سيطان الوليصفحات الجولانصفحات سورية

المجتمع الجولاني :: بين الدروز و”الدرزنة”

null
سيطان الولي
لن نختلف على إننا ننتمي إلى الطائفة العربية الدرزية , بكل مسمياتها ” بنو معروف “أو” الموحدون”, والتي هي فرع من الإسلام . تعتقد ما تعتقده من الفكر الباطني , ولها اجتهاداتها المميزة في الفهم والسلوك الديني , وهي إحدى المذاهب الاثنين والسبعون من المذاهب الإسلامية الحنيفة .
وإننا لنفتخر بانتمائنا إلى هذه الطائفة , بتاريخها الوطني والقومي النضالي على مدار التاريخ , ونفتخر بالمبادئ والقيم التي تدعو إليها التعاليم الدينية الدرزية , القائمة على صدق اللسان وحفظ الإخوان .. هذه القيم التي وان طبقت في العلاقة بين أفراد المجتمع , لكنا بحق ذاك المجتمع المثالي الذي لا يضاهيه أي مجتمع أخر في قيَمِه ومبادئه وأخلاقه , ولأن مجتمعنا ككل مجتمع أخر, ليس متطهرا من كونه مجتمعا بشريا تتنوع فيه الأهواء والمصالح والمنافع , وتسود فيه الصبغة البشرية القابلة للخطأ , فإننا يجب أن لا نغالي في توصيف أنفسنا, إلا بما نحن عليه . ففي مجتمعنا الجولاني –الحالي- ثمة خير وشر في نفوس الناس , وثمة صدق وكذب , وثمة إخلاص وخيانة , وفينا الكريم وفينا البخيل , وفينا المثقف والأمّي, وفينا الخلوق وفينا ” الأزعر”..الخ من هذه التنوعات التي تتنوع فيها أخلاق البشر عموما , فما بالنا بمجتمعنا إلا أن يكون كسائر المجتمعات .
إننا مجتمع ككل المجتمعات إذا , نحمل بين ظهرانينا كل المتناقضات البشرية ففينا المتديّن وفينا العلماني , اليميني واليساري ,القومي والأممي, وفينا من يمثل المجتمع وفينا من لا يمثله إلا بالسلوك الحسن والقيم النبيلة الرفيعة والأخلاق السامية , والرسالة المحمودة . فلماذا يجهد بعضنا إلى وصف ذاته , ووصف مجتمعنا بأنه مثالي إلى درجة” المعصوميه” , والنقاء الافتراضي القائم على الغيبيات التي لا مسوغ لها إلا ما يُتوارث من مفاهيم , إن وضعت على لسان جاهل مدّعي, كانت وبالا على الطائفة برمتها , وان وضعت على لسان عالم ورع , كانت لبنة في بناء ذات الطائفة؟!!! .
والى أين تقودنا عملية ” الدرزنة ” ؟ التي يقوم بها البعض ممن لا يزال أمامهم دربا طويلة لكي يقول الواحد منهم رأيا يكون بقدر المسؤولية والوعي العميق لتسويغه وتوعية النشء على هداه , فينشأ على يدهم جيلا بعد جيل ابعد ما يكون عن الوعي الديني , واقرب ما يكون إلى الانفعال الهستيري , الناشئ عن رهبة يوم الحساب . وبذات الوقت إلى أين تقودنا عملية ” العلمنة ” ؟ التي يقوم بها من لم يعي حتى تفسيرها لغويا , فيدفع بالنشء إلى مجاهل الحياة ومنزلقاتها , فينشا على طريقته جيلا متهتكا اجتماعيا وأخلاقيا , هو ابعد ما يكون عن العلم ومنطلقا ته ودوافعه وغاياته , واقرب ما يكون إلى السطحية والتقليد والمظاهر التي لا جوهر لها .
ولان مجتمعنا ليس ذاك النموذج,أو هذا فقط , فان فيه من الطرفين من يقوم بما يدفع النشء إلى الوعي العميق الذي يجعل منه قادرا على مواصلة حمل الرسالة بشقيها , المؤسسة على الأساس الديني المذهبي , من جهة والمؤسسة على الأساس العقلي العلمي , من الجهة الأخرى . فكما أن مجتمعنا متعدد ومتنوع في السياسة , فانه متعدد ومتنوع في فئاته الاجتماعية , ولا تقوم له قائمة إلا من خلال الجمع بين هذه الفئات في إطار النشاط الاجتماعي والثقافي , ولكل فئة الحق الكامل في القيام بالنشاطات التي تؤدي , فيما تؤدي إليه, إلى ؤحدة المجتمع ,و سعة علمه , ورقي أخلاقه , وتقدم أداءه.
ويبقى السؤال لماذا هذا التعصب الأعمى ومن أين مصدره ؟
سوف أسوق في تشخيص جوابي على هذا السؤال ما حصل مؤخرا:
الحادث الأول : هو الاعتداء على الفكر والتنوع الثقافي , وعلى المنجزات الفنية التي أنجزها بعض فنانينا , بغض النظر عن ” الصخرة” . فان يكون لفئة منا, ما يعتبره وجهة نظر , تؤدي إلى إزاحة عمل فني من مكانه تحت ذرائع ” أخلاقيه منافية للدين” . فهو الجهل المطلق , بكون الوعي الديني يحمل رسالة أسمى من أن تنحط عقول البعض إلى تهييج الناس ضد عمل فني , بغض النظر عن نوع وشكل وقيمة هذا العمل , لان ما حدث هو تجييش النشء على الدخول في صراع داخلي بين فئات المجتمع, وهذا ما سيؤدي إلى تفككه وتشرذمه وضعفه , في الوقت الذي وجب على هؤلاء أن يعملوا على تعزيز الروابط الاجتماعية وتقويتها . فان كان العمل الفني هو المستهدف في الظاهر, فان المستهدف هو وحدة المجتمع في الحقيقة , وتنوعه ومنجزاته في قدرته – موحدا- على انجاز ما يصبو إليه, في ظل حالة ” التدريز ” و” الدرزنه” , فتُعطى المذهبية هنا شكلا فارغا من محتواه , إلا ما يخدم هدفا محددا يدعو إلى الانفراد في توجيه المجتمع , إلى حيث لا يريد المجتمع , والى حيث لا يريد رجال الدين العقلاء , والى حيث لا يريد ” المذهب الدرزي” ويبقى ثمة سؤال محيّر: لماذا هذه المعركة الفكرية “المذهبية” في هذا الأوان في الوقت الذي ليس لها خصم أو “عدو”؟؟!!!
الحادث الثاني : هو الاعتداء على مجموعة من الشباب ” غير دروز ” والقصة معروفة بتفاصيلها , أما خلفياتها فتكمن في نشر” الدرزنه” لغة بين الناس وخاصة الأطفال منهم, وتغذية العقول بالمفاهيم الشكلية الخالية من أي مضمون , إلا ما يناقض أصلا المفاهيم الدينية المذهبية للطائفة العربية الإسلامية الدرزية, التي بدأت بالتراث الدرزي , ولن تنتهي عند تطعيم الجيل الجديد بغذاء الطائفية , القائم على كراهية الآخرين, وبالتوكيد غير المبرر على : إننا دروز. وبس.
حسنا نحن دروز , وهذا ما نفتخر به أيضا , ولكن ماذا يعني بأننا دروز , غير الغاية التي بعثها في الأمة الإمام حمزة بن علي؟ ولماذا هذا اللغط الذي يثار دائما تحت عنوان : إننا دروز ؟. دون أن يكون ثمة مبرر لطرح هذا الأمر بتلك القوة التي نشهدها , أي بدون خصم يطعن بدرزيتنا ! في الوقت الذي لا ينبري من يبحثون عن الخصم الافتراضي , إلى شن” المعركة” ضد الخصم الحقيقي الذي يطعن بانتمائنا الوطني والقومي.
أن الأزمة الحقيقية التي تقف وراء هؤلاء الذين يفتحون معاركا وهمية تحت ذريعة : إننا دروز , تكمن في التجييش اللاواعي للتمسك بالدرزية التي لا يلاحقنا احد ليسلبنا إياها , فنرى مجموعة من الشباب الطائش , غير المتدينين أصلا , ممن يتعنقون بنجمة الخمسة ,” ويتفشخرون” بأنهم دروز , يهبون دون أي مسبب للاعتداء على غير الدروز من ضيوفنا , وهم سكارى أو ” مسطلين ” أو بدافع الغيرة الهستيرية , فيشاركون ” بالطوشه ” دون وعي منهم أو معرفة أسبابها . فهل هؤلاء هم من يمثل وجه الجولان الحقيقي بفئاته وأطيافه , وهل هؤلاء من يمثل وجه الطائفة الدرزية ؟ وهل هذه هي الحالة المنشودة للتعصب الطائفي التي ينشرها البعض من غير أي مسوغ؟ وهل هذا ما يهدف أن يصل إليه بعض ” رجال الدين ” ,– وهم البعض الضئيل — بان ينغلق بعض شبابنا على ” طائفيتهم “, لينفتح بعضٌ من البعضِ الآخر, على أفق الدنيا هربا من “التعصبية” الدينية.
أن من حق أي فئة اجتماعية وثقافية, أن تنشط في الوسط الاجتماعي العام, والشبابي بشكل خاص,لكن … أن أي نشاط سيكون مُعرض للنقد والمسائلة , وإننا كمجتمع جولاني عربي سوري تحت الاحتلال , تقع على عاتقنا توعية أطفالنا , أجيال المستقبل, على الانتماء الوطني والقومي ,إلى جانب التوعية الدينية , القائمة على مبادئ مذهب التوحيد , الداعية إلى العلاقات السوية مع المذاهب الأخرى , من قيم نبيلة وسلوك حسن , وأخلاق رفيعة , إلى جانب الحفاظ على المنحى الوطني القومي العربي, للموقف الديني , الذي سار عليه أبائنا وأجدادنا , من رجال الدين الأفاضل, وسطروا من خلاله مواقفا ثورية بطولية في الثورات المتعاقبة وفي المواقف النضالية المستمرة إلى يومنا هذا .
أن علينا كفئات اجتماعية متنوعة , أن نقف بشدة ضد كل من يعمل, أو يحاول العمل, على تشويه صورة الجولان وأهل الجولان , أو إثارة الانطباع السلبي عن مستوانا الثقافي والخلقي , أو تشويه الصورة الرفيعة عن مذهبنا الديني . وان الموقف الحقيقي لأهل الجولان , هو الموقف الوطني والقومي الثابت , والموقف الأخلاقي الرصين , النابع من قيمنا ومبادئنا السامية , الموروثة منها والمستحدثة . ومن يخالف هذه القيم والمبادئ , فهو لا يمثل أهل الجولان العرب الدروز , المحصنين بمكارم الأخلاق , دائما وابدأ.
سيطان نمر الولي
كانون أول /2009
موقع الجولان الالكتروني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى