الأمكنة. يحملون معهم
شيئاً من الغابات أو الجبال، نعمة الاعتدال
أو العيون الوادعة للمتأملين في البحر. طقوس المدن
وكيف تختلف في وقعها، كرائحة الاحتراق
أو كالزنابق الربيعية التي ليس لها رائحة،
الطبيعة تكومت في رقعة صغيرة
مع نافورة في المنتصف، رائحة متحف،
فنون تكومت بحذاقة في الدليل،
أو رائحة العمل، مثلاً صمغ المعامل،
المكاتب المطلية بالكروم، رائحة قطارات الأنفاق،
في الفترات الشديدة الزحام.
[ المكان الذي أتيتُ منه ـ2ـ
الناس يحملون غابات في رؤوسهم، هكتارات من أحراش الصنوبر؛
رقعاً من شجيرات التوت البري في أدغال محروقة؛
بيوتاً خشبية، عتيقة، تحتاج إلى دهان،
مع فسحات يدور فيها الدجاج والصيصان،
يوقوق بلا هدف، مدارس مهدّمة
وفي ساحتها الخلفية ينمو البنفسج. الربيع والشتاء
فصول العقل الباطن الرئيسة: الجليد وتكسير الجليد.

باب في الذهن يشرع مفتوحاً
وهناك تعصف ريح جليدية قادمة من حقول الثلج.
[ قصائد مضادة للحبّ
لا. أنا لا أحبك
رغم أنني أقول هذا
بحركة سعيدة كلياً.

لا تزهو بنفسك،
لا تقلق.
الأمر ليس كما تفكر
(من أين لي أن أعرف ماذا تفكر؟)
لماذا أشعر بالذنب
لأنني أضجرُ أحياناً؟
ذلك أنني أقارن يديك
بأياد أخرى؟
ولأنني أتذكر وجوهاً أخرى
أكثر من تذكري وجهكَ؟
ليس غلطك.
الحب لا يستحق أبدأً، غالباً هو مجرد تخيلات،
من الممتع أن أتشكى
من أنك لست أكثر حرارة، وسامة، نضجاً
وليست عيناك بنيتان
وفيك نفس الأخطاء التي لي.

الآن وقد فتحت
كل أبوابي لك،
هل أستطيع أن أغلقها ثانية؟
هل سأحبك حقا، ربما
فقط لو أنك رحلتَ؟
أهو الحب غير المتبادل
ما أردتُ دوماً
لأنه يحتاج وقتاً أقل
منه في الأشكال الأخرى؟
[ 2
رغم هذا ما زلت متعاطفة
أحاول أن أفهم
ذاك الصبي الصغير الخائف في المدرسة المحبِطة
تحت عناية كل هؤلاء المشرفين المجانين والصداميين

الصبي الذي قتل عصفوراً مرة
دون أن يعرف لماذا

(القصة أرعبتني،
المرأة-الطائرة التي هي أنا،
أقبع في عشي
عرضة لسوء المعاملة
ودائما خائفة
من أن تُجهضَ أجنحتي)

ولكنك حينذاك أردتَ أن تُعاقب،
وربما تريد ذلك الآن.
أستطيع أكثر أن أتفهم أنك سرقت السفينة، العيّنة
(لأنني مرة سرقتُ
جزدان عمتي المطعم بالخرز من صندوق الذرة
فقالت جدتي أن نهايتي ستكون في السجن
حيث أقتات على الخبز والماء)

وكيف جعلت صورة والدك مثالية
وهو المتهور الوسيم السّيء السمعة
والذي راح يتنقل من عمل إلى آخر
ومن زوجة إلى أخرى.

وذلك البحار
الذي دفعك للسباحة
في بحر مكتظّ بأسماك القرش
(أنت شعرتَ بأنه سوف يحطّ من قدركِ إلى الأبد إن لم تستطع أن تفعلها)

دائماً تعاقب نفسكَ
بالسقوط
لا بالإقدام،
ولا بالرغبة في تحقيق الكثير.

أستغرب، هل تنظر إلي كطائر،
سفينة، أم سمكة قرش؟
[ هناك وقت
لأبدأ مرة أخرى
لأكتب قصائد جديدة عن المكان الجديد
لأبدأ الحياة ثانية
لأجد حبيباً جديداً
أو دزينة عشاق
لأتبع ما تؤمئ إليه اليد
كي أبدع
أو كي لا أبدع.

لستُ شابة
لكني لست عجوزاً أيضاً.
أمامي عشرون عاماً
وربما أكثر
قبل أن تأخذني الأرض
تكسرني ثانية
وتعيدني بزاقة أو وردة،
“الموت حتمي”
قال حبيبي القديم،
“اعترفي بذلك”
صدّقتُ
رغم أنه نفسه لم يصدق ربما.
كل ما فعلته
يبدو هباء أحياناً
خرابيش على الرمل
ولكن دائماً
يمكن أن تحدث من جديد.

ليست الديمومة
ليست آثار الأقدام أزلية على الرمل
الخ الخ
ولكنها مشاعر الكتابة على الرمل بعصا مكسورة
قشرها خشن تحت الأصابع
أو ما تحسّه أصابع القدم في الرمل الرطب
هناك وقت
ما زلت
أستطيع أن أبدأ ثانية
هناك وقت.
[ رومانسية
تحدثني ماري عن إعجابها بأسماك السلمون
لأنها رومانسية جداً
إنها تقطع مسافة ألفي ميل كي تضع بيوضا،
ثم تموت وفق شريعة الحب والموت،
ويذهب لحمها طعاماً لأجيال جديدة.
لكنني شعرت بالفرج حين اكتشفتُ
أن أسماك سلمون المحيط الهادئ وحدها
في الحقيقة ضعيفة إلى هذا الحد
أما سلمون المحيط الأطلنطي فتقوم برحلة وضع البيوض مرات عدة
وفي كل دورة تكاثر
تحملُ جراحاً آخرى
وكالأشجار تظهر عليها الحلقات.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى