صفحات الحوار

هنادي زرقا: لي طريقتي ومن يتبع غيرها ليس أقل شاعرية

null
اسكندر حبش
الكتّاب الشباب لا ينالون حظهم من الاهتمام والنقد
»زائد عن حاجتي«، عنوان المجموعة الشعرية الثالثة للشاعرة السورية هنادي زرقا، التي منذ كتابها الأول، عرفت كيف تفرد لنفسها مكانة خاصة بين أبناء جيلها. قصيدة تحاكي الكينونة ودواخلها ومناخاتها المتعددة، عبر كتابة تشي وتومض أكثر مما تذهب إلى الكلام المجرد.
حول هذه التجربة، هذا الحوار…
لنبدأ بشيء من التقليدية، كيف جئت إلى الشعر وبخاصة أنك درست الهندسة الزراعية؟
¯ مع أنني لا أؤمن بأنّ الموهبة لها علاقة بالتحصيل العلمي، ولم أكن أودّ دراسة الهندسة الزراعية، بيد أنّ النظام التعليمي لدينا يفرض عليك فرع الجامعة حسب ما تحوزه من درجات في الثانوية العامة، وأهلي يفضلون الهندسة، القرار لم يكن في يدي، كنت بحاجة إلى الاستقلال المادي (لأفرض شروطي)، فكان أن درست الهندسة الزراعية، قد يخلق هذا بعض التنويع في حياتي. بالطبع كنت أفضِّل دراسة الآداب مثلاً. ولي محاولات شعرية قبل الجامعة، ولكن الدراسة الجامعية فتحت أمامي أبواباً كثيرة وجعلتني أعي أنه يمكن أن تدرس أي فرع جامعي وإلى جانبه تمارس نشاطاتك التي تحب، تعيش تجارب غنية تمدّك بمواضيع شعرية، تتعرّف على ناس كُثر.
… وهكذا كنت أمضي وقتاً طويلاً في المطالعة، واشتركت في عدة أمسيات شعرية خلال الدراسة، ذات يوم شدني إغراء أن يكون لدي كتاب عليه اسمي، فقررت أن أطبع كتابي الأول »على غفلة من يديك«، عندما صدر بدا وكأنه نال استحساناً لا أعرف درجته، ولكنني فجأةً وجدت نفسي متورِّطة، وكلما قرأت اسمي على أنني شاعرة، شعرت بغرابة الاسم عني.
هل ما زال الشعور بالغرابة مستمر حتى الآن؟ وصلت اليوم إلى الكتاب الثالث؟ بمعنى آخر ماذا تعني لك الكتابة بعيدا عن هذا الشعور؟
¯ كان عليَّ أن أصدّق نفسي، في النهاية ما أكتبه هو أنا بثقافتي ونظرتي إلى الحياة، الشعر بالنسبة لي هو انعتاق من كلاسيكيات اللغة والمجتمع، بحث دائم عن المعنى في العلاقة الغائبة بين الأشياء، تعرية للروح والعالم. لا أشعر بحريتي إلا حين أكتب وإن كانت هذه الحرية مجرد بياض مهدور قد تنتهي بتمزيق ما كتبته، لكن ذلك يحدث، لا بدّ من معنى كي أستطيع الاستمرار، قد تكون الكتابة بمعنى أو بآخر خلق حياة بديلة لحياتي الفانية، ربما تساعدني في تحدّي الموت، وتجعل مرور الوقت أسهل.
استكمال مشروع
حاز كتابك الثاني جائزة محمد الماغوط للشعر، ماذا تعني لك هذه الجائزة؟ وما الذي غيرته في مشهدك اليومي؟
¯ أن يحوز كتابي الثاني جائزة محمد الماغوط، أعتقد أن هذا قد يمثّل اعترافاً بنصّي الشعري، وحضوره في المشهد الشعري السوري، مع قناعتي بأن الجوائز قد تقدم رضى معنوياً للشاعر لكنها لا تعكس أهميته، فهي في النهاية خاضعة لذائقة لجنة التحكيم. بعد الجائزة، وبغض النظر عن رأيي السابق، شعرت بالخوف، كان علي استكمال مشروع كنت قد بدأته في »إعادة الفوضى إلى مكانها« وهو صورة المرأة الجديدة التي تتعامل مع نفسها كذاتٍ حاضرة في غياب الرجل أو حضوره، دعني أَقُل المرأة التي لم تعد تنتظر مرور رجل في حياتها كي تستطيع الاستمرار، امرأة تعي ذاتها ودورها وحقوقها، كل ذلك جعلني أشعر بأن علي أن أتطور أكثر، أقرأ أكثر. وأن أخلق خطّاً لغوياً موازيا لهذه الحالة. آخذ كلّ شيء بجدّية أكبر، لأنه حتى اللحظة لم أكن أنظر إلى الموضوع أكثر من شيء خاص وجميل يعنيني فقط، وقد يعني بعض أصدقائي، ولا أنتظر تقديراً أو اعترافاً من أحد.
بالتأكيد لا تعكس الجوائز القيمة الأدبية، ولكنها تلفت النظر إلى عمل ما، هل لفتت الجائزة بهذه المعنى النظر إلى كتاباتك؟
¯ لا أدري، ربما لفتت الانتباه إليّ لكي أتورط أكثر، فمشكلتنا نحن الشباب، أننا لم ننل حصّتنا من النقد والاهتمام، أحياناً عندما يقرأ أحد كتبك يضيء نقاطاً كانت غير واضحة بالنسبة لك، أو يجعلك تلتفت إلى عملك بصورة مختلفة. مشكلة الجوائز أحياناً أنها مثل النياشين قد لا تعني أحداً باستثناء من يعلقها على سترته.
برأيك لماذا لم نُقرا بعد نقدياً مثلما ينبغي؟
¯ هناك مشكلة في التعاطي مع الشعر، لا نقاد متخصصين في الشعر، مثل الرواية، أو القصة القصيرة. فقد يمارس الصحافي أو الروائي أو أي كان نقد كتاب شعري، في الغرب هناك نقاد متخصصون، ربما لهذا أحياناً لا أعرف إن كان كتابي جيداً أم لا، أحياناً تلعب العلاقات الشخصية دوراً كبيراً في تسليط الضوء على كاتب بعينه، قد يُمدَح عمله أو يُذمّ، وعندما يصدر عمل لشاعر معروف يتطوع الجميع للكتابة عنه، ولكن قلة من الأقلام تولي اهتمامها لكاتب جديد، أو مشروع جديد. هناك مشكلة أيضاً في تسويق الكتاب الشعري. قد لا يتجاوز الكتاب حدود بلده، فكيف له أن يُقرأ جيداً. حتى منابر النشر تتواطأ فعندما يُرسل لها مقابلة مع كاتب ناشئ قد لا تولي الاهتمام، يفضلون نشر مقابلة مع شاعر معروف.
إحدى ميزات قصيدتك، التكثيف، وهذا العمل على الومضة الشعرية، إذا جاز التعبير لكن ذلك كله لا ينسى الذات وكأننا أمام سيرة للكائن بكل تفاصيله، ماذا تقولين؟
¯ يغلب على شعري كما قلت نص الومضة الشعرية، لكن لدي بعض النصوص الطويلة. في الواقع، أركز في نصوصي على التفاصيل التي تخلق حياة كاملة. في رحلة بحثي عن ذاتي، بتفاصيلي اليومية… أكتشف ذاتي و أشكّل لوحة العالم الذي أعيشه بصوره المنفّرة أحياناً، المؤلمة، والمخيبة أحياناً أخرى. لوحة فسيفسائية لكائن يتشكل من هذه التفاصيل والصور.
هذا مفهوم للشعر ولا يشكل الشعر بأسره؟ كيف تتعاطين مع النص الذي لا يقف عند هذا الخط؟
¯ هذه طريقتي في الكتابة، لا يعني أنّ من يكتب بطريقة مغايرة هو أقل شعرية أو أكثر، القصيدة الجيدة بنية وموضوع وشكل، إظهار إبداعي لمشاهد حياتية لما خفي منها وما بان، غالباً ما يجب أن لا نقوله هو الذي يجب أن نقوله… وما يجب أن نفعله هو ما يجب أن لا نفعله… ذلك أنّ العبرة في النتائج، في النهاية يجب أن يكون لدينا قصيدة جيدة مع كلّ ما في هذه الكلمة من عدم التحديد.
نصوص متنوعة
هل كتابك الأخير »زائد عن حاجتي« ينتمي أيضا إلى هذا المفهوم؟ هل تجدين أن التجربة في هذا الكتاب ذهبت إلى أماكن أخرى للقول؟
¯ »زائد عن حاجتي« كتاب سيصدر عن أمانة دمشق عاصمة ثقافية للوطن العربي ،٢٠٠٨ لا أعرف بالضبط متى سيصدر، حوالى ٧٥ صفحة، بعض نصوصه تعتمد كما قلت الومضة الشعرية وهي استكمال لما بدأته في »إعادة الفوضى إلى مكانها«، وهناك بعض النصوص الطويلة، لا يدخل ضمن مفهوم الكتاب الذي يمثل حالة واحدة، نصوصه متنوعة، أجرّب عن قصد أو غير قصد، أصبو إلى آليات جديدة ومتنوعة في كتابتي، أحياناً أشعر بأن الثقافة تتدخل في نصّي الشعري وتغدو نصوصي مفكرنة تبتعد عن الحسي، طبعاً لا أود ذلك، وبالتأكيد تجربتي لم تكتمل بعد مثل الآخرين، إن كان في شكل القصيدة أو موضوعها. لا أشعر بأني وصلت إلى شكل نهائي يرضيني في كتابة القصيدة.
كيف تنظرين اليوم إلى المشهد الشعري في سوريا، أين اختلافه عن المشهد السابق؟
¯ اختلفت المواضيع التي يتطرّق إليها شعراء اليوم، بات يغلب عليها الطابع الفردي، وهو بحدّ ذاته تطور، فقد انتقل الشعراء إلى أنفسهم ومحيطهم الضيق بعيداً عن القضايا الكبرى، ربما لتسليط الضوء على ما يحملونه من خيبات، هواجس، وأحلام ومشاعر… كل ذلك يحدد أحد ملامح المشهد الشعري الحالي.
ولكن يبدو أحيانا وكأننا نكتب نصا واحدا، بمعنى انه لو نظرنا اليوم إلى التجربة الشعرية الحديدة، لا في سوريا فقط بل في مختلف أرجاء العالم العربي، لوجدنا أن الغالبية يعودون إلى مرجعية واحدة. برأيك هل هذا صحيح؟
¯ بطريقة أو بأخرى هذا الكلام صحيح، لأنّنا نعيش عوالم مشتركة من الاغتراب والقمع داخل مجتمعاتنا، نساء ورجال عــرفوا الخيبة، وانكسار أحلام الأجيال التي سبقتنا، جعلت البعض ينكفئ على ذاته، ويحاول أن يعيها قبل أن ينظّر عن خيبة مجتمع وانكساره، وكأنه يريد بذلك أن يفهم لِمَ ينكسر الإنسان ولم هو محطّم في هذا المجتمع أو ذاك، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، فقد تتشابه التجارب الشعرية في بداياتها نتيجة للتأثيرات المتشابهة من قراءات، لكن بعد فترة من التجريب يكتسب كل شاعر خصوصية وذائقة تميزه عن الآخرين. مثلاً عباس بيضون لا يشبه أحداً، منذر مصري يقلدونه لكن لا يشبهونه. وحتى في جيلنا لا أشبه جولان حاجي أو إيمـان إبراهيم، كلّ منّا له صوته.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى