صفحات ثقافيةفادية لاذقاني

في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل رياض الصالح الحسين :هدهدة على سرير الصغير النائم

null
فادية لاذقاني

هذا اليوم لم ينتظر جميل حتمل ولا ثانية، ربما قبل أن يلقي التحية، قال لنا وتعابيرُ وجهه المتدفقة تُسابق بلهاث حيّ متحمس ثائر كلماتِه الحارةَ المتطايرة
– سنرى رياض الصالح اليوم!

كان رياض الصالح الحسين قد استقر في الشام منذ شهرين ونيّف، وكان جميل حتمل، وائل السواح، حسان عزت، فرج بيرقدار، بشير البكر، يوسف عبدلكي وأنا نجتمع عند يوسف في جلسة الكرّاس الأدبي الأولى في بيت أهله ، ثم عند حسّان تارةً وعند جميل أخرى . نسيت الآن تفاصيلَ كثيرة، لكني لا أنسى، ثورة جميل على تأخر “الكرّاس” بنشر قصيدة لرياض. وربما أخطىء الآن إن تداخلت في ذاكرتي غمامتان صغيرتان أولاهما هذا التأخر وثانيتهما شيء يشبه عتاباَ من جميل على بشير البكر الذي لم يقدّم رياض الصالح الحسين قبل قيامه بهذا بكثير. ما يهمّ؟ عند من؟ بين جدران بيت أحياناً أم على ضفاف بردى غالباً؟ وهل لم نعرف رياض قبل تقديمه لنا من قبل بشير؟ وهل ذاق رياض الصالح الحسين كبة أم حسان الشهيرة؟

ثم هطلت لقاءات كثيرة بين أوائل 77 وحتى نهاية 81 بالنسبة لبعضنا، وقبل ذلك بعام كامل بالنسبة لبعضنا الآخر،تاريخ “سُكٍّن” بعضُنا فيه بلاداً داخل البلاد، أو اضطر الآخر لبلاد خارج البلاد.

على كل حال، عندما اقترحت علي هالة العبد الله –وفرج- كتابة كلمة عن ذكرى رياض بمناسبة الأمسية. لم يكن هاجسها عن رياض أو اقتحام ذكراه علينا هنا في باريس بالشيء الجديد. كانت هالة تصرّ على إحضاره منذ أول تبادل معها بمناسبة إعدادها لفيلمها الأول ثم الثاني. رياض كان دائماً ضمن الثلاثية الأ كثر حضوراً والتي كانت تسكن هالة آن / ومن قبل تحضيرها ثم إنجازها لفيلميها : جميل حتمل، دعد حداد ورياض الصالح حسين . ألم مرّ من تشرذم المواد وافتراق الأصدقاء والأحباب كل إلى دياره القسرية أو القسرية –من سافر ومن لم يسافر- .

جلسات…جلسات…جلسات… “خراب الدورة الدموية” كم تكلمنا عن قسوة الحياة ؟” لكن العنوان الذي بقي بيننا في الغربة حاضراً لا يعرف النسيان أو الاختلاط كان ” واضحٌ كالماء، بسيطٌ كطلقة مسدس”. رغم أن أحداً من مجموعتنا القريبة لم يعد في المدينة وقت صدوره. حياةٌ غيرُ مكتملةٍ، كحياة رامبو، وشوبيرت.

قال لتا جميل إذن: سنرى رياض الصالح الحسين اليوم!

أرى الآن رياضاً وهويصافحنا كأنما بخجل، رقيقاًـ كالهمس – ناعماً كأغنية، ضاحكاً كطفل صغير صغير، مطلاً بعينين كبيرتين كلوزتين بريتين شهيتين مستطلعتين، بارقتين، دهشتين، كأنما تريدان التقاط كل عناصر العالم متحديتين جدار الصمم الغاشم. أرى الآن أحمرَ الشوندرِ يُلوّن خديه، وداخلَ الأحمر بعضُ بقعٍ أقلُّ احمراراً، وما أن تقال له جملة على ورقة أو بحركة الشفاه حتى ترى هذه الحمرة وقد ازدادت وتوهجت وتألقت وكأن منها تنبعث جذوةٌ لاهبةٌ متفجرةُ كعيون شيطانية غير عابئة بالمخاطر ولا بالمرض ولا بالإفلاس الذي قد يُعجزه عن العلاج كما يجب.

كل ذلك الألق، الوهج،الحمرة الجارحة الجميلة المشرئبة المتلظية التي تجعله يبتسم دائماً وأنت بالكاد تسمع منه شهقاتٍ وتصويتاتٍ كانت فيما مضى كلاماً يمكن أن يقال، كل ذلك لم يمنعني يوماً من أن أرى وراءَه أو تحتَه، عيني طفل محرومٍ حزينٍ مفتقدٍ وبردانَ، كأنما تقولان لي كلماته الحبيسة :
“أنا تعب، عندي كلام كثير لم أقله بعد، أحلم بهدهدة أمِ حنون تفتح لي ذراعيها وتضمني وتغني لحنا كي أرتاح قليلا.
تخيلتني مرات أضمّ بردَ العينين وخيباِتِ الوجع غير المُقال، كما يضمّ دفءُ كفّي أمٍ عصفورها الجريح
بكل خشية مهابةَ أن تتكسر عظامه. لم أفعل………؟ ومن يدري، علّني فعلتُ

“يلّلا تنامْ يللا تنامْ…لجِبْلَكْ طير الحمامْ…روح يااااحمامْ لاتصدق..بضحكْ عزْغيري تينام”……

يمكنك تحميل باقي المقال من الرابط التالي:

https://alsafahat.net/blog/pdf/fadya_riad.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى